توفر تكنولوجيا الاتصال الكثير من المزايا والفرص لطرح القضايا الاجتماعية والفكرية والثقافية المعاصرة، فهي تعد الدائرة المعرفية الأولى لتبادل شتى المعلومات العلمية والاخبار، خصوصا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي بدورها تجمع النخب، وتسهل تواصل المجتمعات الإنسانية.
في السنوات الاخيرة، بدأت التعددية الثقافية تقلب المفاهيم والمعتقدات السائدة في مجتمعاتنا المحافظة، مما شكل تحدياً سافرا أمام بعض المُسَلّمات، أحيانا بإعادة صياغتها لتتناسب مع المفاهيم الجديدة التي بدأت بالانتشار، وأحيانا أخرى برفضها ونبذها، خلقت منصات التواصل الاجتماعي نوعًا مختلفا من النقاش، فغدت أداة قوية مؤثرة على الرأي العام، وعلى منظومة القيم الخاصة بمجتمعاتنا، وعلى ذلك الخطاب الثقافي السائد فيها.
في ظل مئات القنوات الفضائية العربية، والمنصات الإعلامية الجديدة التي تقدم شتى أنواع البرامج، وجدت الدعوة الى الديّن مكانًا حيويًا وموضوعا رئيسيا فيها، فتلك القنوات التي تعمل على بث البرامج الدينية بشكل مستمر ومتواصل، ساهمت في انتشار الأفكار الدينية والآراء المتطرفة بين الناس.
جميعنا يعلم مدى تأثير هذه الوسائل في بلورة وتشكيل الرأي العام، ودعم الأفكار والقضايا أو المواقف، بقبولها أو برفضها، كل ذلك أدى إلى تحول كبير في تغيير قناعات المجتمع تجاه الكثير من القضايا.
تمتع مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بحرية التعبير وإيصال الأفكار، غدت هذه المنصات منبرًا خصبا للجماعات المتطرفة التي تطمح لنشر أفكارها واستقطاب الشباب عن طريق غسل أدمغتهم بمعلوماتها! لقد أثرت فعليا على تشكيل الوعي لدى الجيل الشاب وسلوكياته الدينية، خصوصا في المناطق التقليدية المحافظة، فأصبحت هذه الوسائل الاعلامية، المنصة الاولى لنشر الأفكار السلفية والفتاوى الدينية، تثير الضجة وردود الأفعال المتباينة.
من المفارقات أننا بتنا نشاهد حسابات باسم علماء الدين المتوفين، أنشأها أتباعهم الدينيون والفكريون، وذلك للوصول إلى أدمغة وعقول الأجيال الشابة!
لم يقتصر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على رجال الدين، بل يلتزم الكثيرون بنشر تغريداتهم الدينية المتنوعة، من الأحاديث والفتاوى وغيرها، خصوصا خلال شهر رمضان ومواسم الحج والاعياد والمناسبات الدينية المختلفة، حيث يتم تحميل الصور ومقاطع الفيديو التي تقدم لنا إحساسًا بالروحانية الافتراضية!
لقد غيرت هذه الظاهرة طريقة الدعوة الى الدين، وذلك بإتاحتها الفرصة للشباب للتفاعل مع بعضهم البعض بطرق حديثة، فبعد أن كانت مجتمعاتنا العربية مفصولة جغرافيا، كُسِرَت الحواجز وتمكن الجميع حول العالم، خصوصا أولئك الذين يعيشون في الغرب، من التواصل الديني، فقد أتيحت لهم الفرصة للمناقشة والتداول في الممارسات الدينية والطقوس والفتاوى وغيرها، مما أدى إلى تعزيز ظاهرة التدين عالميا، مع اعتقاد هؤلاء الناس بأن هذه المنصات الاجتماعية الرقمية، قد تمهد الطريق لكسب التضامن العالمي للدين، من خلال نسج الروابط بين أفراد المجتمع الإسلامي في جميع أنحاء العالم.
تمثل الرقمنة المستمرة للإسلام أو أسلمة العالم الرقمي تحديًا للدين الإسلامي في القرن الحادي والعشرين، حيث تقاوم المجتمعات المنغلقة تأثير العديد من المواقع الثقافية والفكرية، وكذلك الانفتاح المستمر والحداثة، وبعودة صعود الإسلام، غدت السلطة الدينية مجالًا هاما متنازعًا عليه، لذا تآزَرت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، في اكتساب واستعادة مكانة الدين في حياتنا الاجتماعية المعاصرة، من خلال اللعب على أوتار القيم، تلك التي تساعدنا على النمو والتطور إن كانت سليمة ومتوازنة، وتحمل أبعادا إنسانية سامية، لكنهم وباستخدام الانترنت، دفعوا بالمجتمعات نحو إنشاء المستقبل الذي يريدون له أن يكون! فلماذا لا ننتبه لهذا الخطر الماثل إلينا بعباءة الدين وثوب القداسة؟!
- صحيفة رأي اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق