بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

الحوار مع الآخر.. ضرورة إنسانية

من سمات البشر الطبيعية اختلافهم بالأفكار والآراء ووجهات النظر والأذواق والميول وسبل التفكير، وذلك ليتسنى للإنسان أن يعمر الأرض بثراء وخصوبة وتنوع سائراً نحو الحضارة والمدنية برؤية شاملة وأفقٍ أوسع فيعيش حياة أفضل بعيدة كل البعد عن التعصب والتطرف الفكري أو المذهبي أو السياسي أو العقائدي، لذا كانت الاختلافات الطبيعية بين الناس رحمة للإنسان وفضل لا ينكره إلا ذوي العقول المتحجرة، ولا يعرف قيمتها ومعناها إلا من عاش تحت سطوة قهر الأفكار وكبح جماحها.

نعيش اليوم واقع مرير يتمثل برفض الآخر شخصاً وفكراً ووجود، وذلك لاختلافه بوجهة نظره السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الطائفية، أو لآرائه الشخصية أو وجهات نظره، وتحولت كل الاختلافات إلى أدوات بيد من فقدوا ضمائرهم وإنسانيتهم ليعملوا على تغيير حياتنا وتبديلها إلى معاناة وعنف متجدد ونزاعات وصراع لتأخذ بذلك ثقافة الحوار بالانحسار حتى اضمحلت، لنجدها مع الأسف اختفت تماما خلال السنوات الأخيرة من حياتنا، فيترسخ غيابها في أذهان الناس ويتجذر في حياتهم بما أصبح واضحاً جلياً في تصرفاتهم وسلوكياتهم كأفعال وأقوال وممارسة يومية عادية، وإذا بالصوت الواحد الرافض للاختلاف يعلو مسيطرا علينا وعلى واقعنا بأن كل مختلف هو خائن أو عميل أو كافر أو متآمر، وبهذا يصبح المختلف مُنتهك ومباح! وهكذا أُعدمت ثقافة الحوار لتغيب عن قضايانا الإنسانية الكبيرة والصغيرة فتحل مكانها صراعات طائفية ومذهبية أو سياسية أو ثقافية واجتماعية، ويمتد الأمر ليصبح خارج السيطرة لنغدو بذلك الوقود والنيران التي تأكل نفسها بنفسها جراء ما نعيش من النزاعات والتشتت والهزائم والحروب.

إن الآراء التي لا تنبعث إلا من الرغبات الخاصة التي تبعد أصحابها عن الحق والعدل لا تؤدي إلا لزيادة التعصبات القومية والعنصرية ، كما أن الغرور والخيلاء أو قوة الإيمان بالفكرة وضعف إعصاب البعض قد يمنعهم من إدراك بعض الحقائق فحينما يكون التعصب للفكرة مسيطرا يبدأ الجدال مكابراً مسيطراً ظناً من أصحابه بأنهم على حق، كما أن التقليد الجاهل للأجيال السابقة والتعصب لآراء الأقدمين غالبا ما يؤدي إلى المشاحنة والمجادلة في غير مكانها إذ يصعب مناقشة من قيد نفسه بقيود من الماضي والأسلاف، كما أن اختلاف المدارك والأمزجة بين الناس، جميعها تؤدي إلى المجادلة والخلافات في غير مواضعها.

والمتابع لأوضاعنا المؤلمة في البلاد العربية منذ سنوات يدرك تماما ويشعر بأننا عشنا ولا زلنا نعيش حالة من تسلط الفكرة الواحدة التي تطغى على كل الأفكار وتسلط الرأي الواحد الذي يطغى على كل الآراء، واللون الواحد الظاهر على كل الألوان، هذا ما دفع بالطغيان والاستبداد لانتهاك العدالة والقانون وتجريم كل مختلف باعتباره خارج عن رأي المجموعة أو السلطة أو القطيع، مما صَعَّدَ لغة العنف ودفع بأوطاننا نحو الهاوية!

فكيف لنا اليوم بعد كل ذلك من إزالة تلك الآثار العميقة في نفوس الناس وحياتها! من هنا يتبين لنا ضرورة الدعوة لنشر ثقافة الحوار والتمسك بها كحل واحد ووحيد لكل تلك النزاعات والصراعات من حولنا والتي حولت حياتنا إلى جحيم مقيم، فالحوار البناء وحده ما يكفل للإنسان وضع كل الاختلافات والخلافات جانباً وذلك لصيانة الأرواح ووقف انتهاك الحرمات وسفك الدماء ليعم السلام وينتشر الأمن والأمان وفكرة تقبل الإنسان الآخر المختلف، بما يضمن لمجتمعاتنا الإصلاح وتجنب الفساد حتى يتم استغلال كافة القدرات والإمكانيات لتنمية الأوطان والارتقاء بها.

علينا أن نعترف بوجود الإنسان الآخر أولاً، فلم توجد هذه الحياة وتُخلَق ليتم تصميمها على مقاييسنا الشخصية فقط أو بحسب أهوائنا وأفكارنا! لندرك بأن هناك الكثير غيرنا من الناس يعيش على هذه الأرض، يحمل ذات الصفات الإنسانية التي نحملها وله ذات الحق بالحياة التي لنا وهو يحمل آمالا وأحلاما كالتي نحملها ولديه كثير من الطموحات كما لدينا، يشعر ويتألم كما نشعر ونتألم، يحلم بمستقبل واعد لأطفاله كما نحلم نحن بذلك، يحب الحياة كما نحبها ويتمنى الخير لوطنه وأهله كما نتمناه نحن أيضا، لذا علينا بالتآخي والتعايش مع الجميع ولندرك بأن لهم كافة الحق في إبداء الرأي ووجهات النظر والتعبير عنها تماما كما لنا، ولهم أيضا كامل الحق في ممارسة عقائدهم وطقوسهم الدينية بكل حرية كما لنا، هذا ما نصت عليه كل المواثيق الدولية والإنسانية عبر التاريخ. ينبغي تأكيد حق الاختلاف فعلا وممارسة وذلك من خلال تربية أنفسنا وأبنائنا والأجيال القادمة على نبذ الجهل والتخلف والانغلاق وتشجيع الجميع على تقبل الآخر والاختلاف بصفته سمة طبيعية من السمات البشرية التي تثريها بكافة ألوان المعرفة وأصناف الإبداع، فالإنسان المتحضر هو الذي يتفاعل مع الاخرين مدركاً أهمية الاختلاف واحترام الاخر رأيا وفكرا وعقيدة دون التقليل من شأنه أو من فكره أو من عقيدته.

من الجميل جدا ان نتحاور دون أن نهمش الآخر أو نعرضه للترهيب أو الاقصاء، من حق الانسان أن يكون مختلفا عن غيره وليس من الضرورة أن يتشكل ويتلون كما يُراد له أن يكون، نعم لثقافة الاختلاف لا الخلاف، ونعم دائما لثقافة الحوار حيث تجمعنا الإنسانية ويقربنا التفاهم البناء نحو أجواء تسودها المحبة والاحترام ..

- صحيفة رأي اليوم

الاثنين، 19 ديسمبر 2016

صباح بشير: أين أنتم يا دعاة السلام ؟

رغم تعاظم الوضع الإنساني جراء الأوضاع المزرية التي يعيشها الإنسان المظلوم المغلوب على أمره في سوريا، إلا أننا وحتى الآن لم نشهد أي محاولات حقيقية لوضع حلول منطقية لوقف تلك الحرب رغم فداحتها وفظاعتها، ومع كل الصور اليومية والتقارير الإخبارية للأحداث المفجعة والانتهاكات الإنسانية بحق الإنسان هناك، إلا أنها لم تحرك ساكناً في نوازع الخير داخل النفوس البشرية للوصول إلى حلول تضمن السلم والأمان، مما يثبت أن ما يحدث على تلك الأرض هو الأكثر ألما ووجعاً على الإطلاق! إنه لمن المحزن جدا أن يموت أطفال سوريا بردا وجوعا بعد أن كان يحتضن هذا الشعب كل نازح ولاجئ فر هارباً إليه طالباً الأمن والحياة.

منذ فترة قررت أن لا أتابع النشرات الإخبارية التي تعرض على شاشات التلفزيون حتى لا أصاب بالاكتئاب! فالصور ومناظر القتل والدمار وبحور الدماء والأشلاء المتناثرة هنا وهناك، كفيلة لأن تقتل في الإنسان روح الأمل وتفضي به إلى اليأس والحزن العميق والقلق والإعياء النفسي والجسدي، فكيف للإنسان السوري المسكين الذي يعيش في خضم هذا الواقع المأساوي الأليم؟ أليس من العار أن نطأطئ رؤوسنا غير آبِهين بما يحدث ويجري للإنسان هناك!

