يولد الإنسان حراً محايداً، بعد ذلك ينتهج سلوكاً وتفكيراً يوافق تربيته ونشأته المحيطة مرتبطاً ارتباطاً وثيقا بالمنظومة الاجتماعية وقيمها وقوانينها من حوله ، وبطبيعته الإنسانية فهو دائما ما ينشد العدالة والحرية والأمن والسلام .
فى السنوات الأخيرة برزت الطائفية كَسِمة للعديد من المجتمعات العربية لتصبح العلاقات بين الطوائف المختلفة محل اهتمام الجميع ، وهنا سنتحدث عن الطائفية بشكل خاص التي ما أنتجت لنا سوى الكراهية وعدم تقبل الآخر ورفض ثقافة التعددية في مجتمعاتنا التي فشلت كثيراً من الدول في دعمها وترسيخها مما دفع بخطاب الكراهية ليحتل الصدارة فيغدو ثقافة عربية بامتياز ! هذا الخطاب الناتج عن العديد من التراكمات الزمنية استفادت منه بعض القوى الدينية والاجتماعية والسياسية وذلك لاستثمار هذه الثقافة وتوظيفها وفق أجنداتهم الخاصة ، علماً بأن الجميع يتفق على أن الكراهية ما هي إلا أحد مؤشرات التعصب المؤدي إلى العنف ، ومع ذلك نستمع يوميا إلى الخطابات التي تحرض عليها وعلى إقصاء الآخر وقمع حريته تحت مبررات مجتمعية أو دينية تستمد شرعيتها من بعض النصوص الدينية التي أُسيء فهمها وتفسيرها ! ولا أعرف لماذا لا نكون أكثر ذكاءً وفطنة وإدراكاً للحقائق ، ولماذا لا نتعلم مما نعيشه يوميا ! ألا نشاهد ما جلبت الطائفية والعنصرية والتطرف في البلاد العربية ؟ لبنان سابقا واليوم نجد العراق وسوريا وليبيا واليمن ، نعيش الحروب والفوضى باسم الربيع العربي تارة ، وبإسم تحرير البلاد من الطغاة تارة أخرى أو باسم القضاء على الإرهاب وغيره مما يؤدي إلى زيادة التفتت والصراع .
نرى كل ذلك وكأنه صُمِّمَ ليُشغل العرب بعضهم ببعض ، وبالتالي تحطمت كل الآمال المَرجوة من ذلك الربيع المزعوم ! كما تردت الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية وانتشرت البطالة وكثرت المآسي الدموية وتشرد العرب في جميع بقاع الأرض !
نحن نتقبل ونعلم بأن الطوائف جزءاً من البنية الاجتماعية لمجتمعاتنا ، لكن ما يؤلم حقا هو ثقافة التعصب وعدم تقبل الآخر الذي يسيطر عليها ، مما سبب لنا كل ما نعيشه من نزاع وألم وانقسامات وتشتت ، ومن المعروف أيضا أن ما نمر به اليوم من الطائفية التي فشلنا من احتوائها زاد في انغلاق أبناء الطوائف على أنفسهم مما شكل حواجز نفسية وزرع سوء الفهم وأدى إلى عدم الشعور بالرابطة الوطنية المشتركة التي تجمع أبناء الوطن الواحد ، فبرزت الروح الفردية بطبيعتها الأنانية العدوانية متسببةً في كل ما نشاهد من القتل والدمار والمعاناة البشرية ، وها نحن نحصد ما جلبه لنا البغدادي مثلاً من التطرف والعنصرية ، وغيره من المتطرفين الذين اتخذوا الدين مطية لمصالحهم وأفكارهم الشريرة ، فنجد العرب يعبدون رباً واحدا ويقرأون القرآن إلا أنهم يقتلون بعضهم البعض فالقاتل مسلم موحد بالله يردد ” ألله أكبر” والمقتول مسلم موحد بالله يرددا الشهادتين! فتسيل دماؤهم لتملأ شوارع المدن العربية ! هذا ما جلبه لنا ذلك الربيع الدموي الذي أعادنا وأعاد بحركة التاريخ إلى الوراء حقبة من الزمن !
ألم يحن الوقت لأن ندرك بأن التعصب وإقصاء الآخر هو البيئة المنتجة للكراهية والموت ؟ لماذا نرى المسلمين في أوروبا وأمريكا يعيشون بسلام ومحبة دون إثارة أي نعرات طائفية أو دينية ؟ بالطبع لأنهم وجدوا دولاً تنعم بالديمقراطية والسلام ، تحترم القانون والإنسان وحقوقه مؤمنةً بالمساواة والعدل ملتزمةً بالحماية الاجتماعية لجميع مواطنيها . إن الآثار السلبية التي ستخلفها الطائفية لنا ستتسبب في المزيد من العقبات أمام أي تغيير جذري مستقبلي مما سيؤخرنا عن التقدم الحضاري ويطيل وجود الصراعات . علينا ان ننتبه بأن الأمر متعلق بنا وبثقافتنا وتربيتنا وقوانين بلادنا ، فبيئة التطرف ورفض الآخر لن تنتج لنا سوى مزيدا من التعصب والكراهية وتتسبب بحصاد المزيد من الأرواح التي لم تختار يوماً خوض نزاعات طائفية اجتماعية أو سياسية .
لا أدرك حتى الآن كيف نقتنع بأن الله عز وجل الرحمن الرحيم ، سيدخل أحدهم الجنة لأنه قتل إنساناً آخر ! فهل يعتبر سفك الدماء أحد شروط دخول الجنة ؟! ما أشد جهل الإنسان الذي يؤمن بالأفكار العنصرية ويتبناها في تقييمه للآخرين ونظرته إليهم .
من العار أن يفتخر الإنسان بسفك الدماء حتى يدخل الجنة ! إن ما يستحق ان نفتخر به حقا هو رصيدنا الإنساني من الحكمة وضبط النفس .
- صحيفة رأي اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق