لماذا لا توجد خيارات؟ السياسيون ورجال الدين يحاولون اقناعنا دائما بعدم وجود أي خيارات بديلة.
كَون البعض ضد الأنظمة المستبدة لشعوبها فهذا لا يعني أنهم قد يؤيدون الجماعات الإرهابية التي تقتل الأطفال والنساء تحت شعارات ومسميات مختلفة، وكون البعض الآخر لا يؤيد النظام الثيُقراطي أو رجال الدين لتطرفهم بإسم الأديان فهذا لا يعني بأنهم كفار، أليست الإخفاقات المستمرة وفشلنا في إيجاد خيارات منطقية هو ما عزز العودة إلى الحالة الدينية المتطرفة الأصولية التي نعيشها اليوم؟
قد يكون للحقيقة وجوه وجوانب عديدة، وحين تختلف رؤيتنا وتقييمنا للأمور فهذا لا يعني أن أحدنا على خطأ، قد نكون جميعا على صواب لكن لكل منا رؤيته الخاصة التي لا يراها الآخر ولم يستوعبها بعد.
إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، مصطلح لا إنساني يبرر شعار غير أخلاقي! فلماذا أصبح العالم ثنائي الأقطاب؟ إن هذا المصطلح يتقوقع في قالب ضيق مآله إلى التغيير لا محالة في ظل وجود عوامل تفرض ذلك، وإن لم نتقبل ذلك التغيير فسنصبح ظاهرة غريبة خارجة عن الزمان والمكان والتاريخ.
لا أحب السياسة أبدا لهذا لم أفكر يوما بالكتابة والخوض فيها، حيث أجد نفسي دائما عبر الكتابة الإنسانية بجمالها وروعتها، فالسياسة لها حساباتها ورؤاها المختلفة لكل من المصالح والأهداف التي تتعارض بطبعها المادي مع القيم الإنسانية الشفافة، وواقع السياسة غريب! فهو يقتل المنطق ليفرض نفسه علينا محاولا أن يقنعنا بأن الظالم مُنتصر لا محالة وأن المظلوم لا بد وأنه مهزوم! وها هو ذات الواقع يحاول اقناعنا بأن تقديس الأوهام والايديولوجيات السياسية التي تفرض تصوراتها وأفكارها على مجتمعاتنا ما هي إلا مبادئ ومقدسات لا يجوز التخلي عنها، وأنها خطوط حمراء ممنوعة من التجاوز! تبريرات للوقائع والأحداث واستبسال في الدفاع عنها، ومن خلال ذلك تصنف الانتماءات وتصدح الكلمات الرنانة متحايلة على الشعوب لتدس لها الأفكار بكل خبث ودهاء، في محاولات للإقناع بوجوب التمسك بها ونجاعتها.
باتت الصراعات والانقسامات اليوم، لعنة تلاحق شعوبنا المهزومة لتصل خلافاتنا ذروتها، لقد وصلت إلى الرؤى والأفكار والسلوكيات والممارسات، لم نعد نتفق على شيء، بتنا نسمع ونشاهد العديد من التفاسير لأشياء أصيلة لا مجال لجدلٍ فيها أو نقاش، أو مواقف وأفكار لا تحتمل خلاف أو نزاع، ولم تكن تلك المتناقضات في الماضي تحمل سوى طابع واحد غير متعدد الملامح أو الوجوه، إلا أننا اليوم بتنا نختلف على الثوابت وكثير من المواقف وكل الأمور والأحداث والمستجدات، ومما يزيد الأمر سوءاً اقحام الدين لآفاق السياسة ليشعلها بالفتن ويبدأ بنا عصر من المحن، وكل هذا الموت والقتل والعنف والإرهاب والاستلاب، وأصبح هناك الكثير ممن يظنون أنفسهم ينطقون بإسم السماء والأكوان، باعتبارهم يحملون وصاية الدفاع عن الأديان! ودون أدنى مسؤولية وأي اكتراث بتطرفهم وتعصبهم الذي يقلب الأحداث، نسير من خلفهم دون وعي أو تفكير فتدفع الأوطان بذلك الأثمان وخسارة في الأرواح والقيم وانعدام في الأمن والأمان.
على ضوء ذلك تتسلل إلينا العديد من الأمراض السياسية بأوبئتها، مما يجعلها تتحكم فينا، بفكرنا وسلوكنا وتحدد مواقفنا ومصالحنا والأهداف، لم يعد الوطن ودودا رحيما كما كان يجمعنا سابقا تحت مظلته وثوابته الأصيلة، فالسياسة بطابعها البغيض قد تدخلت ففرقتنا وغيرت من طبيعة شعوبنا الطيبة، وشوهت المبادئ والقيم، واستنزفت جُلَّ قوانا وكل الطاقات، فأخرت مسيرتنا وألقت بنا هناك بعيداً نسير خلف ركاب الأمم….
- صحيفة رأي اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق