يتميز كل جيل عن الجيل الذي سبقه برؤيته إلى الحياة ونظرته إلى العالم التي يتفاعل ويتواصل مع الآخرين من خلالها ، وبذلك تتحدد هويته وتُرسَم صورته .
في ظل كل ما نعيشه من انفتاح اجتماعي وثقافي واسع يبرز اختلاف واضح فيما بين الجيل الشاب المنفتح على العالم والثقافات الأخرى وجيل الكبار المتمسك والملتزم بعاداته وتقاليده ، مما يؤزِّم العلاقة فيما بين الجيلين فنسمع الأبناء يتهمون آبائهم بالتخلف والتشدد أو عدم التجاوب معهم ومع أفكارهم ، والآباء يتهمون أبنائهم بالاستهتار وعدم تحمل المسؤولية أو عدم احترام الضوابط المجتمعية السائدة !
تتطور المشكلة أكثر بتطور طرق ووسائل الإتصال والتواصل الحديث ، فقد أصبح الجيل الشاب منفتحا على العالم وعلى الثقافات الأخرى فيصل اليها ويتصل بها بسهولة ليعبر عن نفسه وقناعاته وآراؤه واهتماماته ، فما كان بالأمس ممنوعا على الأبناء أصبح اليوم متاحا ومتوفرا للتعبير والتنفيس عنه ،ومن خلال تطور وتوفر هذه الوسائل وتعددها أصبحت ظاهرة التعبير عن النفس موجودة متعددة وممكنة . فالجيل الشاب لن يتردد بالتعبير عن رأيه في حضرة الأهل وغيرهم في حال كان هناك موضوعا يمسه ويجب أن يُناقش ، بينما كان الجيل السابق يخجل من التعبير عن رأيه أمام الأهل وذلك لتفادي ما سوف يُتهم به لاحقا من الوقاحة وقلة الأدب وعدم احترام الكبير فيما لو حصل وتجرأ وناقش أو عبر عن رأيه بصراحة حول موضوع هام يمسه !
هذه مشكلة ليست بالحديثة ولها العديد من الجذور في الواقع العربي ، إذ تتسع الفجوة الفكرية وينعدم التفاهم أحيانا فيما بين الكبار وفئة الشباب الذي يشعر بعدم تفهم الأهل له ولمشاكله وعدم تقبلهم لأفكاره الجديدة التي تخالف ما تربى وتعود عليه الآباء الذين يفرضون سلطتهم ورأيهم قسرا ، فيشعر الأبناء بأنهم يعيشون في عالم آخر ، وتزداد الفجوة اتساعاً بعدم تقبل الأهل لتصرفات أولادهم وعدم تجاوبهم وتفهمهم للمشكلة .
وطبقاً للقيم والأعراف السائدة في كل مجتمع ومن بيئة لأخرى فقد تختلف هذه المشكلة وتتفاوت ، لكن تبقى الظاهرة واحدة والصراع فيما بين الأجيال واحد ، وإن تفاوت من منطقة لأخرى ومن بيت لآخر ، فالفرق كبير ويأخذ أشكالاً فكرية وسلوكية متعددة ، مما يشَكّل خلافا في العلاقة القائمة فيما بين الجيلين ليحدث فجوة كبيرة وشرخ واضح يفصل بينهم . ويتمثل الجدال الواقع عادة بالأفكار الجديدة التي يحملها الجيل الشاب ويعبر عنها بتصرفه وسلوكه فينظر إليها الكبار على أنها دخيلة عليهم ، فَتَجاوُز الموروث بالنسبة إليهم خطير وغير مقبول فهو يؤدي إلى الانسلاخ من ثقافتهم مما يجعلهم يشعرون بالخوف على أبنائهم من الاستقلالية وتحطيم الأطر التقليدية !
الدعوة إلى الحداثة .. إحدى الأفكار التي يُتهم بها الشباب للتمرد والخروج عن المألوف فينظر إليها الكبار على أنها منسلخة عن الماضي متخلية عن كل ما هو قديم ، هشة وتحمل نزعة من الفساد ، مما يثير قلقهم وحيرتهم ويشعرهم بأن هذا الجيل رافض تماما لكل ما يمت بصلة إلى العقل والمنطق من خلال منظورهم التقليدي !
نحن ندرك بأن هناك فروقا كبيرة ، ثقافية وتكنولوجية بين الأجيال فمن الطبيعي أن يشعر كل جيل بصعوبة التكيف من منظوره إلى الآخر على ذات سلم المعايير الخاصة به ، ومع ازدياد التطور والتغيير الحاصل والأزمات الاقتصادية وكل ما يطرأ على المجتمع إثر ذلك من مشاكل لتزيد في حدة المشكلة ، فردود الفعل والنظرة العامة للمشكلة وطريقة الحلول متباينة ومختلفة لكل من الجيلين وهنا لا بد من احترام خبرة الكبار وآرائهم والأخذ بعين الاعتبار حصيلة تجاربهم في الحياة ،كما وأن على جيل الكبار إعطاء الفرصة للجيل الشاب ، فالمشاكل الحديثة بحاجة لنظرة عصرية تتبنى حلولها ، لذا فمنحهم الثقة لأخذ القرارات ومحاولة استنتاج الإيجابيات المستقبلية والتحضير لها لتلافي أخطاء الماضي التراكمية الحاصلة بسبب شح الأفكار القديمة التي لم تعد تتناسب مع عصرنا الحديث ، هام جدا للوصول إلى التوازن والتفاعل العلاقاتي وذلك لتجنب النفور الحاصل ما بين الجيلين بما يحمي المجتمع وبنيانه وهويته ويقرب مساحة التفكير ، فمنح الفرص للشباب تمكنهم من إثبات أنفسهم وتحقق مستجدات تصوراتهم وأفكارهم التي تلائم التغيرات العصرية التي نعيشها بما يحقق طموحهم ويعطيهم الأمل بحياة ومستقبل أنجح وأفضل .
أيها الآباء .. لا تتعاملوا مع أبنائكم الشباب على أنهم أطفال فلا بد من أن يتخذوا قرارتهم دون الرجوع اليكم دائما فلا تُملوا عليهم قرارتكم السيادية ، استمعوا لهم ناقشوهم وحاوروهم ولا تحرموهم حقهم في تعلم الخبرات وتحمل مسؤولية القرارات ، من حق أبنائكم ممارسة حريتهم في حياتهم واختيار طريقهم الأنسب وفق ميولهم ورغباتهم وطموحاتهم . لا تجعلوا حبكم لإبنائكم وخوفكم عليهم عائقا حقيقيا في حياتهم .
وللشباب .. عليكم أن تعرفوا أن نصائح الكبار هامة جدا فهي مخلصة مليئة بالحب والخبرة فلا تعاندوا وقدروا خوفهم ومحبتهم ونصائحهم الصادقة فمقياس الإنضباط الأخلاقي في المجتمعات يتمثل في احترام الأهل وكبار السن والمعلمين ، فليس هناك أسوأ من التطاول على كبار السن وعدم احترامهم أو مراعاة مشاعرهم .
أخيرا أقول إن الاختلاف فيما بين الأجيال هام وطبيعي لبناء المجتمعات وإحداث التغيير فيها، لذا علينا أن نحترم المبادرات الشابة ونطلق لها العنان فهي التي تقودنا نحو التغيير البنّاء وعلينا أن لا ننسى بأن لكل زمن دولةٌ ورجال ….
- صحيفة رأي اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق