بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 19 ديسمبر 2016

صباح بشير: أين أنتم يا دعاة السلام ؟

رغم تعاظم الوضع الإنساني جراء الأوضاع المزرية التي يعيشها الإنسان المظلوم المغلوب على أمره في سوريا، إلا أننا وحتى الآن لم نشهد أي محاولات حقيقية لوضع حلول منطقية لوقف تلك الحرب رغم فداحتها وفظاعتها، ومع كل الصور اليومية والتقارير الإخبارية للأحداث المفجعة والانتهاكات الإنسانية بحق الإنسان هناك، إلا أنها لم تحرك ساكناً في نوازع الخير داخل النفوس البشرية للوصول إلى حلول تضمن السلم والأمان، مما يثبت أن ما يحدث على تلك الأرض هو الأكثر ألما ووجعاً على الإطلاق! إنه لمن المحزن جدا أن يموت أطفال سوريا بردا وجوعا بعد أن كان يحتضن هذا الشعب كل نازح ولاجئ فر هارباً إليه طالباً الأمن والحياة.

منذ فترة قررت أن لا أتابع النشرات الإخبارية التي تعرض على شاشات التلفزيون حتى لا أصاب بالاكتئاب! فالصور ومناظر القتل والدمار وبحور الدماء والأشلاء المتناثرة هنا وهناك، كفيلة لأن تقتل في الإنسان روح الأمل وتفضي به إلى اليأس والحزن العميق والقلق والإعياء النفسي والجسدي، فكيف للإنسان السوري المسكين الذي يعيش في خضم هذا الواقع المأساوي الأليم؟ أليس من العار أن نطأطئ رؤوسنا غير آبِهين بما يحدث ويجري للإنسان هناك!

بيوت مدمرة، نكبات وانتهاكات، تهجير الملايين من البشر، آلاف الجثث البريئة، وأطفال يشردون في حرب ضروس بكل ضراوة الوحوش غدو ضحايا ضعفاء لا ذنب لهم ولا حول ولا قوة، شعب لم يرى منذ أعوام سوى مشاهد القتل والدمار وآلاف الجرحى والثكلى وبيوت العزاء! تحولت بلادهم إلى ساحات من الدم والمقابر لتثبت للإنسانية جمعاء مدى استباحة الكرامات وإهدارها، وكيف تموت القيم وتنهار الأخلاق! فأي كلام قد يُكتب ليعبر عن حجم المأساة وحقيقة الألم وذلك الوجع الكبير؟! إذ كيف لنا أن نفهم شعور طفل تشرد وفقد عائلته، بيته، إخوته أمه وأبيه بعد أن عايش كوارث مؤلمة قد تكون الأكثر همجية على الإطلاق!

لقد غير الصراع الدموي الحياة هناك، فالطفل قد غادر مدرسته متشرداً متجهاً نحو المخيم بعد أن سكنت أذنيه أصوات الرصاص والقصف! هو لا يلعب كبقية الأطفال في العالم، لقد غادر ساحات اللعب منذ سنوات بحثاً عن الفُتات، حيث فتك به الجوع والضعف والمرض، دُمِر منزله أمام ناظريه وشاهد القتل والإعدام والرجم، صغيرا عاش معنى اليتم، اغتيلت طفولته مبكراً تاركةً آثارها النفسية المريعة! أو أصبح من ذوي الإعاقة جراء الحرب، تلك المشؤومة التي لم تسمح له بمشاهدة الحياة أو التعرف عليها إلا من خلالها، فكيف يكبر هؤلاء الأطفال مع كل هذا الدمار والقتل والعنف وقد أصبح الألم مرافقاً لهم مشوٍهاً لنفسياتهم وتاريخهم وأرواحهم البريئة، مؤثراً بقوةٍ وصرامة على مستقبلهم ومسار حياتهم، وكيف لذلك الصغير أن يستوعب أو يتصور بأن صديقه ورفيق طفولته قد اختطفه الموت عنوة من أحضان البيت والأسرة مُلحِقاً إياه بأقرانه في عتمة القبر! فما ذنب أولئك الأطفال الذين يموتون قهراً وألماً وحرمان.

نساء ورجال وَدَّعوا بلادهم وبيوتهم هربا في البحر نحو المجهول، فيتكالب عليهم الموت ليقتلهم غرقاً وكأن القدر يلاحق بهم مسابقاً إياهم على الحياة. مشاهد موجعة لا تفارق أصحاب الضمائر الحية، وصور تقشعر لها الأبدان لا تمت للإنسانية بصلة. تُرى كم سيصمد البشر ويحتمل الشجر والحجر كل هذه المعاناة البشرية اللاإنسانية؟ أنا لست محللة سياسية ولا أدعي بأن الصورة لدي مكتملة واضحة، لكني لا أفهم كيف يصل الوضع إلى هذه النقطة المفزعة المروعة!؟ فعندما تغيب الحلول السياسية الواقعية المنطقية، فلا نهاية حقيقية لكل هذا الصراع والنزاع، نحن نعلم بأن الحلول الجذرية لهذه الأزمة الإنسانية لا تكون إلا بقرارات سياسية حاسمة مصيرية، وحتى اليوم لم نشهد أي بشائر تلوح في الأفق، فهذه الحرب العدمية التي قتلت روح التسامح وزرعت الحقد في النفوس وتعالت فيها مطالب الثأر والقتل، قد أصابت الجميع بالعجز بما فيهم دعاة اللاعنف والسلام حول العالم!

أخواتي وإخوتي في الإنسانية، كلنا بشر، لا تنتقصوا من كرامة أخيكم الإنسان وإنسانيته تحت مسميات القومية أو الانتماء أو الدين أو التوجهات، لا تستبيحوا دماء الآخرين لذات الحجة، لا تتركوا انتماءاتكم وتحزباتكم ومواقفكم السياسية أو أديانكم تتسبب في التفرقة والنزاع واعتماد التعصب والتطرف كنهج وأسلوب حوار، فكوا قيود ضمائركم ووثاقها، ولا تستبيحوا القتل لخدمة أفكاركم أي كانت الفكرة.

أخيرا.. هذا نداء باسم ملايين المستضعفين والأبرياء وهذه دعوة حارة إلى كل دعاة السلام في كل مكان، اعملوا واجتهدوا بكل ما فيكم من صدق وإخلاص، وذلك لتحقيق حلم السلام والأمن والأمان، فأين أنتم يا دعاة السلام؟

- صحيفة رأي اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صباح بشير: المرأة العربية بين الفرص والتقاليد

  ما زالت المرأة العربية تخوض كفاحاً مستمراً لنيل حقوقها الاجتماعية والإنسانية، ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات، فما الذي تمّخض عنه كفاح...