إن بناء الحضارة في المجتمعات تستند على بعض الأسس الأخلاقية الهامة وذلك لتصل إلى غاياتها الإنسانية الكاملة ، ويعتمد ذلك على وعينا كأفراد ومجتمعات وإدراكنا للكثير من المناحي الحياتية المختلفة واحترامنا لمنظومة القيم والمعارف الإنسانية . والحرية هي أحدى القيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة التي علينا جميعا أن نؤمن بها ونسعى دائما لها ، وهي تحمل المعاني السامية التي تعود على الإنسان بالراحة النفسية والإحساس بالسعادة وتسمح له باختيار طريقه وأعماله وسلوكياته فتحقق له مصالحه ومآربه وإنجازاته في الحياة .
يولد الإنسان حراً ويجب أن يعيش حراً في ممارسة حقه الطبيعي في التعبير عن رأيه واختياراته الشخصية مع الاعتبار لعدم المساس بحرية الاخرين ، إلا أننا وللأسف عادة ما نصطدم بعدم احترام الحرية الشخصية للفرد في مجتمعاتنا العربية ، ولا بد أننا عانينا جميعا من ذلك بشكل أو بآخر بسبب مفاهيمنا السلوكية التي تفتقد للمنطق والتفكير الواعي .
إن احترام الخصوصية الشخصية للفرد هو من أهم الحقوق الإنسانية التي تحفظ كرامة الإنسان التي لا تستقيم الحياة بدونها ، لذا فعلينا جميعا تقدير ذلك باعتباره من أهم الحقوق وأقدسها . لكن ومع الأسف ، مفاهيمنا الاجتماعية بمجملها تحمل طابعاً من العنف والتطرف ، كما أننا غالباً ما ننتهج أساليب التفاهم بالقوة وفرض الرأي وعدم الإلتزام بالحوار البناء وتبني بعض الألفاظ القاسية البغيضة في حواراتنا ونقاشاتنا فتسيء لمشاعر الآخر وكرامته ! ونسمح دائما لأنفسنا بالتطفل على الآخرين وعلى خصوصياتهم التي لا تعنينا .
إن انتشار هذه السلوكيات عبر ثقافتنا وتربيتنا ما هو إلا مؤشر واضح على انحدار المستوى الأخلاقي ، فلطالما تضايقنا من المتطفلين وانزعجنا منهم وتكدرنا بسببهم ، فنحن جميعا نحاول دائما كتم اسرارنا الخاصة والمحافظة على خصوصياتنا وحمايتها من تدخلات الآخرين ودوافعهم التي قد لا تعنينا بشيء لكنها تجعلهم يقتحمون حياتنا للاطلاع عليها واكتشاف القسم المستور منها ، دون أي إدراك بأنهم بذلك اعتدوا بشكل صارخ على الاخر وحريته وهدروا كرامته وجرحوا مشاعره وهددوا بذلك جزءاً من أمنه وأمانه الخاص .
إن شر الناس من تطفل عليهم وعلى حياتهم وتدخل بها حتى لو كان ذلك بحجة حسن النية أو إسداء النصيحة ، فالنصيحة لا تعطى إلا لمن يتقبلها ويرغب بها ماذا وإلا علينا أن نصمت وأن لا نسمح لأنفسنا بالتدخل والتطفل على الاخرين .
لنعود أنفسنا بأن احترام خصوصيات الآخرين من أهم المبادئ الأخلاقية التي يجب علينا جميعا الإلتزام بها ، فلا حرية حقيقية ولا كرامة للإنسان في ظل تدخل الآخرين بشؤونه الخاصة أو قراراته الشخصية ، فلماذا نعتدي على الآخرين بطريقة تفكيرنا وسلوكياتنا التي لا تعترف بالفرد ككائن حر مستقل بذاته ، إلى متى سيظل الفرد لدينا يعيش حالة من التهميش لصالح الأعراف والعادات السلبية التي تخص القطيع ؟ ما الذي يمنعنا من الخروج من العقلية القبائلية ؟ الكل يتدخل في أبسط تفاصيلك ! لباسك ، مظهرك الشخصي ، طريقة تفكيرك ، معتقداتك وأفكارك واهتماماتك وخياراتك في الحياة ، ذوقك الشخصي وعلاقتك بربك ! حتى أنهم يحاسبونك على نواياك التي لم يحصل وأفصحت عنها بعد !
إن حياة الانسان وأسراره وقضاياه الشخصية ما هي إلا ملك شخصي له وحده ، وهي حصنه الداخلي الذي لا يجوز التدخل به او الاطلاع عليه ، إنه ستره الخاص الذي لا يجوز انتهاكه لأي سبب كان . إن مهاجمة الفرد بهذه الطريقة اللإنسانية لشخصه وفكره أو معتقده وعدم احترام حقه باختيار ما يناسبه بكل حرية يتسبب بتدميره معنوياً وفكرياً وأخلاقيا ، كما ينتزع منه البعد الإنساني ويقمع شخصيته ويعزله عن مجتمعه ويؤثر على انتماؤه ويعطيه شعوراً بالاغتراب عن محيطه مما يؤثر على عطاؤه كعضو فعال في المجتمع .
وهنا لا أدعوا للإنغلاق أو العزلة لكنها دعوة لتصحيح مسارنا وانتهاج المنطق والتفكير السليم والسلوكيات الإنسانية التي تحفظ خصوصياتنا من الإنتهاك وحقوقنا وحرياتنا في التفكير والمعتقد والتوجهات والاختيارات الشخصية من الانتهاك .
لنستشعر دائما المبادئ الإنسانية الراقية ونتماشى مع التطور لكي نتقدم مع المسيرة البشرية والتحضر السليم .
- صحيفة رأي اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق