بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

غياب الثقافة التضامنية في ظل تراجع المشهد السياسي

ما من شك بأن تقصيرنا وانقساماتنا وتضارب خياراتنا شكل حاجزاً فيما بيننا وبين الشعوب الأخرى مما أدى إلى إضعاف تعاطف العالم معنا ومع قضايانا المصيرية الهامة كشعوب عربية تقبع تحت القمع والظلم ، وما من شك أيضا في أن ظهور التنظيمات والحركات الإسلامية المتطرفة ساهم في تشويه صورتنا العالمية اكثر فأكثر مما باعد بيننا وبين أهدافنا السامية لنيل الحرية والكرامة الإنسانية المفقودة وشوش صورة كفاحنا العادلة لنيل ما نصبو اليه كشعوب مسحوقة تعاني الظلم والفساد والفقر والإذلال ، ومع هذا لا يعتبر ذلك مبرراً كافياً ومقنعاً لكل ذلك السقوط الأخلاقي والسياسي الواضح من حالة الصمت للرأي العالمي العام أمام ما تمر به شعوبنا العربية ومعاناتها في فلسطين أولاً ومن ثم العراق وسوريا واليمن وليبيا ، فهل هناك ما يمنع فعلا من معرفة الحقيقة وإيضاح الصورة وإدراك ما يجري من الظلم الواقع على هذه الشعوب ؟  لماذا يُترك الإنسان وحيداً  يواجه العنف بصدره العاري دون أي اعتراف بحقه في الحياة والوجود ؟ لماذا يتهرب العالم من مسؤولياته الإنسانية والسياسية تجاه شعوبنا المسحوقة ؟

لا أنكر أبدا بأن انقساماتنا السياسية والفكرية وتضارب خياراتنا وتشتتنا أضعف تعاطف العالم معنا لدرجة أننا لم نعد نشهد اليوم حتى لو مسيرة واحدة أو اعتصام أو تظاهرة شعبية تُنظَّم لتعبر عن موقف سياسي واضح او تعاطف إنساني أو تأييد يطالب الحكومات والقوى السياسية بالتعاطف والمشاركة الوجدانية معنا ، وهنا لا أقصد بأن تتبنى الشعوب الأخرى ثمن المساهمة في قضايانا ومآسينا إنما أقصد التعاطف والتضامن مع تلك القضايا وقيمها الإنسانية  .

ربما كان تحييد وغياب مفاهيم الثقافة التضامنية على جميع المستويات ولفترات طويلة من الزمن حتى فيما بين أبناء الوطن الواحد سبباً من الأسباب ، لكن هذا ليس عذرا واضحا لانعدامها  ، لقد باتت حالة لاإنسانية عامة لافتة تنطبق على معظم القضايا ،  مما دفع بنا إلى حالة من اليأس والإحباط وفقدان الأمل بعدالة قضايانا أو انتصارها يوما ، فيما نشهد واقع تقديس المصالح الخاصة للقضايا المشتركة التي تحمل منفعة لدى القوى المتضامنة معها  فقط والتي تتقاطع أهدافها وتطلعاتها معا لتحدد بذلك أصدقائها وأعدائها في حدود تلك المنافع ضمن مقاسات ومعايير محددة  توحد خطاها لبلوغ أهدافها لا أكثر ، وهنا لا بد أن نتطرق إلى العولمة التي لا بد وأنها جعلت هذه القضية عالمية ومنتشرة في مداها فبدل أن تعزز الشعور بالوحدة الإنسانية  زعزعت استقرارنا وعمقت الفجوة فيما بين الشعوب ، وتعمقت لتسيطر وتتحكم وتضع قوانين تجعل مجموعة من دول رأس مالية تتحكم في الاقتصاد العالمي لتبحث لها عن أسواق ومصادر جديدة بما يمد حدودها الاقتصادية ومصالحها مع دول وأهداف أخرى ، فلم يعد التضامن الإنساني من ضمن أولوياتها فالمصالح المادية والاقتصادية دائما ما تفصل وتحكم الأمور ، ولم يقتصر الأمر فقد على الأبعاد المادية أو السياسية إنما وصل إلى البعد الحيوي والثقافي الذي يتمثل في منظومة القيم ، فَتَحَوُّل العالم الكبير إلى ما يشبه القرية الصغيرة ، وسهولة الاتصال والتواصل والتنقل بين أطراف العالم المختلفة كان من المفترض أن يُنتج  بعداً إنسانيا واضحا وتفاهما متبادلا بين البشر، إلا أنه ومع الأسف باتت نتائجه تُظهر العكس ، لقد استُغِلَ مفهوم العولمة لفصل العلاقات الإنسانية فلم ينجح في دمج سكان العالم في مجتمع عالمي إنساني واحد يحمل ذات القيم لتتساوى فيه الشعوب ويتم الاعتراف بحقوقها في تقرير مصائرها مما يضمن سيادتها وحريتها والعدالة لكل فرد فيها ، من هنا نجد تأثيرها السلبي يتنقل فيما بين أثرها الاقتصادي والثقافي على نمط الحياة وعلى نظامها الذي قضى على قيم العلاقات الإنسانية والتفاعل المباشر ، فأصبحت علاقات البشر تحكمها وتتحكم بها المادة فقط . أيضا لا بد هنا أن نشير للأثر الكبير والدور الذي لعبته الوسائل الإعلامية ووسائل الإتصال المختلفة حول العالم في انتشار سلبيات ثقافة العولمة بما يتناقض مع المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة ، مما حدد معايير سلوكية جديدة نشأت في ظل حالة الاقتصاد العالمي والثقافي الحديث الذي نعيشه جميعا بحيث تفتقر هذه السلوكيات للمعايير والقيم والغايات الإنسانية التي تجعل من الإنسان يستشعر وحدة المصير الإنساني ، فلم يعد يدرك بأن أي كارثة بشرية أو بيئية أو إنسانية قد تحدث في أي مكان من العالم قد تؤثر عليه وعلى مصيره الإنساني بشكل أو بآخر .

ها نحن اليوم نعيش في ظل غياب ثقافة التضامن الإنساني وانتشار الفوضى والتوترات والتناقضات وانعدام الأمن والاستقرار ، جميعنا يلهث خلف تطلعات وأحلام متناقضة وأوهام متضاربة دون أي أمل في الوصول إلى ضفة آمنة حتى اللحظة .

بالطبع لا يعود السبب إلى العولمة بذاتها فقط ، إنما إلى كل الأطراف المستفيدة من المصالح والأهداف التي كانت تسعى إليها من خلالها ، إذ لم يكن ضمن أجنداتهم يوما تحديدها أخلاقيا وإنسانيا أو سياسا لكي لا تتضرر مصالحهم أولا وليتحرروا من المسؤولية التابعة لمصائر تلك الشعوب المستباحة والمتضررة ثانياً ، من هنا ومن هذا الموقف تحديداً استفاد القوي وخسر الضعيف ، فاستِفادة الأقوياء خلقت لديهم نوعاً من العنصرية وكره الأجنبي وعدم تقبله ، ورفض اللاجئ والخوف منه ، وخسارة الضعفاء كرست الكراهية والحقد والعداء للغرب ورفضه ، وعدم الثقة به .

لم نعد نستشعر بوجود قضايا مشتركة بين البشر ولم يعد هناك أي إمكانية للتضامن حتى بين شعوب ذات المناطق فيما بينها        ، انتهى عصر الأحلام للمشاريع الوطنية التي توحد تطلعات الشعوب كمشروع الوحدة العربية مثلا ، بات النزاع راسخا فيما بين نخبنا الوطنية والثقافية مما أسس لكل التطرف المذهبي والسياسي والطائفي الذي نعيشه اليوم ، بالتالي فقدنا أي تواصل فكري وثقافي فيما بيننا ، حالة من الضياع العام والأنانية السياسية والاقتصادية المدمرة ، كل هذا التفكك والغياب لكل القيم والمعاني السامية حول العالم ساهم بشكل فعال في قتل الضمير العالمي وغيابه عن المشهد الإنساني في قضايانا المطروحة كالأمن والحروب ، السلام والفقر والهجرة واللجوء ، فقدان الكرامة وغياب العدل .

 عالميا نحن نعيش حالة مخاض صعبة جدا وعسيرة ، وصلت بنا إلى أزمة فكرية وسلوكية حقيقية ، فعلاً وممارسةً ، حالة من التخبط داخل الدول والمجتمعات وفيما بينها ، ورغم كل ما نعيشه من ثورة اتصال وتواصل فكري وتقدم علمي في شتى الميادين إلا اننا لم نصل بعد إلى المستوى الذي يجعلنا نُقدّر معنى التضامن الإنساني فنشعر بآلام الآخرين ومعاناتهم أينما وجدوا على هذه الأرض دون تمييز لأصولهم وأعراقهم وعقائدهم الدينية .

 الصورة قاتمة وإحياء ثقافة التضامن بين الشعوب صعبة فالظلم والقهر سيد الموقف ، لكن علينا أن نخلق عالما جديدا بالقوة والمثابرة والصبر . لنعاود مراجعة حساباتنا الثقافية والفكرية البناءة ، ونتضامن مع كل فرد أو جهة تسعى جاهدة لذات الهدف وذلك لإحياء تضامننا الإنساني وجعل تلك القضية الهامة على سلم أولوياتنا لبناء أخلاقيات عهد جديد نرجوه ونتمناه جميعا لأبنائنا .

- صحيفة رأي اليوم 

السبت، 26 نوفمبر 2016

صباح بشير: خصوصية الشخصية وخلط المفاهيم

إن بناء الحضارة في المجتمعات تستند على بعض الأسس الأخلاقية الهامة وذلك لتصل إلى غاياتها الإنسانية الكاملة ، ويعتمد ذلك على وعينا كأفراد ومجتمعات وإدراكنا للكثير من المناحي الحياتية المختلفة واحترامنا لمنظومة القيم والمعارف الإنسانية . والحرية هي أحدى القيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة التي علينا جميعا أن نؤمن بها ونسعى دائما لها ، وهي تحمل المعاني السامية التي تعود على الإنسان بالراحة النفسية والإحساس بالسعادة وتسمح له باختيار طريقه وأعماله وسلوكياته فتحقق له مصالحه ومآربه وإنجازاته في الحياة .

يولد الإنسان حراً ويجب أن يعيش حراً في ممارسة حقه الطبيعي في التعبير عن رأيه واختياراته الشخصية مع الاعتبار لعدم المساس بحرية الاخرين ، إلا أننا وللأسف عادة ما نصطدم بعدم احترام الحرية الشخصية للفرد في مجتمعاتنا العربية ، ولا بد أننا عانينا جميعا من ذلك بشكل أو بآخر بسبب مفاهيمنا السلوكية التي تفتقد للمنطق والتفكير الواعي .

إن احترام الخصوصية الشخصية للفرد هو من أهم الحقوق الإنسانية التي تحفظ كرامة الإنسان التي لا تستقيم الحياة بدونها ، لذا فعلينا جميعا تقدير ذلك باعتباره من أهم الحقوق وأقدسها . لكن ومع الأسف ، مفاهيمنا الاجتماعية بمجملها تحمل طابعاً من العنف والتطرف ، كما أننا غالباً ما ننتهج أساليب التفاهم بالقوة وفرض الرأي وعدم الإلتزام بالحوار البناء وتبني بعض الألفاظ القاسية البغيضة في حواراتنا ونقاشاتنا فتسيء لمشاعر الآخر وكرامته ! ونسمح دائما لأنفسنا بالتطفل على الآخرين وعلى خصوصياتهم التي لا تعنينا .

إن انتشار هذه السلوكيات عبر ثقافتنا وتربيتنا ما هو إلا مؤشر واضح على انحدار المستوى الأخلاقي ، فلطالما تضايقنا من المتطفلين وانزعجنا منهم وتكدرنا بسببهم ، فنحن جميعا نحاول دائما كتم اسرارنا الخاصة والمحافظة على خصوصياتنا وحمايتها من تدخلات الآخرين ودوافعهم التي قد لا تعنينا بشيء لكنها تجعلهم يقتحمون حياتنا للاطلاع عليها واكتشاف القسم المستور منها ، دون أي إدراك بأنهم بذلك اعتدوا بشكل صارخ على الاخر وحريته وهدروا كرامته وجرحوا مشاعره وهددوا بذلك جزءاً من أمنه وأمانه الخاص .

إن شر الناس من تطفل عليهم وعلى حياتهم وتدخل بها حتى لو كان ذلك بحجة حسن النية أو إسداء النصيحة ، فالنصيحة لا تعطى إلا لمن يتقبلها ويرغب بها ماذا وإلا علينا أن نصمت وأن لا نسمح لأنفسنا بالتدخل والتطفل على الاخرين .

لنعود أنفسنا بأن احترام خصوصيات الآخرين من أهم المبادئ الأخلاقية التي يجب علينا جميعا الإلتزام بها ، فلا حرية حقيقية ولا كرامة للإنسان في ظل تدخل الآخرين بشؤونه الخاصة أو قراراته الشخصية ، فلماذا نعتدي على الآخرين بطريقة تفكيرنا وسلوكياتنا التي لا تعترف بالفرد ككائن حر مستقل بذاته ، إلى متى سيظل الفرد لدينا يعيش حالة من التهميش لصالح الأعراف والعادات السلبية التي تخص القطيع ؟ ما الذي يمنعنا من الخروج من العقلية القبائلية ؟ الكل يتدخل في أبسط تفاصيلك ! لباسك ، مظهرك الشخصي ، طريقة تفكيرك ، معتقداتك وأفكارك واهتماماتك وخياراتك في الحياة ، ذوقك الشخصي وعلاقتك بربك ! حتى أنهم يحاسبونك على نواياك التي لم يحصل وأفصحت عنها بعد !

إن حياة الانسان وأسراره وقضاياه الشخصية ما هي إلا ملك شخصي له وحده ، وهي حصنه الداخلي الذي لا يجوز التدخل به او الاطلاع عليه ، إنه ستره الخاص الذي لا يجوز انتهاكه لأي سبب كان . إن مهاجمة الفرد بهذه الطريقة اللإنسانية  لشخصه وفكره أو معتقده وعدم احترام حقه باختيار ما يناسبه بكل حرية يتسبب بتدميره معنوياً وفكرياً وأخلاقيا ، كما ينتزع منه البعد الإنساني ويقمع شخصيته ويعزله عن مجتمعه ويؤثر على انتماؤه ويعطيه شعوراً بالاغتراب عن محيطه مما يؤثر على عطاؤه كعضو فعال في المجتمع .

وهنا لا أدعوا للإنغلاق أو العزلة لكنها دعوة لتصحيح مسارنا وانتهاج المنطق والتفكير السليم والسلوكيات الإنسانية التي تحفظ خصوصياتنا من الإنتهاك وحقوقنا وحرياتنا في التفكير والمعتقد والتوجهات والاختيارات الشخصية من الانتهاك  .

لنستشعر دائما المبادئ الإنسانية الراقية ونتماشى مع التطور لكي نتقدم مع المسيرة البشرية والتحضر السليم .

- صحيفة رأي اليوم 

الأربعاء، 16 نوفمبر 2016

أين نجد التسامح في يوم التسامح العالمي ؟ !

في عام 1996 وبتاريخ 16 من تشرين الثاني – نوفمبر ، قدمت الجمعية العامة للأمم المتحدة للدول الأعضاء دعوة للإحتفال باليوم الدولي للتسامح ، وذلك للقيام بالأنشطة المناسبة الموجهة للمؤسسات التعليمية بشكل خاص ولعامة الجماهير بشكل عام ، ونصت الوثيقة الخاصة بمؤتمر القمة العالمي بالتزام الدول الأعضاء والحكومات بالعمل على النهوض بحرية الإنسان وتقدمه في كل مكان وتشجيع لغة الحوار واحترام الآخر وثقافتة والتسامح والتعاون فيما بين مختلف الحضارات والشعوب .

مع الأسف الشديد لم نشهد حتى اليوم في عالمنا العربي على وجه التحديد سوى تنامي لظاهرة التطرف وكراهية الأخر وعدم تقبله ، وبرزت العنصرية والكراهية ! احترام حقوق الإنسان والتسامح وقيم التعايش لم تعد قيد الحسبان ! يعلو صوت خطاب الكراهية ونسمعه في كل مكان خاصة في الكثير من الوسائل الإعلامية التي تدعو وتحرض على الطائفية الدينية والأثنية ، فانتشرت الحروب بين أبناء الوطن الواحد والانقسامات وتشتت شعوبنا في شتى أصقاع الأرض ! ولم نعد نميز بين القاتل والمقتول وبين المجرم والبريء الكل ضحية الكل ! فأين وصلت قيم التسامح في العراق مثلا أو سوريا أو اليمن أو ليبيا وحتى فلسطين حيث الانقسام الذي لم يجد طريقه الحقيقي إلى النور بعد !

هذا حال التسامح اليوم على مستوى الدول أما على المستوى الاجتماعي فحدث ولا حرج ! فلقد أصبحت قيمنا العليا كالتسامح ونصرة المظلوم والكرامة والعدل وغيرها من القيم ما هي إلا شعارات واهية وظاهرة صوتية لا أكثر نتغنى بها في المحافل الرسمية وأمام كاميرات وسائل الاعلام المختلفة ! بينما واقعنا المرير يعكس الصورة الحقيقية لما أصبحت قيم التسامح والإنسانية من أرخص القيم لدينا ! وهذا هو حالنا اليوم ويشهد على ذلك كل تلك الصراعات والنزاعات على قضايانا الهامشية وتصاعد النزعة الانتقامية بين افراد الوطن الواحد وما هذا إلا دليل واضح وصريح بانهيار منظومة القيم الإنسانية في مجتمعاتنا ، فتُزهق أرواح الأبرياء دون أدنى إحساس أو أي شعور بالمسؤولية !

بعد كل ما نعايش من حروب ومعاناة وانقسامات ، لماذا لم ندرك بعد بأن علينا أخذ قرار إيجابي باتخاذ موقف حقيقي مؤثر في واقعنا ، ونعمل جميعا مؤسسات وأفراد ووسائل إعلام بهدف إعادة غرس قيم التسامح واحترام الآخر وذلك لنتمتع جميعنا بحقوقنا وحرياتنا . وحتى تصبح مجتمعاتنا قادرة على احترام وقبول الآخرين وتقبل التنوع الثري وتقبل الثقافات المختلفة ، علينا بتربية وزرع روح المحبة والتسامح الإنساني في أطفالنا من خلال مناهجنا الدراسية المطلوب مراجعتها باستمرار والتدقيق فيها ، ومن خلال نشاطاتهم التربوية ، فبالمعرفة والعلم والإتصال تُبني حرية الفكر لدى الشعوب ، فنحصد الخير والمحبة في مجتمعاتنا التي تفتقد الوئام والسلام لرفضها فكرة التعددية وتبنيها للتعصب الفكري والديني والقومي .

أيضا علينا أن نربي أبنائنا بأن التسامح يعني حرية الفرد الكاملة في فكره وعقيدته وعلينا بتقبل الآخر كما هو لا كما نريد له أن يكون ، علينا بتعليمهم بأن الاختلاف طبيعي بين البشر بطبائعهم وسلوكاتهم ومظاهرهم الخارجية ومعتقداتهم ولغاتهم وأفكارهم ، والإقرار بكل هذا ما هو الا تقبل للحياة والبشر والطبيعة ، فلا نربيهم على  العنصرية والتمييز ونغرس فيهم الكراهية وعدم تقبل الاخرين ، مما يقودهم الى اعتماد العنف كوسيلة وحيدة لفرض ذاتهم وكينونتهم !

 أبنائنا هم أبناء المستقبل ونريد لهم أن يعيشوا بسلام وأمان ، دون عنف أو تمييز لأي سبب كان ، نطمح لهم بحياة موفقة ناجحة وآمنة فإن فشلنا نحن بتحقيق ذلك لأنفسنا دعونا نحاول لأجل أولادنا فما ذنبهم ؟ يستحق أبنائنا ان يعيشوا بسلام ويتمتعوا بحقوقهم الإنسانية الكاملة فبدون التسامح لن يكون هناك أي مستقبل لنا أو لهم ، دعونا نمنح الفرصة لأنفسنا ولهم ، ولنبدأ بداية مثمرة وجديدة ، فأكثر الشعوب تحضراً هي تلك الشعوب التي تنتقد نفسها بنفسها لتتحول دائما نحو الأفضل بما ينفعها ويساهم في تقدمها الحضاري .

وسعياً لتحقيقي حياة أفضل لأنفسنا ولأبنائنا ومجتمعاتنا لنعلم جميعا بأن قبولنا بالآخرين واحترام وجودهم وثقافاتهم سيؤدي بنا إلى السلام والأمان الذي ترسخه معاني التسامح والاحترام المتبادل فيما بيننا ، وفيما بين الشعوب الأخرى حتى نصل جميعا لتحقيق النهضة والرفاهية والراحة  .

أخي الإنسان : إن المواقف واللحظات الإنسانية كثيرة ومتنوعة في حياتنا ، سواء كانت في أوقات الحرب أو السلم والراحة ، لذا تصرف بمسؤولية وكن محباً للآخرين متسامحاً فليست البطولة في حمل السلاح وقتل الآخر.

 إن ما يبقى خالداً بذكراه هو مواقفك الإنسانية المؤثرة التي تلعبها اليوم فمهما كانت بسيطة لربما يكون دورك الإنساني الذي تساهم به اليوم قد يتسبب غداً في تغيير العالم ليصبح العالم أفضل بكثير مما هو عليه الآن.

- صحيفة رأي اليوم 

الاثنين، 14 نوفمبر 2016

صباح بشير: نساؤنا المبدعات فيما بين الطموح والجروح

حققت المرأة العربية العديد من الإنجازات الهامة التي غيرت من النظرة التقليدية لصورتها ، فكان لها بصمة وعلامة فارقة تجسدت عبر الكثير من مساهماتها البناءة في المجالات الإنسانية والثقافية ، السياسية والإقتصادية والعلمية .

نعيش اليوم الحروب والانقسامات والأوضاع الاقتصادية  والإجتماعية الصعبة ، فأصبح المبدع العربي بشكل عام يحتاج لإرادة وعزم وقوة كبيرة ليتمكن من الصمود والاستمرار ليجسد أحلامه إلى واقع ، ولا يخفى على أحد حجم تلك العقبات التي تجتاح طريق الإبداع فتمنعه من الوصول ، إلا أن نساؤنا المبدعات كان لهن الحظ الأوفر من تلك العوائق ، فكل مبدعة امتلكت شيئاً من طموح يحيط بها ويلح عليها محاولةً فتح آفاقها الإنسانية أو العلمية للمساهمة في إضاءة قسماً ما من فضاءاتنا ، لا بد وأنها اصطدمت بالكثير من الأمور التي ضَيَّقَت عليها مساحتها لتعيق انطلاقها نحو طريق الإبداع ، ولا بد أنها شعرت بأن الطريق متعب ، شائك وطويل، وواجهت الكثير من التحديات والصعاب التي تؤثر على سيرها وتقدمها ، لذلك نلاحظ قلة النساء المبدعات نسبيا مقابل الرجال في الكثير من الحقول الإبداعية لدينا ، وفي ظل ثقافة تفرضها آيديلوجيات اجتماعية مع بعضٍ مما جاء في النصوص الدينية التي ترفض الكثير من الأعمال الإبداعية ، مما يفرض على المرأة المبدعة الالتزام بأدوار اجتماعية تقليدية تؤدي بها إلى التضحية بالكثير مما تنفرد به من خصائص وميزات إبداعية قد لا تتناسب ورؤية مجتمعات غير مرنة على الإطلاق ليؤثر ذلك سلباً على تطورها ونموها الإبداعي .

بشكل واضح وضعت الكثير من النصوص الدينية الخاصة بالمرأة حدوداً لأدائها ودورها في المجتمع الذي تسلح هو بدوره بتلك النصوص لحماية عاداته وتقاليده . قد تكون هذه النصوص وتفسيراتها تهدف إلى ضبط المجتمع أو إصلاحه من خلال معايير أخلاقية معينة خاصة بمجتمعاتنا لتوضح دور المرأة وترسمه ، إلا أننا نجد بأن العديد من التفسيرات الخاطئة للكثير من النصوص قد أسيء فهمها وتطبيقها ، لتجعل المرأة تبدو وكأنها غير كاملة الأهلية فيقوم الرجل بتحديد وتقويم مهامها وأدوارها وواجباتها في الحياة ، فتظهر وكأنها تعيش تحت الوصايه إلى الأبد ، وحتى اليوم لا زلنا نجد بعض الرجال لا يؤمن بتلك الطاقة الكامنة في المرأة ولا يشجعها ولا يهتم بها كزوجة أو أخت أو إبنة مبدعة ، ولا يرى فيها سوى دورها النمطي كأم ومربية وربة منزل ، وفيما لو كانت المرأة قوية الشخصية نتيجة ظروفها او تجاربها في الحياة أو دراستها أو عملها ، فإننا نلاحظ بأن  الكثير من الرجال يتجنب الاقتران بها بالرغم من ميزاتها تلك التي تدعو للفخر والثقة وتؤهلها لبناء زواج وأسرة سعيدة ناجحة ، وقد شهدنا الكثير من النساء الفاعلات في الحياة الأسرية ممن يتحملن المسؤولية في كثير من الحالات اثناء غياب الزوج  بداعي المرض أو السفر أو غيره من الظروف القاسية ، فتتخذ هي القرارات وتقوم بإدارة بيتها وأسرتها بكل فاعلية ونجاح .  أيضا هناك الكثير من الرجال الذين يولون اهتماما لشكل المرأة وصورتها فقط دون النظر لإنتاجها الفكري أو الإبداعي بالرغم من إثباتها لنفسها وتحقيقها للعديد من الإنجازات والمكتسبات إلا أن نظرتهم  هي ذاتها مع الأسف لم تتغير كثيرا !  فلا زالت الكثير من النساء تعاني الأمَرّين لإثبات أنفسهن في مجتمعات مجحفة بحقهن ! وتتباين حدة هذه النظرة في مجتمعاتنا العربية من منطقة جغرافية لأخرى ، إلا أنها تحمل ذات المضمون بشكل أو بآخر، فمنهم من يرفضها ويراها مُسترجلة  فهي عادة ما تكون مستقلة وجريئة وهذا ما ينافي طبيعة التفكير السائد الرافض لتجاوز النمط الأنثوي التقليدي ، ونحن دائما ما ننتظر من المرأة تنفيذ دورها الأنثوي بحسب رؤية مجتمعنا وتقاليده وموروثاته ، فإن شذت عن ذلك محاولةً خلق عالما مغايراً لها لتتبوأ موقعا من الإبداع فغالباً ما تُنبَذ اجتماعيا ! مما يتسبب في التضييق عليها والتشويش على تركيزها وعطائها ويؤثر بذلك على أدائها وإنتاجها ويحول دون نجاحها !  بينما نجد بأن نظرة مجتمعاتنا اكثر تسامحاً مع الرجل المبدع وأكثر تلائما مع نموه الإبداعي والفكري ، فهو يمتلك من المزايا الاجتماعية ما لا تمتلكه المرأة  من الاستقلالية ومساحة الحرية والثقة اللازمة لتشجيعه ودعمه ليتطور ويحقق ما يصبو إليه من النجاح والإبداع .

ضمن هذه الأجواء السائدة وما لها من انعكاسات وثأثيرات سلبية عميقة على المرأه وإبداعاتها ومجريات حياتها ،  بالتالي بقرار لا واعي منها ستفقد المبدعة جزءاً من ثقتها بنفسها وإمكانياتها أو الشعور بقيمتها مما يعرضها لليأس والإحباط!

من هنا وكما نرى فأن المرأة المبدعة لا تزال تعيش أوضاعاً ضاغطة ولا تزال تحاول الخروج من قوقعتها الشائكة بحثاً عن مكانٍ ما لا تشعر فيه بالاغتراب عن عالمها المبدع ، فتعيش حريتها وترتقي بأدائها وتنطلق لتكون معطاءة فاعلة ومؤثرة ذات بصمة ، بعيدا عن كل ما يتسبب بتقييد إنتاجها الإبداعي ، تارة بإسم الدين وتارة أخرى بإسم العادات والتقاليد وتارة بأسماء ومسميات أخرى!

- صحيفة رأي اليوم 

الجمعة، 4 نوفمبر 2016

صباح بشير: الربيع الدموي وثقافة الكراهية

يولد الإنسان حراً محايداً، بعد ذلك ينتهج سلوكاً وتفكيراً يوافق تربيته ونشأته المحيطة مرتبطاً ارتباطاً وثيقا بالمنظومة الاجتماعية وقيمها وقوانينها من حوله ، وبطبيعته الإنسانية فهو دائما ما ينشد العدالة والحرية والأمن والسلام .

فى السنوات الأخيرة برزت الطائفية كَسِمة للعديد من المجتمعات العربية لتصبح العلاقات بين الطوائف المختلفة محل اهتمام الجميع ، وهنا سنتحدث عن الطائفية بشكل خاص التي ما أنتجت لنا سوى الكراهية وعدم تقبل الآخر ورفض ثقافة التعددية في مجتمعاتنا التي فشلت كثيراً من الدول في دعمها وترسيخها مما دفع بخطاب الكراهية ليحتل الصدارة فيغدو ثقافة عربية بامتياز ! هذا الخطاب الناتج عن العديد من التراكمات الزمنية استفادت منه بعض القوى الدينية والاجتماعية والسياسية وذلك لاستثمار هذه الثقافة وتوظيفها وفق أجنداتهم الخاصة ، علماً بأن الجميع يتفق على أن الكراهية ما هي إلا أحد مؤشرات التعصب المؤدي إلى العنف ، ومع ذلك نستمع يوميا إلى الخطابات التي تحرض عليها وعلى إقصاء الآخر وقمع حريته تحت مبررات مجتمعية أو دينية تستمد شرعيتها من بعض النصوص الدينية التي أُسيء فهمها وتفسيرها ! ولا أعرف لماذا لا نكون أكثر ذكاءً وفطنة وإدراكاً للحقائق ، ولماذا لا نتعلم مما نعيشه يوميا ! ألا نشاهد ما جلبت الطائفية والعنصرية والتطرف في البلاد العربية ؟  لبنان سابقا واليوم نجد العراق وسوريا وليبيا واليمن ،  نعيش الحروب والفوضى باسم الربيع العربي تارة ، وبإسم تحرير البلاد من الطغاة  تارة أخرى  أو باسم القضاء على الإرهاب وغيره مما يؤدي إلى زيادة التفتت والصراع .

 نرى كل ذلك وكأنه صُمِّمَ ليُشغل العرب بعضهم ببعض ، وبالتالي تحطمت كل الآمال المَرجوة من ذلك الربيع المزعوم ! كما تردت الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية وانتشرت البطالة وكثرت المآسي الدموية وتشرد العرب في جميع بقاع الأرض  !

نحن نتقبل ونعلم بأن الطوائف جزءاً من البنية الاجتماعية لمجتمعاتنا ، لكن ما يؤلم حقا هو ثقافة التعصب وعدم تقبل الآخر الذي يسيطر عليها ، مما سبب لنا كل ما نعيشه من نزاع وألم وانقسامات وتشتت ، ومن المعروف أيضا أن ما نمر به اليوم من الطائفية التي فشلنا من احتوائها زاد في انغلاق أبناء الطوائف على أنفسهم مما شكل حواجز نفسية وزرع سوء الفهم وأدى إلى عدم الشعور بالرابطة الوطنية المشتركة التي تجمع أبناء الوطن الواحد ، فبرزت الروح الفردية بطبيعتها الأنانية العدوانية متسببةً في كل ما نشاهد من القتل والدمار والمعاناة البشرية ، وها نحن نحصد ما جلبه لنا البغدادي مثلاً من التطرف والعنصرية ، وغيره من المتطرفين الذين اتخذوا الدين مطية لمصالحهم وأفكارهم الشريرة ، فنجد العرب يعبدون رباً واحدا ويقرأون القرآن إلا أنهم يقتلون بعضهم البعض فالقاتل مسلم موحد بالله يردد ” ألله أكبر” والمقتول مسلم موحد بالله يرددا الشهادتين! فتسيل دماؤهم لتملأ شوارع المدن العربية ! هذا ما جلبه لنا ذلك الربيع الدموي الذي أعادنا وأعاد بحركة التاريخ إلى الوراء حقبة من الزمن !

ألم يحن الوقت لأن ندرك بأن التعصب وإقصاء الآخر هو البيئة المنتجة للكراهية والموت ؟ لماذا نرى المسلمين في أوروبا وأمريكا يعيشون بسلام  ومحبة دون إثارة أي نعرات طائفية أو دينية ؟ بالطبع لأنهم وجدوا دولاً تنعم بالديمقراطية والسلام ، تحترم القانون والإنسان وحقوقه مؤمنةً بالمساواة والعدل ملتزمةً بالحماية الاجتماعية لجميع مواطنيها . إن الآثار السلبية التي ستخلفها الطائفية لنا ستتسبب في المزيد من العقبات أمام أي تغيير جذري مستقبلي مما سيؤخرنا عن التقدم الحضاري ويطيل وجود الصراعات . علينا ان ننتبه بأن الأمر متعلق بنا وبثقافتنا وتربيتنا وقوانين بلادنا ، فبيئة التطرف ورفض الآخر لن تنتج لنا سوى مزيدا من التعصب والكراهية وتتسبب بحصاد المزيد من الأرواح التي لم تختار يوماً خوض نزاعات طائفية اجتماعية أو سياسية .

لا أدرك حتى الآن كيف نقتنع بأن الله عز وجل الرحمن الرحيم ، سيدخل أحدهم الجنة لأنه قتل إنساناً آخر ! فهل يعتبر سفك الدماء أحد شروط دخول الجنة  ؟!  ما أشد جهل الإنسان الذي يؤمن بالأفكار العنصرية ويتبناها في تقييمه للآخرين ونظرته إليهم .

 من العار أن يفتخر الإنسان بسفك الدماء حتى يدخل الجنة ! إن ما يستحق ان نفتخر به حقا هو رصيدنا الإنساني من الحكمة وضبط النفس .

- صحيفة رأي اليوم 

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2016

لوحة ..

لوحة جميلة أبدعها الفنان الإيطالي - Nello Iovine - نيلو أيوفين .. في هذه اللوحة أوجد نيلو لوفين تداخلات فنية رائعة في الانسجام بين تدرج الألوان والضوء والظلال، فجعلها تنساب بكل عفوية وصدق بعد إضفاء روحه الفنية إليها ، هو حقاً عمل مميز إذ يبدو أنه تعامل مع لوحته برفق ومحبة بالغة . نشاهد في اللوحة امرأة تقف في الكنيسة ، تغطي قسماَ من شعرها بوشاح أسود ، وتحيط كتفيها وجسدها بشال صوفي دافئ ، تمسك في يدها شمعة كبيرة ، الشمعة تعكس الضوء على وجهها ، نراها تشخص ببصرها نحو الأفق ، وتتأمل بصمت وعزلة ، وكأنها تقبع في أكثر كهوف النفس دُجْنَة ، لتعيد تشكيل ما احترق في نفسها وتبعثر .
وبكل تلك الوحدة والانفراد بالنفس ، ومن خلال تلك الألوان الدافئة وانعكاس الظل ، نشعر بحميمية المكان وخصوصيته ، وبتلك المسافة فيما بينها وبين العالم وصَخَبه ، تلك المسافة الضرورية التي لا بد منها لتحفظ عليها روحها ونقاءها . تنظر المرأة بكل عطف واستجداء ، نظرة حزينة لكنها صادقة نابعة من القلب ، وعند التعمق في قوة تلك النظرة وتلك الكثافة في عينيها وذلك التركيز ، نستشعر بها وكأنها تُصغي الى صوت ما يتكلم مناديا إياها ، تشعر به من حولها تشاطره حزنها ، فتقف منطوية تحدث نفسها برجاء وأمل : إلهي .. أنت وحدك من يدري كيف أنسج أحلامي فتلطف بي ، كن معي في كل ظرف حزين ، ترفق بي بدفء عطفك وعنايتك التي لا حدود لها ....
الفنان الايطالي Nello Iovine نيلو لوفين ينتمي الى المدرسة الكلاسيكية ، وعادة ما تكون لوحاته مبهرة نابضة بالحياة ، تلامس المشاعر وتؤثر بالروح ، وخلال مسيرته الفنية الناجحة ، حصل على العديد من الجوائز والتكريم ، في إيطاليا وخارجها .



انه عصر الشباب.. ولكل زمن دولة ورجال / صباح بشير


يتميز كل جيل عن الجيل الذي سبقه برؤيته إلى الحياة ونظرته إلى العالم التي يتفاعل ويتواصل مع الآخرين من خلالها  ، وبذلك تتحدد هويته وتُرسَم صورته .

  في ظل كل ما نعيشه من انفتاح اجتماعي وثقافي واسع  يبرز اختلاف واضح فيما بين الجيل الشاب المنفتح على العالم والثقافات الأخرى وجيل الكبار المتمسك والملتزم بعاداته وتقاليده ، مما يؤزِّم العلاقة فيما بين الجيلين فنسمع الأبناء يتهمون آبائهم بالتخلف والتشدد أو عدم التجاوب معهم ومع أفكارهم ، والآباء يتهمون أبنائهم بالاستهتار وعدم تحمل المسؤولية أو عدم احترام الضوابط المجتمعية السائدة !

 تتطور المشكلة أكثر بتطور طرق ووسائل الإتصال والتواصل الحديث ، فقد أصبح الجيل الشاب منفتحا على العالم وعلى الثقافات الأخرى فيصل اليها ويتصل بها بسهولة ليعبر عن نفسه وقناعاته وآراؤه واهتماماته ، فما كان بالأمس ممنوعا على الأبناء أصبح اليوم متاحا ومتوفرا للتعبير والتنفيس عنه ،ومن خلال تطور وتوفر هذه الوسائل وتعددها أصبحت ظاهرة التعبير عن النفس موجودة متعددة وممكنة . فالجيل الشاب لن يتردد بالتعبير عن رأيه في حضرة الأهل وغيرهم في حال كان هناك موضوعا يمسه ويجب أن يُناقش ، بينما كان الجيل السابق يخجل من التعبير عن رأيه أمام الأهل وذلك لتفادي ما سوف يُتهم به لاحقا من الوقاحة وقلة الأدب وعدم احترام الكبير فيما لو حصل وتجرأ وناقش أو عبر عن رأيه بصراحة حول موضوع هام يمسه !

هذه مشكلة ليست بالحديثة ولها العديد من الجذور في الواقع العربي ، إذ تتسع الفجوة الفكرية وينعدم التفاهم أحيانا فيما بين الكبار وفئة الشباب الذي يشعر بعدم تفهم الأهل له ولمشاكله وعدم تقبلهم لأفكاره الجديدة التي تخالف ما تربى وتعود عليه الآباء الذين يفرضون سلطتهم ورأيهم قسرا ، فيشعر الأبناء بأنهم يعيشون في عالم آخر ، وتزداد الفجوة اتساعاً بعدم تقبل الأهل لتصرفات أولادهم وعدم تجاوبهم وتفهمهم للمشكلة .

 وطبقاً للقيم والأعراف السائدة في كل مجتمع ومن بيئة لأخرى فقد تختلف هذه المشكلة وتتفاوت ، لكن تبقى الظاهرة واحدة والصراع فيما بين الأجيال واحد ، وإن تفاوت من منطقة لأخرى ومن بيت لآخر ، فالفرق كبير ويأخذ أشكالاً فكرية وسلوكية متعددة ، مما يشَكّل خلافا في العلاقة القائمة فيما بين الجيلين ليحدث فجوة كبيرة وشرخ واضح يفصل بينهم . ويتمثل الجدال الواقع عادة بالأفكار الجديدة التي يحملها الجيل الشاب ويعبر عنها بتصرفه وسلوكه فينظر إليها الكبار على أنها دخيلة عليهم ، فَتَجاوُز الموروث بالنسبة إليهم خطير وغير مقبول فهو يؤدي إلى الانسلاخ من ثقافتهم مما يجعلهم يشعرون بالخوف على أبنائهم من الاستقلالية وتحطيم الأطر التقليدية !

الدعوة إلى الحداثة .. إحدى الأفكار التي يُتهم بها الشباب للتمرد والخروج عن المألوف فينظر إليها الكبار على أنها منسلخة عن الماضي متخلية عن كل ما هو قديم ، هشة وتحمل نزعة من الفساد ، مما يثير قلقهم وحيرتهم ويشعرهم بأن هذا الجيل رافض تماما لكل ما يمت بصلة إلى العقل والمنطق من خلال منظورهم التقليدي !

نحن ندرك بأن هناك فروقا كبيرة ، ثقافية وتكنولوجية بين الأجيال فمن الطبيعي أن يشعر كل جيل بصعوبة التكيف من منظوره إلى الآخر على ذات سلم المعايير الخاصة به ، ومع ازدياد التطور والتغيير الحاصل والأزمات الاقتصادية وكل ما يطرأ على المجتمع إثر ذلك من مشاكل لتزيد في حدة المشكلة ، فردود الفعل والنظرة العامة للمشكلة وطريقة الحلول متباينة ومختلفة لكل من الجيلين وهنا لا بد من احترام خبرة الكبار وآرائهم والأخذ بعين الاعتبار حصيلة تجاربهم في الحياة ،كما وأن على جيل الكبار إعطاء الفرصة للجيل الشاب ، فالمشاكل الحديثة بحاجة لنظرة عصرية تتبنى حلولها ، لذا فمنحهم الثقة لأخذ القرارات ومحاولة استنتاج الإيجابيات المستقبلية والتحضير لها لتلافي أخطاء الماضي التراكمية الحاصلة بسبب شح الأفكار القديمة التي لم تعد تتناسب مع عصرنا الحديث ، هام جدا للوصول إلى التوازن والتفاعل العلاقاتي وذلك لتجنب النفور الحاصل ما بين الجيلين بما يحمي المجتمع وبنيانه وهويته ويقرب مساحة التفكير ، فمنح الفرص للشباب تمكنهم من إثبات أنفسهم وتحقق مستجدات تصوراتهم وأفكارهم التي تلائم التغيرات العصرية التي نعيشها بما يحقق طموحهم ويعطيهم الأمل بحياة ومستقبل أنجح وأفضل .

أيها الآباء .. لا تتعاملوا مع أبنائكم الشباب على أنهم أطفال فلا بد من أن يتخذوا قرارتهم دون الرجوع اليكم دائما فلا تُملوا عليهم قرارتكم السيادية ، استمعوا لهم ناقشوهم وحاوروهم ولا تحرموهم حقهم في تعلم الخبرات وتحمل مسؤولية القرارات ، من حق أبنائكم ممارسة حريتهم في حياتهم واختيار طريقهم الأنسب وفق ميولهم ورغباتهم وطموحاتهم . لا تجعلوا حبكم لإبنائكم وخوفكم عليهم عائقا حقيقيا في حياتهم .

وللشباب .. عليكم أن تعرفوا أن نصائح الكبار هامة جدا فهي مخلصة مليئة بالحب والخبرة فلا تعاندوا وقدروا خوفهم ومحبتهم ونصائحهم الصادقة فمقياس الإنضباط الأخلاقي في المجتمعات يتمثل في احترام الأهل وكبار السن والمعلمين ، فليس هناك أسوأ من التطاول على كبار السن وعدم احترامهم أو مراعاة مشاعرهم .

أخيرا أقول إن الاختلاف فيما بين الأجيال هام وطبيعي لبناء المجتمعات وإحداث التغيير فيها، لذا علينا أن نحترم المبادرات الشابة ونطلق لها العنان فهي التي تقودنا نحو التغيير البنّاء وعلينا أن لا ننسى بأن لكل زمن دولةٌ ورجال ….

-  صحيفة رأي اليوم 

صباح بشير: المرأة العربية بين الفرص والتقاليد

  ما زالت المرأة العربية تخوض كفاحاً مستمراً لنيل حقوقها الاجتماعية والإنسانية، ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات، فما الذي تمّخض عنه كفاح...