بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 12 ديسمبر 2016

صباح بشير: التغيير فيما بين الرفض والقبول

كان الإنسان دائم الاجتهاد والعمل بإرادةٍ وعزمٍ وتصميم، على تحسينِ واقعه وظروفه الصعبة ليحقق الراحة  التي يطمح إليها وحياة كريمة له ولمن حوله، كان ذلك وسيظل ما يضمن بقاء المجتمعات واستمرارها ونموها عبر ذلك التغيير الذي يلحق بها خلال عملها ومسيرتها نحو التقدم، وهذا ما يعتبر من الميزات الهامة التي تختص بها المجتمعات البشرية عبر حركة التغيير الاجتماعي التي ترافقها طريقها نحو التطور الدائم مما يحسن حياة الإنسان وأوضاعه، ويخلق له الأفضل لظروف حياتيه تتناسب مع كل المستجدات والتغييرات العلمية والثورة الصناعية والتكنولوجية التي نحياها اليوم.

ويتمثل أي تقدم اجتماعي عبر ذلك التغيير الذي يجوب المجتمعات حاملا معه الكثير من التطورات في المفاهيم والأفكار التي تظهر عليها ، وعادة ما يرتبط التغيير الاجتماعي بالتغيير الفكري الذي يعمل على تثبيت التحولات الاجتماعية عبر اكتشاف المجتمعات للكثير من الأمور الحديثة التي تختلف اختلافا جوهريا عن كل ما اعتادت عليه وكان معروفاً مألوفا لها في السابق، مما يدفع بكثير من العادات والممارسات للسير في طريقها نحو التجدد، ليغدو ما كان مرفوضا في السابق مقبولا ومتعارفا عليه اليوم، كالتغيير الواضح في طبيعة العادات التي تسير وفقا للظروف المحيطة بها، والممارسات اليومية العادية في التعاملات والسلوكيات المختلفة وغيرها الكثير من التغيرات التي طرأت على المجتمعات والأفراد.

تمتاز المجتمعات بطبيعتها المتغيرة، فكل جيل يأخذ من الجيل السابق جزءا من ثقافته وما يتناسب مع طبيعة ظروفه وحياته، كما يجتهد بإضافة ما يناسبه من تغييرات جديدة للانسجام مع واقعه ومحيطه وكل المستجدات من الوقائع الاجتماعية المختلفة ، وبالرغم من ذلك إلا أن مجتمعاتنا لا زالت تقاوم قسماً من التغيير وترفضه متخوفة منه، لتخسر بذلك الكثير من إمكانياتها وقدرتها على السير قدماً نحو التغيير المطلوب الذي تحتاجه لتحدي كل الظروف والمستجدات التي تواجهها، فتقف عاجزة عن التنافس أمام المجتمعات الأخرى، وذلك لمعاناتها من النقص الحاد في كفاءتها، مما يؤدي لتخلفها وتأخرها عن الوصول لِما وصلت إليه تلك المجتمعات التي سبقتها بالتقدم ومواكبة النهضة العصرية والعلم والمعرفة. وفي أحيان أخرى يُقاوِم التغيير عبر أفرادها وجماعاتها، خاصة تلك التي تمتلك قوة أو ثروة أو نفوذ، بحيث تخشى التغيير وترفضه خوفاً على ثروتها ونفوذها من هذا التغيير والمجهول القادم. كما أن إصرار مجتمعاتنا المُحافِظَة بطبيعتها على الوضع الاجتماعي المألوف، وانتشار التخلف الثقافي والفكري كل ذلك يتسبب بتأخرنا من اللحاق بمسيرة التقدم، ونلاحظ أيضا ظاهرة التعصب والتمسك بالواقع الموجود المتحقق عبر انتشار عادات وتقاليد متعلقة برواسب اجتماعية من الصعب الخروج من قوقعتها. معيقات أخرى تواجه التغيير والتقدم ألا وهي التقسيمات الطبقية والبيئية والاختلافات العقائدية وهي طبيعية جدا، إلا أنها تؤدي لانقسام في الآراء ووجهات النظر حيث يناسب التغيير بعض الفئات بينما نجد فئات أخرى لا ترتأي فيه ما يحقق تطلعاتها أو مصالحها فترفضه وتقاومه بشدة.

ويرتبط مدى تقبل التغيير لدي الافراد بمستواهم التعليمي والثقافي، ففي حالة الرفض فإن الأسباب عادة ما تكون متعلقة بخوف شديد من ذلك المجهول المسمى بالتغيير، مما يؤدي بمجتمعاتنا إلى ركود ثقافي وحضاري بتنا جميعا نعيشه، نلمسه ونعاني منه .

 يطال التغيير كل شيء في حياتنا وسواء قبلنا به أم رفضناه فإن التغيير حاصلٌ لا محالة، حيث تكون نتائجه عادة غاية في الأهمية بما ينقل المجتمعات من حالة الركود إلى حالة أفضل من الحركة والتفاعل والاتصال، بالطبع هذا في الحالة الإيجابية للتغيير المقصود ، حيث يسير ضمن التوجهات والاتجاهات والاحتياجات المطلوبة بما يشمل كل المجالات المادية والمعنوية في حياتنا الاجتماعية، ليضفي تحسناً ملحوظا على ظروفنا الحياتية المختلفة وينعكس على الممارسات والسلوكيات المجتمعية فتتحسن الصورة الثقافية للمجتمع وترتقي به لما طرأ عليها من تغيير إيجابي فعال في الأفكار والمعتقدات والقيم والمعايير، وما يرتبط بهذا التغيير من نمو في النضج العقلي والأخلاقي والوجداني للإنسان.

قد لا تدرك مجتمعاتنا بأن التغيير هام جدا وضروري لتطوير أساليب التفاعل مع نشاطات الحياة المختلفة ووقائعها، وذلك للتكيف معها ومع كل المستجدات العلمية التي تنعكس نتائجها على حياتنا فيتحقق الاستقرار المطلوب ونتمكن من تلبية كل المتطلبات والاحتياجات المستجدة اللازمة للأفراد والمجتمعات، حيث يساهم التغيير في نشأة وتطوير العلوم الحديثة وكل الدراسات والأبحاث الإنسانية التي تحافظ على الانسان وتضمن له النمو والإرتقاء والتقدم.

- صحيفة رأي اليوم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صباح بشير: المرأة العربية بين الفرص والتقاليد

  ما زالت المرأة العربية تخوض كفاحاً مستمراً لنيل حقوقها الاجتماعية والإنسانية، ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات، فما الذي تمّخض عنه كفاح...