بيوت مدمرة، نكبات وانتهاكات، تهجير الملايين من البشر، آلاف الجثث البريئة، وأطفال يشردون في حرب ضروس بكل ضراوة الوحوش غدو ضحايا ضعفاء لا ذنب لهم ولا حول ولا قوة، شعب لم يرى منذ أعوام سوى مشاهد القتل والدمار وآلاف الجرحى والثكلى وبيوت العزاء! تحولت بلادهم إلى ساحات من الدم والمقابر لتثبت للإنسانية جمعاء مدى استباحة الكرامات وإهدارها، وكيف تموت القيم وتنهار الأخلاق! فأي كلام قد يُكتب ليعبر عن حجم المأساة وحقيقة الألم وذلك الوجع الكبير؟! إذ كيف لنا أن نفهم شعور طفل تشرد وفقد عائلته، بيته، إخوته أمه وأبيه بعد أن عايش كوارث مؤلمة قد تكون الأكثر همجية على الإطلاق!

لقد غير الصراع الدموي الحياة هناك، فالطفل قد غادر مدرسته متشرداً متجهاً نحو المخيم بعد أن سكنت أذنيه أصوات الرصاص والقصف! هو لا يلعب كبقية الأطفال في العالم، لقد غادر ساحات اللعب منذ سنوات بحثاً عن الفُتات، حيث فتك به الجوع والضعف والمرض، دُمِر منزله أمام ناظريه وشاهد القتل والإعدام والرجم، صغيرا عاش معنى اليتم، اغتيلت طفولته مبكراً تاركةً آثارها النفسية المريعة! أو أصبح من ذوي الإعاقة جراء الحرب، تلك المشؤومة التي لم تسمح له بمشاهدة الحياة أو التعرف عليها إلا من خلالها، فكيف يكبر هؤلاء الأطفال مع كل هذا الدمار والقتل والعنف وقد أصبح الألم مرافقاً لهم مشوٍهاً لنفسياتهم وتاريخهم وأرواحهم البريئة، مؤثراً بقوةٍ وصرامة على مستقبلهم ومسار حياتهم، وكيف لذلك الصغير أن يستوعب أو يتصور بأن صديقه ورفيق طفولته قد اختطفه الموت عنوة من أحضان البيت والأسرة مُلحِقاً إياه بأقرانه في عتمة القبر! فما ذنب أولئك الأطفال الذين يموتون قهراً وألماً وحرمان.

نساء ورجال وَدَّعوا بلادهم وبيوتهم هربا في البحر نحو المجهول، فيتكالب عليهم الموت ليقتلهم غرقاً وكأن القدر يلاحق بهم مسابقاً إياهم على الحياة. مشاهد موجعة لا تفارق أصحاب الضمائر الحية، وصور تقشعر لها الأبدان لا تمت للإنسانية بصلة. تُرى كم سيصمد البشر ويحتمل الشجر والحجر كل هذه المعاناة البشرية اللاإنسانية؟ أنا لست محللة سياسية ولا أدعي بأن الصورة لدي مكتملة واضحة، لكني لا أفهم كيف يصل الوضع إلى هذه النقطة المفزعة المروعة!؟ فعندما تغيب الحلول السياسية الواقعية المنطقية، فلا نهاية حقيقية لكل هذا الصراع والنزاع، نحن نعلم بأن الحلول الجذرية لهذه الأزمة الإنسانية لا تكون إلا بقرارات سياسية حاسمة مصيرية، وحتى اليوم لم نشهد أي بشائر تلوح في الأفق، فهذه الحرب العدمية التي قتلت روح التسامح وزرعت الحقد في النفوس وتعالت فيها مطالب الثأر والقتل، قد أصابت الجميع بالعجز بما فيهم دعاة اللاعنف والسلام حول العالم!

أخواتي وإخوتي في الإنسانية، كلنا بشر، لا تنتقصوا من كرامة أخيكم الإنسان وإنسانيته تحت مسميات القومية أو الانتماء أو الدين أو التوجهات، لا تستبيحوا دماء الآخرين لذات الحجة، لا تتركوا انتماءاتكم وتحزباتكم ومواقفكم السياسية أو أديانكم تتسبب في التفرقة والنزاع واعتماد التعصب والتطرف كنهج وأسلوب حوار، فكوا قيود ضمائركم ووثاقها، ولا تستبيحوا القتل لخدمة أفكاركم أي كانت الفكرة.

أخيرا.. هذا نداء باسم ملايين المستضعفين والأبرياء وهذه دعوة حارة إلى كل دعاة السلام في كل مكان، اعملوا واجتهدوا بكل ما فيكم من صدق وإخلاص، وذلك لتحقيق حلم السلام والأمن والأمان، فأين أنتم يا دعاة السلام؟

- صحيفة رأي اليوم

الاثنين، 12 ديسمبر 2016

صباح بشير: التغيير فيما بين الرفض والقبول

كان الإنسان دائم الاجتهاد والعمل بإرادةٍ وعزمٍ وتصميم، على تحسينِ واقعه وظروفه الصعبة ليحقق الراحة  التي يطمح إليها وحياة كريمة له ولمن حوله، كان ذلك وسيظل ما يضمن بقاء المجتمعات واستمرارها ونموها عبر ذلك التغيير الذي يلحق بها خلال عملها ومسيرتها نحو التقدم، وهذا ما يعتبر من الميزات الهامة التي تختص بها المجتمعات البشرية عبر حركة التغيير الاجتماعي التي ترافقها طريقها نحو التطور الدائم مما يحسن حياة الإنسان وأوضاعه، ويخلق له الأفضل لظروف حياتيه تتناسب مع كل المستجدات والتغييرات العلمية والثورة الصناعية والتكنولوجية التي نحياها اليوم.

ويتمثل أي تقدم اجتماعي عبر ذلك التغيير الذي يجوب المجتمعات حاملا معه الكثير من التطورات في المفاهيم والأفكار التي تظهر عليها ، وعادة ما يرتبط التغيير الاجتماعي بالتغيير الفكري الذي يعمل على تثبيت التحولات الاجتماعية عبر اكتشاف المجتمعات للكثير من الأمور الحديثة التي تختلف اختلافا جوهريا عن كل ما اعتادت عليه وكان معروفاً مألوفا لها في السابق، مما يدفع بكثير من العادات والممارسات للسير في طريقها نحو التجدد، ليغدو ما كان مرفوضا في السابق مقبولا ومتعارفا عليه اليوم، كالتغيير الواضح في طبيعة العادات التي تسير وفقا للظروف المحيطة بها، والممارسات اليومية العادية في التعاملات والسلوكيات المختلفة وغيرها الكثير من التغيرات التي طرأت على المجتمعات والأفراد.

تمتاز المجتمعات بطبيعتها المتغيرة، فكل جيل يأخذ من الجيل السابق جزءا من ثقافته وما يتناسب مع طبيعة ظروفه وحياته، كما يجتهد بإضافة ما يناسبه من تغييرات جديدة للانسجام مع واقعه ومحيطه وكل المستجدات من الوقائع الاجتماعية المختلفة ، وبالرغم من ذلك إلا أن مجتمعاتنا لا زالت تقاوم قسماً من التغيير وترفضه متخوفة منه، لتخسر بذلك الكثير من إمكانياتها وقدرتها على السير قدماً نحو التغيير المطلوب الذي تحتاجه لتحدي كل الظروف والمستجدات التي تواجهها، فتقف عاجزة عن التنافس أمام المجتمعات الأخرى، وذلك لمعاناتها من النقص الحاد في كفاءتها، مما يؤدي لتخلفها وتأخرها عن الوصول لِما وصلت إليه تلك المجتمعات التي سبقتها بالتقدم ومواكبة النهضة العصرية والعلم والمعرفة. وفي أحيان أخرى يُقاوِم التغيير عبر أفرادها وجماعاتها، خاصة تلك التي تمتلك قوة أو ثروة أو نفوذ، بحيث تخشى التغيير وترفضه خوفاً على ثروتها ونفوذها من هذا التغيير والمجهول القادم. كما أن إصرار مجتمعاتنا المُحافِظَة بطبيعتها على الوضع الاجتماعي المألوف، وانتشار التخلف الثقافي والفكري كل ذلك يتسبب بتأخرنا من اللحاق بمسيرة التقدم، ونلاحظ أيضا ظاهرة التعصب والتمسك بالواقع الموجود المتحقق عبر انتشار عادات وتقاليد متعلقة برواسب اجتماعية من الصعب الخروج من قوقعتها. معيقات أخرى تواجه التغيير والتقدم ألا وهي التقسيمات الطبقية والبيئية والاختلافات العقائدية وهي طبيعية جدا، إلا أنها تؤدي لانقسام في الآراء ووجهات النظر حيث يناسب التغيير بعض الفئات بينما نجد فئات أخرى لا ترتأي فيه ما يحقق تطلعاتها أو مصالحها فترفضه وتقاومه بشدة.

ويرتبط مدى تقبل التغيير لدي الافراد بمستواهم التعليمي والثقافي، ففي حالة الرفض فإن الأسباب عادة ما تكون متعلقة بخوف شديد من ذلك المجهول المسمى بالتغيير، مما يؤدي بمجتمعاتنا إلى ركود ثقافي وحضاري بتنا جميعا نعيشه، نلمسه ونعاني منه .

 يطال التغيير كل شيء في حياتنا وسواء قبلنا به أم رفضناه فإن التغيير حاصلٌ لا محالة، حيث تكون نتائجه عادة غاية في الأهمية بما ينقل المجتمعات من حالة الركود إلى حالة أفضل من الحركة والتفاعل والاتصال، بالطبع هذا في الحالة الإيجابية للتغيير المقصود ، حيث يسير ضمن التوجهات والاتجاهات والاحتياجات المطلوبة بما يشمل كل المجالات المادية والمعنوية في حياتنا الاجتماعية، ليضفي تحسناً ملحوظا على ظروفنا الحياتية المختلفة وينعكس على الممارسات والسلوكيات المجتمعية فتتحسن الصورة الثقافية للمجتمع وترتقي به لما طرأ عليها من تغيير إيجابي فعال في الأفكار والمعتقدات والقيم والمعايير، وما يرتبط بهذا التغيير من نمو في النضج العقلي والأخلاقي والوجداني للإنسان.

قد لا تدرك مجتمعاتنا بأن التغيير هام جدا وضروري لتطوير أساليب التفاعل مع نشاطات الحياة المختلفة ووقائعها، وذلك للتكيف معها ومع كل المستجدات العلمية التي تنعكس نتائجها على حياتنا فيتحقق الاستقرار المطلوب ونتمكن من تلبية كل المتطلبات والاحتياجات المستجدة اللازمة للأفراد والمجتمعات، حيث يساهم التغيير في نشأة وتطوير العلوم الحديثة وكل الدراسات والأبحاث الإنسانية التي تحافظ على الانسان وتضمن له النمو والإرتقاء والتقدم.

- صحيفة رأي اليوم 

الاثنين، 5 ديسمبر 2016

صباح بشير: روح المواطنة وغياب مفاهيمها

كانت ثقافة المواطنة ولا تزال من الثقافات الهامة المؤثرة بشكل إيجابي فعال على كافة المجتمعات، فمن خلال هذه الثقافة تتأكد خصوصية المجتمعات وانتماءات افرادها، كما تتعزز الوحدة بين أبناءها وتتحرك مساراتها في اتجاهات إيجابية بما يُنمي قيم العدل والمساواة فيما بينهم ويشجعهم على المشاركة في الشؤون العامة والمساهمة فيها. وهكذا يكون الحال معكوسا في حال غيابها، كما يحدث الآن في مجتمعاتنا العربية بكل أسف! إذ تظهر كلمة المواطنة وكأنها كلمة شاذة غريبة ودخيلة على ثقافتنا الحالية، ويبدو أن هذا المصطلح في أبعاده الاجتماعية والثقافية لدينا غير كافٍ على المستوى الذي يشكل وعياً كاملاً به بما ينعكس على قيم الفرد وسلوكياته التي تعبر عن حبه لمجتمعه وانتمائه لوطنه .

لا يخفى على أحد بأننا نعايش اليوم حالة من الغياب التام لهذا المفهوم -المواطنة- عن قيمنا الوطنية والأخلاقية مع فقدان المناخ الإنساني الذي يفرض احترام الإنسان وحقوقه ، ومع انحسار قيم العدالة والمساواة وحرية التعبير والاعتقاد ، وعدم توافر الفرص المتكافئة أمام مختلف أبناء المجتمع الواحد بحيث تؤخذ في الحسبان دائما انتماءات المواطن السياسية ومستواه الاجتماعي وروابطه الدينية، كل هذه الأسباب مجتمعة تقف حائلا أمام مجتمعاتنا دون تحقيق أدنى مستويات التنمية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية .

ان من اهم العوائق التي تعترض  ثقافة المواطنة ومبادئها وتحول دون تبنيها ، هي فكرة الهويات الأثنية والدينية أو الحزبية أو الطبقية التي ترتب الناس وتصنفهم وفقاً لها، وبناء عليه تفرض هذه الفكرة رؤيتها وأساليبها في التعامل مع جميع الهويات بكل أنواعها! وعادة ، في ظل غياب روح المواطنة يُستبدل انتماء الانسان للدولة بانتماء آخر قد يتم اللجوء اليه ظناً بأنه قد يقدم الحماية اللازمة من الظلم السائد أو خطر الهويات المختلفة أو الفساد! وبالطبع كل ذلك يجزّئ مبدأ المواطنة ويضرب به في العمق، بحيث يعتقد حامل فكرة الهويات الأثنية والدينية أو الحزبية بأن هذا الانتماء هو ذاته ما يمثل الانتماء للوطن! وهذا ما يتسبب بتصدع وشرخ المجتمعات وهدم بُنيتها كما وينشر الفتن ويؤدي لانعدام الحريات والتنكيل بالإنسان وحقوقه وكل ذلك بسبب عدم تقبل الهويات المختلفة من منطلق نظرة عنصرية تجاه الآخر، صاحب الهوية المختلفة، مما يؤدي إلى مزيد من الانقسامات والصراعات التي أصبحنا نشهدها اليوم كما الحال في بعض الدول العربية التي تعاني من الطائفية والعنصرية والتطرف، فعدم الاعتراف بالهويات الأخرى وعدم قبول الآخر المختلف يودي بالتأكيد إلى مزيد من العنف واستقبال موجات جديدة من الإرهاب بكل صوره وأشكاله ، سواء كان محلي بتحريك وتأييد من الداخل أو خارجي بتشجيع من الخارج وتحريض منه.

أن غياب ثقافة المواطنة تقَتل روح الانتماء في الفرد وتجعله يشعر بالاغتراب داخل وطنه ومحيطه، وتتسبب بهجرة كفاءاتنا الى الخارج ، كما تتسبب بنشر ظاهرة المحسوبيات والواسطة فيعم الفساد في كل مؤسسات الدولة  وتنعدم ثقافة وقيمة العمل التطوعي فتغيب مشاركات المواطن في معظم الأنشطة الاجتماعية التطوعية المختلفة ، وتختفي معظم القيم الإنسانية السامية في سلوكيات الناس وتعاملاتهم وتصرفاتهم، كالتسامح وقبول الآخر واحترام حقوق الانسان وقيم التضامن والتعايش والتآخي ، وتَعُم حالة من الاستهتار وعدم المسؤولية تجاه المال العام أو الاملاك والمرافق العامة التي عادة ما نلاحظ تخريبها أو الاستيلاء عليها . حالة عارمة من الفوضى والانفلات التي تهدد الحياة الشخصية والاجتماعية لكل منا في وضعٍ كهذا .

أن علينا التفكير ملياً بما آلت إليه أحوالنا وسلوكياتنا مما نشاهده من مظاهر مؤلمة تعبر عنها . علينا بمراجعة ولاءاتنا لأوطاننا وتعزيز ارتباطاتنا العاطفية بها كما علينا بتعظيم واحترام كل قيم التعايش وقبول الآخر والكرامة الإنسانية، نحن نحتاج لسلطة تَخضع للقانون وتحترمه وتُخضِع الناس بالقانون، كما يقع على عاتق المثقفين ومنظمات حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع مسؤولية التوعية بثقافة المواطنة الحقيقية البنّاءة وتعزيز الانتماء لهوية الوطن أولاً وأخيراً وقبل كل شيء، وتفعيل المشاركة في المسؤوليات والشأن العام بما يعزز علاقة المواطن بوطنه ويخلق روح التضامن والمحبة بين أفراد المجتمع الواحد .

صحيفة رأي اليوم 

صباح بشير: المرأة العربية بين الفرص والتقاليد

  ما زالت المرأة العربية تخوض كفاحاً مستمراً لنيل حقوقها الاجتماعية والإنسانية، ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات، فما الذي تمّخض عنه كفاح...