حققت المرأة العربية العديد من الإنجازات الهامة التي غيرت من النظرة التقليدية لصورتها ، فكان لها بصمة وعلامة فارقة تجسدت عبر الكثير من مساهماتها البناءة في المجالات الإنسانية والثقافية ، السياسية والإقتصادية والعلمية .
نعيش اليوم الحروب والانقسامات والأوضاع الاقتصادية والإجتماعية الصعبة ، فأصبح المبدع العربي بشكل عام يحتاج لإرادة وعزم وقوة كبيرة ليتمكن من الصمود والاستمرار ليجسد أحلامه إلى واقع ، ولا يخفى على أحد حجم تلك العقبات التي تجتاح طريق الإبداع فتمنعه من الوصول ، إلا أن نساؤنا المبدعات كان لهن الحظ الأوفر من تلك العوائق ، فكل مبدعة امتلكت شيئاً من طموح يحيط بها ويلح عليها محاولةً فتح آفاقها الإنسانية أو العلمية للمساهمة في إضاءة قسماً ما من فضاءاتنا ، لا بد وأنها اصطدمت بالكثير من الأمور التي ضَيَّقَت عليها مساحتها لتعيق انطلاقها نحو طريق الإبداع ، ولا بد أنها شعرت بأن الطريق متعب ، شائك وطويل، وواجهت الكثير من التحديات والصعاب التي تؤثر على سيرها وتقدمها ، لذلك نلاحظ قلة النساء المبدعات نسبيا مقابل الرجال في الكثير من الحقول الإبداعية لدينا ، وفي ظل ثقافة تفرضها آيديلوجيات اجتماعية مع بعضٍ مما جاء في النصوص الدينية التي ترفض الكثير من الأعمال الإبداعية ، مما يفرض على المرأة المبدعة الالتزام بأدوار اجتماعية تقليدية تؤدي بها إلى التضحية بالكثير مما تنفرد به من خصائص وميزات إبداعية قد لا تتناسب ورؤية مجتمعات غير مرنة على الإطلاق ليؤثر ذلك سلباً على تطورها ونموها الإبداعي .
بشكل واضح وضعت الكثير من النصوص الدينية الخاصة بالمرأة حدوداً لأدائها ودورها في المجتمع الذي تسلح هو بدوره بتلك النصوص لحماية عاداته وتقاليده . قد تكون هذه النصوص وتفسيراتها تهدف إلى ضبط المجتمع أو إصلاحه من خلال معايير أخلاقية معينة خاصة بمجتمعاتنا لتوضح دور المرأة وترسمه ، إلا أننا نجد بأن العديد من التفسيرات الخاطئة للكثير من النصوص قد أسيء فهمها وتطبيقها ، لتجعل المرأة تبدو وكأنها غير كاملة الأهلية فيقوم الرجل بتحديد وتقويم مهامها وأدوارها وواجباتها في الحياة ، فتظهر وكأنها تعيش تحت الوصايه إلى الأبد ، وحتى اليوم لا زلنا نجد بعض الرجال لا يؤمن بتلك الطاقة الكامنة في المرأة ولا يشجعها ولا يهتم بها كزوجة أو أخت أو إبنة مبدعة ، ولا يرى فيها سوى دورها النمطي كأم ومربية وربة منزل ، وفيما لو كانت المرأة قوية الشخصية نتيجة ظروفها او تجاربها في الحياة أو دراستها أو عملها ، فإننا نلاحظ بأن الكثير من الرجال يتجنب الاقتران بها بالرغم من ميزاتها تلك التي تدعو للفخر والثقة وتؤهلها لبناء زواج وأسرة سعيدة ناجحة ، وقد شهدنا الكثير من النساء الفاعلات في الحياة الأسرية ممن يتحملن المسؤولية في كثير من الحالات اثناء غياب الزوج بداعي المرض أو السفر أو غيره من الظروف القاسية ، فتتخذ هي القرارات وتقوم بإدارة بيتها وأسرتها بكل فاعلية ونجاح . أيضا هناك الكثير من الرجال الذين يولون اهتماما لشكل المرأة وصورتها فقط دون النظر لإنتاجها الفكري أو الإبداعي بالرغم من إثباتها لنفسها وتحقيقها للعديد من الإنجازات والمكتسبات إلا أن نظرتهم هي ذاتها مع الأسف لم تتغير كثيرا ! فلا زالت الكثير من النساء تعاني الأمَرّين لإثبات أنفسهن في مجتمعات مجحفة بحقهن ! وتتباين حدة هذه النظرة في مجتمعاتنا العربية من منطقة جغرافية لأخرى ، إلا أنها تحمل ذات المضمون بشكل أو بآخر، فمنهم من يرفضها ويراها مُسترجلة فهي عادة ما تكون مستقلة وجريئة وهذا ما ينافي طبيعة التفكير السائد الرافض لتجاوز النمط الأنثوي التقليدي ، ونحن دائما ما ننتظر من المرأة تنفيذ دورها الأنثوي بحسب رؤية مجتمعنا وتقاليده وموروثاته ، فإن شذت عن ذلك محاولةً خلق عالما مغايراً لها لتتبوأ موقعا من الإبداع فغالباً ما تُنبَذ اجتماعيا ! مما يتسبب في التضييق عليها والتشويش على تركيزها وعطائها ويؤثر بذلك على أدائها وإنتاجها ويحول دون نجاحها ! بينما نجد بأن نظرة مجتمعاتنا اكثر تسامحاً مع الرجل المبدع وأكثر تلائما مع نموه الإبداعي والفكري ، فهو يمتلك من المزايا الاجتماعية ما لا تمتلكه المرأة من الاستقلالية ومساحة الحرية والثقة اللازمة لتشجيعه ودعمه ليتطور ويحقق ما يصبو إليه من النجاح والإبداع .
ضمن هذه الأجواء السائدة وما لها من انعكاسات وثأثيرات سلبية عميقة على المرأه وإبداعاتها ومجريات حياتها ، بالتالي بقرار لا واعي منها ستفقد المبدعة جزءاً من ثقتها بنفسها وإمكانياتها أو الشعور بقيمتها مما يعرضها لليأس والإحباط!
من هنا وكما نرى فأن المرأة المبدعة لا تزال تعيش أوضاعاً ضاغطة ولا تزال تحاول الخروج من قوقعتها الشائكة بحثاً عن مكانٍ ما لا تشعر فيه بالاغتراب عن عالمها المبدع ، فتعيش حريتها وترتقي بأدائها وتنطلق لتكون معطاءة فاعلة ومؤثرة ذات بصمة ، بعيدا عن كل ما يتسبب بتقييد إنتاجها الإبداعي ، تارة بإسم الدين وتارة أخرى بإسم العادات والتقاليد وتارة بأسماء ومسميات أخرى!
- صحيفة رأي اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق