في كل يوم يسير عالمنا نحو التطرف أكثر وبشكل ظاهر مخيف، فقد يبدو اليوم أنه من الصعب الحديث عن روح التضامن والإخاء والتعاضد في وقت لا تكف به العديد من وسائل الإعلام والقنوات الفضائية في هذا العالم عن الحديث وبث صور الكراهية والتعصب بكل أشكاله، مما ساهم في غرس نزعات وأفكار الكراهية في عمق المجتمعات الإنسانية، خاصة بعد الإخفاق المستمر في زرع بديلها الإنساني من التعايش والتعاطف وتقبل الآخر والتعاون، إذ لم نعد نشعر بالأمل بغد أفضل قد يحمل لنا السلام والأمن والأمان للعالم بشكل عام ولمنطقتنا العربية بشكل خاص، فقد ساد خطاب الكراهية حياتنا خلال السنوات الأخيرة ليدخل ضمن سلسة الأحداث التي تشغل بلادنا العربية، فهزت استقرارها وأمانها وثباتها، مما دفع بمنطقتنا إلى المزيد من الصراعات والفوضى التي أودت بحياة الأبرياء كما مَسّت بالحرمات والمقدسات من بيوت العبادة وأدت إلى تصاعد حالة التحريض على الانتقام والثأر ونزاعات متكررة وصراعات دائرة بلا نهاية، كل ذلك أدى بنا إلى الانزلاق في متاهات سوداء من الفوضى والعنف والقتل والدماء!
من الملاحظ أيضا بأن لوثة الكراهية المنتشرة فيما بيننا كجماعات وأفراد بشكل مربك مقلق، قد ساهمت في تنامي ظاهرة الطائفية ببشاعتها، هذا الخطر الذي نشاهده يوميا بمعالجته الخاطئة المتمثلة بمزيد من الطائفية المضادة التي اخترقت بشكل كبير، الكثير من تفاصيل حياتنا اليومية المختلفة فأغرقتنا في بحور الاحتقان والانقسام والتنافر والتناحر، من هنا أصبح خطاب الكراهية من أهم التحديات الراهنة التي تواجهها مجتمعاتنا، فلا شك بان داء الكراهية هو من أخطر الأمراض التي تهدد الإنسانية جمعاء منذ نشأتها وحتى وقتنا الحاضر، وهو ذلك المرض البغيض والخطر الذي يُراد من خلاله تفتيت مجتمعاتنا ومنع تماسكها، فهو يفضي لزرع الفتنة والبغضاء بين مكوناتها وجميع شرائحها المختلفة المتنوعة التي كانت قد تعايشت منذ سنين بكل محبة وتفاهم وتآلف، كما يهدد هذا الداء حقوق الإنسان بالاضطهاد والعنصرية وكبح الحريات ومنعها، فخطاب الكراهية المريض يثير مشاعر البغضاء والحقد بين الناس، كما ينادي بإقصاء البعض واغتصاب حقوقهم والتقليل من شأنهم والتمييز ضدهم، فهو يصنف شرائح المجتمع المختلفة بصورة تُخرِجهم عن حقهم الإنساني في الوجود وتَخرُجُ عن كل الأبعاد الإنسانية والمعايير الأخلاقية والمنطقية وكل الاعتبارات الاجتماعية، كما أنه السبب الرئيسي بتحليل الجرائم بكل اصنافها عبر التاريخ، فهذا الخطاب المقيت لطالما تبنى لغة صدامية قاسية تعتمد على تشويه الآخر واستهجانه والتقليل من شأنه والتحريض بالإرهاب ضده، مما يؤدي لنتيجة مأساوية من القهر والانقسام والدمار كما هو حالنا اليوم!
إن خطاب الكراهية هو خطاب انفعالي لا مكان للمنطق أو العقل أو التفكير السليم به، فمن خلاله يتم التحريض على الآخرين وفقاً لدوافع ومصالح خطاب الكراهية ذاته، فهو يقوم على التمييز العنصري بين البشر ويعمل على هدم الأمن وثقافة السلام، كما يقتل روح التسامح والمحبة بين الناس، وهو السبب الرئيسي في تدمير التوازن بين العلاقات الاجتماعية، وهو ما يحرك نوازع الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد مهددا لحمته ووحدته.
من هنا علينا أن ندرك بأن بيئة الكراهية هي المكان الملائم لصناعة الخراب والإرهاب في المجتمعات، لذا ولمعالجة هذه الآفة، نحتاج أولا وبقوة العمل على إيقاف ومنع الدعوة إلى الكراهية والعنصرية الدينية بكل أشكالها، كفى تحريضا وتمييزا وعداء وعنف، لماذا لا توجد لدينا تشريعات حقيقية وإجراءات عقابية رادعة تكافح التمييز لأجل الوقاية من هذا المرض الخبيث، فتحمي الأقليات والفئات الضعيفة المهمشة وتضمن لها ممارسة حقوقها التي كفلتها كل الشرائع والقوانين الدولية.
كما نحتاج اليوم وبشدة لخطاب إيجابي هادف يحل مكان خطاب الكراهية والتعصب، حيث يتم التركيز فيه على قيم التسامح والمحبة بين الناس وضبط النفس، علينا أيضا ان لا نتجاهل أهمية التوعية لهذا الموضوع التي من شأنها الإسهام بوقف التحريض والتعصب على أساس التمييز في القومية أو العرق، أو الدين والمعتقدات أو الجنس، وهنا علينا أن لا ننسى دور وسائل الإعلام في التثقيف والتوعية، فهي الوسيلة الرئيسية التي تعمل على إيصال الرسالة إلى عقول الناس وأذهانهم من خلال تقديم خطاب إنساني تصالحي إيجابي جديد.
أخيرا يحضرني ما قاله المناضل السياسي نيلسون مانديلا : “لا يوجد إنسان ولد ليكره إنسان آخر بسبب لونه أو عرقه أو دينه، لقد تعلمت الناس الكراهية، فإن كان بالإمكان تعليمهم الكراهية، إذاً لنسعى أن نعلمهم الحب، خاصة أن المحبة أقرب لقلب الإنسان من الكراهية.”
- صحيفة رأي اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق