بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 يناير 2017

في زمن الأقنعة وتعدد الوجوه من حولنا !

تحولات وتغيرات عديدة نعيشها اليوم في المنظومة القيمية لِبُنية مجتمعاتنا وتركيبتها، لتطغى بذلك كثير من التناقضات والأزمات الاجتماعية وبعض الظواهر التي تسببت بإرهاق الإنسان العربي وإنهاكه، من أهم تلك الظواهر السلبية التي توغلت في كل المناحي الحياتية والمعاملات والعلاقات وباتت تتفشى فيما بيننا لدرجة من الخطورة بأنها أصبحت مألوفة عادية، مما يؤثر على سلوكياتنا وتصرفاتنا بما ينعكس علينا بصورة واضحة تؤخر من تقدم مجتمعاتنا وتطورها، وهي ظاهرة النفاق الاجتماعي الخطيرة التي باتت الطريقة المتبعة بكل أسف، لنيل المطلوب والمقصود من رضى الناس وقبولهم وإعجابهم، للحصول على المصالح الخاصة والمراتب العليا، من خلال ارتداء وتبديل الأقنعة بحسب ما تقتضي الحاجة على حساب الأخلاق والقيم التي لم تعد ضمن قائمة الحسابات في واقع نعيشه ولا نحسد عليه، إذ لم نعد نفرق بين الصالح والطالح، ولم نعد نصدق الصادق لكثرة الكذب من حولنا، بات اللئيم يحل محل الكريم، واضمحل الصدق متراجعا ليغدو عُملة نادرة، وأصبحت المجاملات لكثرتها تهدد نسيج المجتمعات وتماسكها، يتلونُ البشر فيظهِرون عكس ما يبطنون لتبدو الآراء خلافاً للقناعات، تتقرب الناس وتتودد متلاعبة بالكلمات والألفاظ متقنة فن النفاق، يبيعون ما لا يملكون من بضاعتهم الرخيصة من الشعارات الرنانة والمشاعر الكاذبة بشتى الطرق ضاربين عرض الحائط بكل القيم الإنسانية النبيلة، لإجادة إنفاق ما لا يمكن إنفاقه من سلع باخسة عبر المجاملات وتمجيد ما لا يستحق التمجيد واحترام من لا يستحق الاحترام والولاء المزيف والتهاني الكاذبة، والوقاحة المجمّلة المقنعة بالوجه المتغير المتناسب مع الوقت والظرف والموقف، وذلك لتحقيق بعض المصالح الخاصة على حساب المبادئ والأخلاق، لترجح كفة المصلحة الذاتية على المصلحة العامة، فينعكس بذلك انطباعا ومظهرا سلوكيا سلبيا عن الانسان العربي وشخصيته، وليتراجع كذلك مستوى الذكاء الاجتماعي بجوهره القائم على القيم الإنسانية والمعايير الأخلاقية والسلوكيات الناتجة عنها والتي تقيم الفرد وتحدد مدى قبوله الاجتماعي وتسهل عليه تواصله بين أفراد مجتمعه والانخراط به، مما يساهم في تقوية المجتمعات وتماسكها وتضامن أفرادها، حينما تتغلب المصالح العامة على المصالح الشخصية الضيقة.

وفي غياب العدالة الاجتماعية يبرز التخلف في مجتمعاتنا ليؤثر على استقرارنا وترابطنا ويفكك نسيجنا الاجتماعي، لنعيش حالة من الاستلاب الثقافي، فيسود خطاب الكراهية ويمتد العنف الذي ينخر بكيان مجتمعاتنا وأبنائها! أصبحنا اليوم نكفر بالجوهر ونؤمن فقط بالمظاهر البراقة الخادعة، نرفض الصدق ونقيم الأمور ونحكم عليها وعلى المواقف وأصحابها بسطحية فارغة ومن خلال المظهر وليس الجوهر.

وعادة ما ينتهج المنافق أساليب المراءاة والكذب والسكوت عن الخطأ والتملق للوصول إلى الهدف، ودائما ما نلاحظ مجموعة من المنافقين المحيطين بمسؤول ما أو أي شخصية مرموقة، ممن يجيدون التلاعب بالكلمات التي تزخر بالمجاملات الكاذبة والتمجيد والتهنئة والترحيب والتبريك أو المديح والشكر أو الولاء وغيره من صور النفاق وتزييف الواقع، وكل ذلك لأجل تحقيق مآربهم الخاصة فقط، كما نلاحظ بأن الكثير من الناس قد يختلط عليه الأمر، فقد يظن بأن من الذكاء الاجتماعي ومهاراته، اتقان فن النفاق الاجتماعي واعتباره ضربا من ضروب الشطارة، ليصبح كل من يتبع الصدق في تعاملاته وعمله وافكاره وسلوكياته وكأنه يبتعد ويشذ عن القاعدة السائدة!

حتى اليوم لم تتوصل قدرتنا الهشة الضعيفة، إلى تشخيص الحالة وعلاجها أو حتى الوصول إلى درجة ما من الوقاية للأمراض الاجتماعية الفتاكة، وها هو النفاق يغزو حياتنا وعلاقاتنا وتعاملاتنا وأعمالنا وتصرفاتنا وحتى في نوايانا التي كثيرا ما تتجرد من إنسانيتنا، لينتشر بذلك الظلم والفساد والقهر نتيجة لذلك.

نعم يتفهم الجميع بأن من حق كل إنسان أن يحقق طموحاته وأحلامه التي طالما كان يصبو إليها، لكن ليس من حقه أبدا أن يصل إلى أهدافه بطرق غير مشروعة أو بالنفاق والكذب والمراوغة أو اقتناص فرص الغير وحرمانه منها أو الاستيلاء عليها وأخذها دون أي وجه حق.

فإلى متى سنظل نتجرع مرارة الألم والحزن والذهول لاصطدامنا بواقع مؤلم لما يظهر لنا من الحقائق التي طالما اختبأت خلف وجوه مزيفة كاذبة، وإلى متى كل تلك القلوب المليئة بالنفاق من حولنا!؟ ألا نحتاج جميعا لوقفة حقيقية جادة، والكثير الكثير من الصدق والنوايا الحسنة لمجابهة هذه الآفة ومحاربتها؟ دعونا نتحرى صالحنا العام، ولنجعل مصلحة مجتمعاتنا والانتماء إليها فوق المصالح الشخصية والمنافع الآنية المحدودة، وذلك لاجتثاث هذه الكارثة الاخلاقية الاجتماعية التي هبطت بمستوياتنا الإنسانية الى الحضيض.

- صحيفة رأي اليوم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خاطرة

‏ صباح بشير : أن تنمو بفكرك يعني أن تسير إلى الأمام، تنبعث باتجاه نفسك لترتقيَ بها، فتنغمس في طريقك المزدحم بالأفكار ، ويشهد على ذلك وقع خطو...