رحلة إلى ذات امرأة ..!
الفنان الكندي – إيمانويل جارانت Emmanuel Garant – ينتمي إلىالمدرسة الواقعية الرومانسية في الرسم، فهو عادة ما يصور شخصياته في أجواء رومانسية لطيفة، تعطي انطباعاً جديداً من الجمال والعواطف الجياشة الحيوية، فهو يمتلك نظرة ثاقبة تكشف لنا عبر لوحاته الرائعة كل ما يلتقط من أفراحٍ وأتراح وصراعات وحزن .. عند قراءة هذه اللوحة وبعض التحليل، نلمس العلاقة اللا متناهية فيما بينها وبين لغتها، حيث يقدم الرسم هنا ما لم تتمكن اللغة من تقديمه، وهكذا نستشعر العلاقة الأكثر رحابة وشفافية على الإطلاق .
جمال هذه اللوحة يكمُن في حبكتها المنطوية بين الألوان التي تنساب برشاقة ضمن أسلوبٍ تَوّاق شيّق، وهي تحكي ببساطة عن أحد المشاهد الحياتية الإنسانية .. تبدو لغة الجسد لهذه المرأة واضحة، فهي تقاوم الحزن المكبوت في أعماقها، قد يُفسر ذلك على أنه طابع متجاوز ضمن لغة رمادية صامتة فيما بين الكلمات والأشياء والموجودات مما شكل طبقات عديدة أحاول تفسيرها.
ظلام يُخيّم على المشهد ويلف تلك المرأة، وكأنها تجلس في محراب من العتمة، فيخيم الصمت المطبق فارضاً نفسه مع أسئلة من الصيرورة والكينونة والواقع، وفي مشهد واضح مَنحتُ هذه اللوحة عنوانها التلقائي “اعثري على ذاتك”، بكل ما شمل من العزلة والوحدة، فالمرأة هنا غارقة مستسلمة للحزن والانطوائيّة، وتكاد عيناها أن تذرف دمعها وأوجاعها بألمٍ وصمت.
حين تتعرض المرأة لنكسة عاطفية تفتقد للبسمة، تلك التي كانت تهطل عليها بالأمل، فيتسلل الشعور بالعجز والإحباط إليها جاعلاً إياها تُراوح مكانها حزينة خلف سحب رمادية كثيفة، لتنفي نفسها خارج الزمان والمكان ! وعن كل الحكايا والقصص والنور والظلال والألفة والانسجام، وبغصة شديدة تفصل بينها وبين دفئ الألوان والأطياف والفرح، شعورٌ غامض يتسلل إليها وينساب ليستعير منها الهواء ذاتها مختطفاً منها أعذب الأيام، هارباً بعيداً تاركاً لها جروحاً نازفة موغلة، لتهزمها المسافة بإيقاع من الأنين على شواطئ الخيبات الممتدة !
لقد أثّرت بي هذه اللوحة لدرجة أنني قمت أحادث تلك المرأة اليائسة الحزينة فأرشدها قائلة : لملمي جراحكِ واستجمعي قواكِ التي غيبتها تجربة قاسية، أعيدي مجدداً ترتيب أوراقكِ وما تبعثر من ذاتك، شكليها مجدداً لتُصلحي ما احترق منها، وما تشتت في عمق روحك، قرري بناء نفسكِ من جديد، اتركي مراوحة المكان في فضاءات الندم وانهضي بذاتك المتعبة من الخيبة، تناسي وترفّعي، هكذا ستُعلمكِ التجربة الخروج من الألم قويةً مع الاحتفاظ بإشراقة النفس ونقائها مع رؤية عميقة للحياة، مع الوقت ستمتد روحك لجذور قلبكِ مؤكدةً بأنك تتأصلين سكينةً وطمأنينة، فأحيانا القليل من الثقة في الحياة يكون مفيداً لنا، وهو ذلك السر الذي يمنحنا القوة، فعلى الإنسان أن لا يخاف من تجاربه وأخطائه السابقة، وعليه أن لا يسمح للماضي أن يتحكم به.
أخيرا أقول : كنت قد قرأت قبل سنوات هذه المقولة الرائعة ” إذا كنت تثق بالحياة فستمنحك الحياة ثقتها ” هذا يعني ضرورة الوعي بثقافة الحياة، والتمسك بالنور والأمل حتى الالتقاء مع آفاق فجر يوم جديد.
نشر في مجلة أصحاب : الأربعاء – 5 ديسمبر 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق