بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 يناير 2017

هل من صياغة جديدة لهذا العالم المتطرف؟

نعيش اليوم في عالم يفتقد للإنسانية، فكل ما جمعه الانسان عبر الوقت من المعاني السامية للحق والمحبة والاخاء لترتقي به، نراها تغادر عالمنا شيئا فشيئا مضمحلة، ليحل مكانها التسلط والقهر وقوانين البلطجة وأحكامها حيث يأكل القوي الضعيف دون أي إحساس بالذنب! لم تعد القيم أو الأديان بكل ما فيها تشكل رادعا للإجرام والمجرمين فتمنعهم من ارتكاب جرائمهم، بل على العكس أصبحت القيم سلبية فتنعكس على تصرفاتنا، وتزايدت التفاسير الخاطئة لبعض النصوص الدينية لتشجع على قتل الآخر وعدم الاعتراف به كإنسان له حق كامل في الحياة بكل ما فيها، فاستُبحَيت الأرض والإنسان وانتهكت حقوقه وكرامته طوعا لرغبات وأهواء متوحشة لا هم لها سوى مصالحها، فاستُعملت كل الأسلحة التي لا ترحم بصورة تُذهل كل ضمير حي، لِيُباد العباد وتُسحق البلاد، وَهُدِرَت الدماء العربية على مسمع ومرأى من العالم أجمع حيث باتت رخيصة لا قيمة لها!

 نتابع الأحداث جميعا ونشاهدها على شاشات التلفاز عبر معارك غير متكافئة لا تغير من الواقع العربي المظلم ولا تقدم أو تؤخر بشيء ولا هدف لها سوى قتل الإنسان وتدمير أرضه وحضارته لصالح الغير، دون أي اكتراث لحجم المأساة والدمار وتشرد الشعوب أو قتلها، وها هو العالم المتحضر يتفرج غير آبه بما يحصل في البلاد العربية من ويلات وحروب وصراعات وقتل، وإراقة للدماء وإهانة للإنسان وإذلاله، حيث سُلبت شعوبنا أبسط حقوقها من الحرية والعيش الكريم، فماذا تخبئ لنا الأيام في عامنا الجديد هذا (2017) ؟ وهل من صياغة جديدة لهذا العالم المتطرف؟

نتغنى جميعا بحقوق الإنسان قولا دون الفعل، بينما نجد شعوب تقاد إلى التشرد والمخيمات واللجوء! فإلى متى سيبقى هذا العالم بوحشيته مفتقداً لإنسانيته مكرسا البغضاء والحقد والكراهية بين الشعوب التي لازالت تحلم بالانعتاق والحرية؟ وها هو التطرف الديني والفكر المتعصب لم يتركها وشأنها ليحول الكثير من أبنائها إلى مجموعات من القتلة والمجرمين، ويتحول القتل الجماعي كأداة للتنفيس والتعبير عن الكراهية للآخر المختلف، وها نحن نشاهد تنامي وازدياد ظواهر الإرهاب لتصفية الآخر وإعدامه في كل مكان على هذه الأرض ممن ينصبون أنفسهم أوصياء على الدين بصفتهم الأتقياء من المخلصين، حيث يقررون بفكرهم المشوه كل من يستحق الحياة وكل من يستحق الموت، ليقوموا بدورهم بتصفية كل مختلف باعتباره كافر أو مرتد ليستحق الموت! ومن منطلق حرصهم على الدين وتطبيق الشريعة بحسب ادعاءاتهم، فهم يقررون إفراغ أحاسيسهم ومشاعرهم الإنسانية ليتحولوا لمسوخ بشرية لا هم لها سوى القتل والتخريب حيث يتم تبرير سقوطهم الإنساني بعد ذلك بتبريرات وآيديولوجيات دينية تخفي حقيقتهم العدوانية وكرههم للحياة والبشر فيرتكبون كل المعاصي ويتجاوزون إنسانيتهم وآدميتهم وأخلاقهم بالقتل وكل ما أمكنهم من الجرائم! والحقيقة تقول بأنه لا يمكن لأي أيديولوجيا دينية أن تخفي عدوانيتهم ووحشيتهم المطلقة مهما تسترت بنصوص دينية، والحقيقة أيضا تقول بأن كل من يؤيدهم ويتشفى ويفرح لوقوع الضحايا والقتلى في أي مكان في العالم ما هو إلا مريض نفسي ينشر وباء التطرف والكراهية والوحشية والإرهاب، وعلى العالم أجمع أن يتكاتف ليعزله هو وأمثاله اما في مصحات نفسية حتى تتم معالجتهم وإعادة تأهيلهم ليتمكنوا من التخلص من العدائية والإجرام ومن ثم العودة للانخراط مجددا في الحياة كبشر أسوياء أو تتم محاكمتهم وتنفذ فيهم أحكام عادلة رادعة.

علينا أن نلفت إلى أن كل إرهابي بفكره الخارج عن الدين، هو خارج عن كل ما جاءت به الأديان السماوية من السماحة والإخاء وحقن الدماء وحب الخير، حيث يسعى في الأرض فساداً وقتلاً وتنكيلا. قال تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» والنفس هنا تعني كل الأنفس البشرية المسلمة وغيرها، أخيرا إن ما يجري على الأرض هو مؤشر خطير لمستقبل قاتم ما لم تتم معالجته بروح من المنطق والعدالة وتجنب خطاب الكراهية والتشفي والدعوة الى الانتقام، على العالم أن يتخلى عن محاولاته المادية في تحقيق مصالحه الاقتصادية فحسب، فهي ليست أشد أهمية أبدا من الحفاظ على أرواح البشر وأمنها وأمانها واستقرارها وتحقيق العدالة الاجتماعية والالتزام بالديمقراطية، وعلينا جميعا نبذ أي مجموعات طائفية متطرفة متعصبة تحقد على الآخر المختلف فكرا وعقيدة وعرقا وانتماء.

- صحيفة رأي اليوم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صباح بشير: المرأة العربية بين الفرص والتقاليد

  ما زالت المرأة العربية تخوض كفاحاً مستمراً لنيل حقوقها الاجتماعية والإنسانية، ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات، فما الذي تمّخض عنه كفاح...