بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 مايو 2017

لون من ألوان الحياة

في هذا العالم المتكدس بالشعارات والخيالات وكثير من اليقينيات والحتميات والعديد من الصور الإنسانية المشوهة، يتسلل الضجر والارتياب والسأَم إلينا لنشعر أحيانا بإحساس هادر يشدنا إلى البعيد هربا من كل الضجيج والنفاق والقلق وكل تلك الفوضى من حولنا، حيث الموسيقى التي دائما ما تعلمنا تدوير الألم وتحويله إلى سكينة وطمأنينة وهدوء نفسي، لنتناسى بذلك ضعفنا وخوفنا وكل الشروخ والخسائر والألم، فنعيش على أنغامها زمن من البطولات والجمال والعذوبة، حيث الكون المتسع بمساحته الشاسعة من الحرية بكل جمال ألوانها وأطيافها.

الموسيقى، ما هي إلا فكر العقلاء وفنهم، فمن خلفها أحاسيس وعواطف تلك العقول السليمة المحركة التي تشدو بنداء القلب مطالبة بالحب والسلام والأمان عبر إيقاعات الحياة النابضة بألوان الحياة، لتُقبِل علينا بتناسق قوالبها المعمارية وتَقبُّل الإنسان لأخيه الإنسان دون النظر لجنسه أو لونه أو عرقه أو مُعتقدِه، فتعبر بذلك الموسيقى عما تعجز عنه الكلمات، فهي الأكثر إلهاما لطالما كانت وستظل تكون، وهي تُشعل فين لهيبا قد لا ينطفئ من عشقٍ صامتٍ وطرب، حيث تجعلنا نذرف الدموع طربا وتأثراً بها، حباً أو نبلاً أو لفرط الإحساس.

تؤثر الذبذبات الموسيقية على الأعصاب فهي تبعث في النفس إحساس عميق بالاسترخاء والراحة، وهي فعالة جدا في القضاء على كل مسببات الكدر والكآبة وكل ألم نفسي أو معنوي.

يأسرنا صوت العود فهو من أجمل الآلات الموسيقية بعذوبة ألحانه، كما نعشق صوت آلة القانون بعراقته وأصالته الثرية الغنية، أما صوت الناي وأنينه وشدوه، فيسلبنا من أنفسنا آخذاً إيانا هنالك صوب السحاب لنحلق في الهواء فيما ما بينَ الأرض والسماء، ولترتجف قلوبنا طرباً في كل مرة نسمع فيها لحن عذب شجي جميل، هكذا هي الموسيقى تحاكي المشاعر والإحساس وتفتح بها أرواحنا على أسرار وآفاق ومسافات، تستثير فيها كلمات تعادل الصمت سحراً، همساً وخيالات.

وينسكب الزمن مسرعا فلا نشعر بسطوة الوقت ولا كيف تُسرق منا اللحظات حين نصغي إلى الأنغام فنشعر بكل مواطن القوة فينا أحيانا، في عالم يصدح بالفرح، ويهمس أحيانا أخرى في القلب كحزنٍ صامت أو تَرَح، فتتراقص الدهشة منا طربا وتعلن بذلك الكلمات انسجامها مع النغمات لتسمو هنالك في الأعالي فترتقي في عالم من الغِبطة والهيام، وننسى همومنا والأحزان، وتنقي رقة الألحان مسامعنا من كل ركام وجَلجلَة وصخب، فتدغدغ مشاعرنا حين يدندن الوتر لحنه في الأذن، معبراً مؤثرا بنا، لنكتب به حكاياتنا بدموعها والابتسامات، وتنبت في قلوبنا حقول ونسمات وخطوات تسير بنا نحو الأضواء، حيث تُشَدُ أرواحنا لعالم من النقاء والارتقاء.

لا زال هناك متسع من الوقت لنصلح ما تصدع في أرواحنا واغتالته المتاهات عبر كل تلك الاضطرابات من حولنا، فدائما ما تُعلمنا الموسيقى الخروج عن المألوف، فليست الحياة بما نفعله ونمارسه فقط بشكل يومي وبذات الطريقة المحددة التي تسير على ذات النهج والوتيرة في عمل كل الأشياء، إذ لا بد لنا أحيانا بشيءٍ من الجنون، فما نحياه من الرتابة والروتين قد يؤذينا لولا حضور الموسيقى في بعض ثنايا الحياة من حين لآخر، ولولاها لما زهت حياتنا بمتعة الحياة، فهي اللغة التي تحاكي واقعنا بملامح الجمال وتلامس أرواحنا بكل عذوبة لتظهر لنا وكأنها قادمة معتّقَة من حكايات ألف ليلة وليلة، فتروي لنا وتقص علينا كل الكلام المباح في حكايات شهرزاد المتجددة يوميا في عمق قصصها والروايات.

صحيفة رأي اليوم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صباح بشير: المرأة العربية بين الفرص والتقاليد

  ما زالت المرأة العربية تخوض كفاحاً مستمراً لنيل حقوقها الاجتماعية والإنسانية، ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات، فما الذي تمّخض عنه كفاح...