في عام 1996 وبتاريخ 16 من تشرين الثاني – نوفمبر ، قدمت الجمعية العامة للأمم المتحدة للدول الأعضاء دعوة للإحتفال باليوم الدولي للتسامح ، وذلك للقيام بالأنشطة المناسبة الموجهة للمؤسسات التعليمية بشكل خاص ولعامة الجماهير بشكل عام ، ونصت الوثيقة الخاصة بمؤتمر القمة العالمي بالتزام الدول الأعضاء والحكومات بالعمل على النهوض بحرية الإنسان وتقدمه في كل مكان وتشجيع لغة الحوار واحترام الآخر وثقافتة والتسامح والتعاون فيما بين مختلف الحضارات والشعوب .
مع الأسف الشديد لم نشهد حتى اليوم في عالمنا العربي على وجه التحديد سوى تنامي لظاهرة التطرف وكراهية الأخر وعدم تقبله ، وبرزت العنصرية والكراهية ! احترام حقوق الإنسان والتسامح وقيم التعايش لم تعد قيد الحسبان ! يعلو صوت خطاب الكراهية ونسمعه في كل مكان خاصة في الكثير من الوسائل الإعلامية التي تدعو وتحرض على الطائفية الدينية والأثنية ، فانتشرت الحروب بين أبناء الوطن الواحد والانقسامات وتشتت شعوبنا في شتى أصقاع الأرض ! ولم نعد نميز بين القاتل والمقتول وبين المجرم والبريء الكل ضحية الكل ! فأين وصلت قيم التسامح في العراق مثلا أو سوريا أو اليمن أو ليبيا وحتى فلسطين حيث الانقسام الذي لم يجد طريقه الحقيقي إلى النور بعد !
هذا حال التسامح اليوم على مستوى الدول أما على المستوى الاجتماعي فحدث ولا حرج ! فلقد أصبحت قيمنا العليا كالتسامح ونصرة المظلوم والكرامة والعدل وغيرها من القيم ما هي إلا شعارات واهية وظاهرة صوتية لا أكثر نتغنى بها في المحافل الرسمية وأمام كاميرات وسائل الاعلام المختلفة ! بينما واقعنا المرير يعكس الصورة الحقيقية لما أصبحت قيم التسامح والإنسانية من أرخص القيم لدينا ! وهذا هو حالنا اليوم ويشهد على ذلك كل تلك الصراعات والنزاعات على قضايانا الهامشية وتصاعد النزعة الانتقامية بين افراد الوطن الواحد وما هذا إلا دليل واضح وصريح بانهيار منظومة القيم الإنسانية في مجتمعاتنا ، فتُزهق أرواح الأبرياء دون أدنى إحساس أو أي شعور بالمسؤولية !
بعد كل ما نعايش من حروب ومعاناة وانقسامات ، لماذا لم ندرك بعد بأن علينا أخذ قرار إيجابي باتخاذ موقف حقيقي مؤثر في واقعنا ، ونعمل جميعا مؤسسات وأفراد ووسائل إعلام بهدف إعادة غرس قيم التسامح واحترام الآخر وذلك لنتمتع جميعنا بحقوقنا وحرياتنا . وحتى تصبح مجتمعاتنا قادرة على احترام وقبول الآخرين وتقبل التنوع الثري وتقبل الثقافات المختلفة ، علينا بتربية وزرع روح المحبة والتسامح الإنساني في أطفالنا من خلال مناهجنا الدراسية المطلوب مراجعتها باستمرار والتدقيق فيها ، ومن خلال نشاطاتهم التربوية ، فبالمعرفة والعلم والإتصال تُبني حرية الفكر لدى الشعوب ، فنحصد الخير والمحبة في مجتمعاتنا التي تفتقد الوئام والسلام لرفضها فكرة التعددية وتبنيها للتعصب الفكري والديني والقومي .
أيضا علينا أن نربي أبنائنا بأن التسامح يعني حرية الفرد الكاملة في فكره وعقيدته وعلينا بتقبل الآخر كما هو لا كما نريد له أن يكون ، علينا بتعليمهم بأن الاختلاف طبيعي بين البشر بطبائعهم وسلوكاتهم ومظاهرهم الخارجية ومعتقداتهم ولغاتهم وأفكارهم ، والإقرار بكل هذا ما هو الا تقبل للحياة والبشر والطبيعة ، فلا نربيهم على العنصرية والتمييز ونغرس فيهم الكراهية وعدم تقبل الاخرين ، مما يقودهم الى اعتماد العنف كوسيلة وحيدة لفرض ذاتهم وكينونتهم !
أبنائنا هم أبناء المستقبل ونريد لهم أن يعيشوا بسلام وأمان ، دون عنف أو تمييز لأي سبب كان ، نطمح لهم بحياة موفقة ناجحة وآمنة فإن فشلنا نحن بتحقيق ذلك لأنفسنا دعونا نحاول لأجل أولادنا فما ذنبهم ؟ يستحق أبنائنا ان يعيشوا بسلام ويتمتعوا بحقوقهم الإنسانية الكاملة فبدون التسامح لن يكون هناك أي مستقبل لنا أو لهم ، دعونا نمنح الفرصة لأنفسنا ولهم ، ولنبدأ بداية مثمرة وجديدة ، فأكثر الشعوب تحضراً هي تلك الشعوب التي تنتقد نفسها بنفسها لتتحول دائما نحو الأفضل بما ينفعها ويساهم في تقدمها الحضاري .
وسعياً لتحقيقي حياة أفضل لأنفسنا ولأبنائنا ومجتمعاتنا لنعلم جميعا بأن قبولنا بالآخرين واحترام وجودهم وثقافاتهم سيؤدي بنا إلى السلام والأمان الذي ترسخه معاني التسامح والاحترام المتبادل فيما بيننا ، وفيما بين الشعوب الأخرى حتى نصل جميعا لتحقيق النهضة والرفاهية والراحة .
أخي الإنسان : إن المواقف واللحظات الإنسانية كثيرة ومتنوعة في حياتنا ، سواء كانت في أوقات الحرب أو السلم والراحة ، لذا تصرف بمسؤولية وكن محباً للآخرين متسامحاً فليست البطولة في حمل السلاح وقتل الآخر.
إن ما يبقى خالداً بذكراه هو مواقفك الإنسانية المؤثرة التي تلعبها اليوم فمهما كانت بسيطة لربما يكون دورك الإنساني الذي تساهم به اليوم قد يتسبب غداً في تغيير العالم ليصبح العالم أفضل بكثير مما هو عليه الآن.
- صحيفة رأي اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق