بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 مارس 2020

صباح بشير: قراءة في لوحة


لوحة عازف الناي (المسماة بالانجليزية : Bush Idyll) للفنان الأسترالي فريدريك ماكوبين .
McCubbin  1855-1917) (Frederick
تعتبر هذه اللوحة من أفضل اللوحات في تاريخ الفن الأسترالي، وهي من أهم ما أنتج الفنان ماكوبين، في عام (1998) بيعت اللوحة في مزاد علني مقابل (2312500) دولار .
ينتمي الفنان "فريدريك ماكوبين" إلى المدرسة الانطباعيّة التي نشأت في القرن التاسع عشر، وهي تسجل الانطباع البصري العام كما تستشعره العين دون الغوص بتفاصيله، كما تصور مواضيعها آنياً فينقل الفنان المشهد نقلًا واقعيًا كما التُقط في ذهنه مستسلما لتلك اللّحظةِ الخلاقة بتَأجُّجها وتوهّجها، فيصقلها حتى تتقطر اللوحة بألوانه لتغدو عجينةً طيّعةً له، فيعبر بها عن عواطفه وأفكاره وذائقته الفنية والجمالية.
 تستحق هذه اللوحة الإعجاب لكونها أيقونة في سجل الإبداع الفني، وذلك لقوتها التعبيرية، وتوازن كافة مكوناتها وعناصرها، فقد أظهر الفنان انعكاسه عليها بحرفية عالية، كما طرح مفهومه الشخصي ورؤيته للرسم من خلالها، فحين تقع العين على هذه اللوحة يتجسد جمال الطبيعة للرائي، فيستمتع برؤية هذا العمل الفني الأنيق لما ينضح من دلالات وتفاصيل. 
نرى في اللوحة عازف الناي وهو شاب يافع صغير، يفترش الأرض، يرمق النظر إلى فتاته بهدوء، منسجما متناغما متآلفاً مع نفسه، يحمل نايه بين يديه، نافثا أنفاسه مغردًا مناجياً مزهوا بلحنه، منطلقا باتِّقَادٍ من الوجد والهيام .
تستلقي على الأرض فتاة بعمر الزهور، وبكامل حواسها تنظر إلى عازف الناي وهما يجلسان بالقرب من بحيرة في أحضان الطبيعة في منطقة ريفية مطرزة بالأشجار والنباتات والأوراق المتساقطة المتناثرة هنا وهناك. ركز الفنان على تصوير المشهد فعبر به عن الهدوء الأخاذ والبساطة، وتلك السكينة التي تحتضن المكان. تجسد الفتاة التأمل والإصغاء إلى دهشة الناي وموسيقاه، فتنغمس في ألَق سِحره مستغرقة في حالة زهد وخشوع، تنصت بتركيز لصوت الشجن الذي تصدح به النغمات. 
تشير الموسيقى الى مكنونات الروح وخفاياها وإلى المشاعر والعواطف التي تعتري الانسان، فهي لغة إنسانية يتفق عليها الجميع . لقد أضاف الرسام في هذه اللوحة رابطا وثيقا بين الرسم والموسيقى ليعبر عن خلجات النفس وانفعالاتها، فالناظر الى اللوحة يستشعر ما كانت تستمع اليه الفتاة من عذب اللحن وسحره، ومع فكرة تداخل الحواس وصوت الناي الذي ألهب مشاعر الفنان ووجدانه فأشعلها حماسا، تراقصت الألوان أمامه فنثرها مبدعا لوحته فنسج السحر برسمهِ والخيال بألوانه الدافئة الحيوية الرقيقة، تلك التي عبرت عن الانسجام والتناغم وأعطت الإيحاءَ بالأمل والوداعة.
 أمام هذه اللغة الجمالية وهذا الإتلاف والاتِّسَاق، وتَآلُف الضوء النابض في كل زوايا اللوحة، نشعر بانعكاسها علينا فينتابنا شعور بالأنس والبهجة والإشراق، ومن خلال الأسلوب والتكوين وتناغم الألوان، تدرجها وانسيابها وتداخلاتها، تصل بنا اللوحة إلى ذلك السلام الممتد في فضاءاتها، فينعكس إحساس الفنان المرهف وحالته النفسيَّة ولمساته الإبداعية التي ترمي إلى تربية الوجدان وترميم النفس البشرية عبر الفن بصون الجمال ومقاومة القبح، والارتقاء بالذوق العام.
 صحيفة رأي اليوم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صباح بشير: المرأة العربية بين الفرص والتقاليد

  ما زالت المرأة العربية تخوض كفاحاً مستمراً لنيل حقوقها الاجتماعية والإنسانية، ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات، فما الذي تمّخض عنه كفاح...