قصة الدجاجة المذعورة للأطفال ومفهوم العنف
يحب الأطفال القصص ويستمتعون بها بما فيها من حوار وعوامل جذب وسرد شيق، فهي عمل فني متكامل يستثير اهتمامهم، خيالهم ومشاعرهم ، يستمتعون بها ويتعلمون منها فتمنحهم الشعور بالمتعة الانفعالية والجمالية.
أتحدث اليوم عن قصَّة ” الدجاجة المذعورة ” للكاتبة نزهة أبو غوش، والتي صدرت حديثا عن دار الهدى للطباعة والنشر حيث تقعُ القصة في تسع وعشرين صفحة تزينها رسومات معبرة للفنانة منار نعيرات.
بداية أود أن أبارك للكاتبة على هذا الإصدار مع تمنياتي لها بالتقدم والنجاح ، كما أشكرها على اهتمامها بعالم الطفل وطرحها لفكرة عميقة من خلال سرد بسيط احتوته هذه القصة الصغيرة ، فالاهتمام بأدب الاطفال يُعد مؤشرا واضحا لبناء مستقبل واعد يرتقي بأطفالنا فشكرا للأخت الكاتبة على هذا الاهتمام .
(كُتبت هذه القصة بلغة سهلة حيث تتحدث باختصار عن خلاف يقع في حديقة للحيوانات، بين الديك الذي صعد في بداية القصة فوق السور وأخذ يصيح كعادته، نتفاجأ بشخصية الكلب الغضبان (فوكسي) الذي بدأ يشتُم الديك ويهدده، فتقاطعه الدجاجة مدافعة عن الديك مما أثار غضب الكلب فأخذ يلاحق الدجاجة وينتف بعضا من ريشها ! هنا غضب الديك الذي استنجدت به الدجاجة فأخذ يصيح مرة أخرى، تجمعت الحيوانات حول الديك الذي وضح لهم بدوره ما حدث، فاتفق الجميع أن هذا عنف جسدي ولفظي مرفوض في حديقتهم، تمضي الأحداث مسرعة وفي النهاية وبعد مداولة الأمر تم الاتفاق على وضع القانون الذي سيحمي الجميع من العنف، ثم هتف الجميع : يحيا القانون ) .
أهمُّ ما يميز هذه القصة هو لغتها السلسة المستمدة من عالم الطفل ومعجمه حتى يستخلص منها أهمية وجود القانون لحماية البشر من العنف . القصة غير متعبة للقارئ الصَّغير وبإمكانه استيعابها بسهولة، وبإمكانه أيضا فهم النماذج الموجودة فيها ببساطة ليسقطها على نماذج موجودة في محيطه الصغير، فهي تُعنى في الجانب التهذيبي للسلوك والتصرفات، من خلال لغة مُيسرة سهلة الفهم ، لكن .. لي بعض الملاحظات حول القصة بشكل عام أرجو تقبلها مع كل الاحترام .
العنوان .. حملت القصة بين طياتها فكرة نبذ العنف وغياب القانون وهي فكرة قيّمة يجب أن نعلمها لأطفالنا خاصة وأن العنف بدأ يستشري بشكل واضح في مجتمعاتنا ، لكن العنوان – الدجاجة المذعورة – لم يخدم الفكرة فقد كان بوسع الكاتبة اختيار عنوان شيق آخر يخدم المحتوى بشكل أفضل .
مع الاسف تفتقر القصة لعنصر الترغيب والتشويق خلال أحداثها، كما وضعت الكاتبة سلوك وتصرف الكلب العدواني في بداية القصة دون تبرير واضح مُفسر للطفل ، فبدى وكأنه شر غير مفهوم أو غير مبرر ! فقد يتساءل الطفل ما سر هذا التصرف السيئ ؟ إذ لم تحتوي القصة على إجابة واضحة تفسر سبب تصرف الكلب أو تشرحه !
تخدم القصة الجانب الاجتماعي اللطيف الذي صورته الكاتبة عبر تجمع الحيوانات في الحديقة ونقاشهم حول سن القانون اللازم لحمايتهم من العنف ؟ لكن، في النهاية لم توضح الكاتبة ما هو هذا القانون الذي تم الاتفاق عليه، وكيف يعمل، وما هي عقوبة من يقوم باختراقه ! نعم هي قصة بسيطة لكن الطفل بدوره يفكر، ثم سيتساءل ما هو القانون، وماذا سيحصل حين يخترق احدهم هذا القانون؟ هنا ..تكون الكاتبة قد تركت النهاية مبهمة غير واضحة بالنسبة للطفل الصغير، الفضولي بطبعه المتعطش للمعرفة ، مفترضة أن الحيوانات قد وجدت الحل السحري الذي سيُقنع تفكير الطفل وعقله فيكتفي بهذا القدر من المعلومة ، أتصور أن الاطفال اذكياء ويكثرون من طرح الاسئلة، هنا افترضتُ أني قد أكون مخطئة، فقمت بإعطاء القصة لابن اخي (7سنوات) وطلبت منه قراءة القصة، قرأها ثم أعادها إلي مجددا، فسألته هل أعجبتك القصة ؟ أجاب: نعم ، ثم سألني على الفور ماذا سيحصل للكلب حين عودته إلى الحديقة؟ كيف سيُعاقب؟ وكيف سيعيد القانون حق الدجاجة ؟ فبدأت بتبسيط الموضوع وشرحه له باختصار.
لا أخفي إعجابي بالفكرة إلا انها تحتاج لبعض المعالجة، بحيث ترضي الطفل وشغفه في تلقي المعلومة، ثم بعد ذلك تطرح الكاتبة نهاية مقنعة أكثر من خلال السياق، مما سيساعد الطفل على الاستنتاج وتنمية تفكيره وخياله معا.
ملاحظة أخرى، فقد افتقرت القصة الى تحديد المرحلة العمرية لها، وهذا مع الأسف موجود في معظم القصص التي تُطرح لأطفالنا في العالم العربي حيث يتم إهمال ذكر المرحلة العمرية لكل قصة . وبعيدا عن قصة الدجاجة المذعورة فمن خلال تحديد الفئة العمرية للقصة بشكل عام يتمكن الكاتب من تحديد النص لتلك المرحلة التي يكتب لها وذلك لإشباع احتياجاتها النفسية، اهتماماتها، ميولها ومتطلباتها، كل ذلك يُمكّن الكاتب من ادراك ملكة التذوق الفنية والجمالية لدى الطفل الذي يكتب له فيساهم بذلك في توسيع مداركه. كما أن عدم تحديد الفئة العمرية للقصة يؤدي الى ارباك وتردد المربي في اختيار ما يناسب الطفل من القصص. بالطبع نحن نلتمس العذر لكتابنا وكاتباتنا حول هذا الموضوع بسبب افتقارنا لهذه الدراسات وللأدوات المعرفية الحديثة المتعلقة بهذا الشأن في عالمنا العربي بصورة عامة ، لكن .. هذا لا يعفي الكاتب من محاولة البحث ما أمكن قبل الشروع في الكتابة ، فمن المهم أن يمتلك الكاتب الوعي والمعرفة ، ليتمكن بذلك من معالجة فكرته التي يطرحها عبر قصته والتي تناسب عمر الطفل وطريقة تفكيره كما تتناسب مع البيئة والمحيط من حوله، فالقصص والحكايات التي كانت تقصها علينا الجدات لم تعد تصلح لهذا العصر، لأن الطفل ابن جيله وعصره وزمنه، وأرجو هنا عدم الخلط بين هذه الملاحظة وبين القصص الشعبية التي تحفظ التراث من خلالها، فذلك شأن آخر لن أتطرق إليه هنا.
نحن اليوم لا نستطيع إنكار هذا الكم من المعلومات والصور التي تتدفق من حولنا عبر الانترنت فيراها أطفالنا، وهم على اطلاع مستمر بما يحيط بهم، فهذا عصر التقنيات وتكنولوجيا المعلومات ، بالتالي يجب أن لا نغفل عن كل تلك الادوات المتوفرة والتي تحرك رغبة الطفل في التعلم والتطور، هنا نستشعر مدى حاجة أطفالنا إلى القراءة الممتعة المفيدة التي يجب أن تجتذبهم من أضرر ألعاب الإنترنت .. لذا علينا حث أطفالنا على قراءة القصص والتعلم منها، لكن على أن تحتوي هذه القصص على المتعة والفائدة، ومن ثم العبرة التي يستنبطها الطفل من خلال القراءة، فتساهم في بناء شخصيته وغرس القيم الانسانية به.
تمتلئ مكتباتنا بالقصص، منها الجيد ومنها ما دون ذلك، المطلوب منا أن لا نقوم بإعادة إنتاج وتقليد الحكايات المتوفرة في المكتبات كمصادر لأدب الأطفال مع إضافة بعض التحديث، فالعالم من حولنا مُتغير مُتجدد، ونحن لا نريد التكرار لأطفالنا، نحتاج للاختلاف الخلاّق الذي يغرس الاتجاهات الايجابية في نفوسهم وذلك لبناء جيل مختلف مبدع يكون امتدادا لنا .. يحضرني هنا بعض ما سطره الأديب العربي الكبير جبران خليل جبران حيث قال : أولادكم ليسوا لكم ، أولادكم أولاد الحياة المشتاقة إلى نفسها ، بكم يأتون إلى العالم.. أنتم تستطيعون ان تمنحوهم محبتكم .. ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم أفكاركم ، لأن لهم أفكارا خاصة بهم .. نفوسهم لا تقطن في مساكنكم ، فهي تقطن في مسكن الغد الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم
صحيفة رأي اليوم / December 26, 2018