تواجه البشرية أزمة حادة بسبب انتشار فيروس كورونا (Covid-19) ، بعد إلقاء نظرة على كيفية تأثير الوباء العالمي على مختلف جوانب الحياة تُكشَف الطبيعة الفريدة لهذه الأزمة، فها نحن نلمس تغيرا جذريا يطرأ على حياتنا اليومية متسللا إلى كل جوانبها، عزلة وحجر صحي وتباعد اجتماعي ، شوارع فارغة ومدن صامتة تكاد تخلو من البشر !
إن جائحة كورونا لا يمكن تخيل عواقبها فكما أدى هذا المرض إلى تعطيل الحياة والأسواق والأعمال والحركة، وكشف كفاءة الحكومات أو عجزها، فإنه بالتأكيد سيؤدي لاحقا بعد انتهاء الحدث إلى تحولات كبيرة في القوى السياسية والاقتصادية العالمية.
على مدى السنوات الماضية قوض السياسيون غير المسؤولين عمدا الثقة في العلوم والسلطات العامة والتعاون الدولي، ونتيجة لذلك نواجه اليوم هذه الأزمة التي نفتقر فيها إلى قادة حقيقين يمكنهم أن يلهموا وينظموا ويمولوا استجابة عالمية منسقة للقضاء على الوباء، ويوما بعد يوم تنعدم الثقة بهزيمة الوباء، لقد اصبحنا بحاجة إلى الثقة في الإعلام وما يقدمه من اخبار، وبحاجة الى الثقة في الخبراء العلميين، وبحاجة أيضا إلى الثقة بالسلطات العامة، كما تحتاج البلدان إلى الثقة في بعضها البعض، فدون الثقة والتضامن العالمي، لن نتمكن من وقف انتشار الوباء وهزيمته.
إن العزل وحجر الناس لفترات طويلة ليس حلا، إنما هي ضرورة ملحة لكسب الوقت حتى إيجاد الحلول ومنع الناس قدر الإمكان من العدوى ونشر الوباء، لكن وعلى المدى البعيد سيؤدي هذا التوقف عن الحياة إلى انهيار اقتصاد الدول دون تقديم حماية حقيقية ضد المرض ! إن تعاون الدول وتضامنها وتكاتفها هو الترياق الحقيقي للوباء، ففي عام 1967، نهش مرض الجدري خمسة عشر مليون شخص وقتل منهم مليونان، ولكن في العقد التالي نجحت حملة عالمية للتلقيح ضد الجدري، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية في عام 1979 انتصار البشرية بعد تعاونها للقضاء على الجدري تمامًا.
خلال القرن الماضي تم بناء أنظمة للرعاية الصحية الحديثة، فكان الأطباء والعلماء هم الحراس الذين يقومون بدورياتهم وصد المتسللين من الفايروسات والأمراض المختلفة، ومع ذلك كان هناك مئات الملايين من الناس حول العالم يفتقرون إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية.
يشير التاريخ إلى أن الحماية الحقيقية تأتي من تبادل المعلومات العلمية الموثوقة والتضامن العالمي، فعندما يصيب بلد ما أي وباء يجب أن يكون العالم على استعداد لتبادل المعلومات حول هذا المرض وكيفية معالجته، وهذا ما يتطلب مستوى عالٍ من الثقة والتعاون الدوليين، لذا نتمنى أن تكون هذه الأزمة بمثابة وقفة للمراجعة ومحاسبة الاخطاء وأن يصحو ذلك الضمير العالمي المغيب ، كما نأمل أن تساعد الأزمة الحالية في إدراك ما يشكله هذا الانقسام والتفكك العالمي من أخطار، وأن تكون فرصة لاستعادة السلام وإنهاء الحروب حول العالم، فقد أفلس رجال الدين والسياسة عن تقديم الحلول، أولئك الذين لم يحققوا سوى تأجيج العنف والقتل والدمار.
تحتاج البشرية إلى تبني ودعم البحوث العلمية والطبية التي تسهم في صنع الحياة، ولا تحتاج الى مزيد من صنع الأسلحة والمتفجرات والصواريخ وغيرها من أدوات القتل النووية والذرية، كل ذلك وأكثر مما يتطلب مضاعفة الجهود والإعداد والتنسيق والتخطيط ، والقدرة على اتخاذ القرار.
تَلتقط البشرية الآن وعيًا جديدًا بعد حالة تأمل في واقع يستبد به اليأس ويُفتقد فيه الأمل، سيبدأ العالم بإدراك أهمية المشاركة والصداقة والتعاطف والرحمة والعدالة، علينا أن نؤمن بوجود الضوء في نهاية النفق، وأن المستقبل سيغدو أفضل مما نظن، لن تتمكن الجغرافيا من فصل الإنسان عن إنسانيته، وها هم الاطباء قد جسدوا نموذجا يدفع بنا إلى التفاؤل بواقعنا الانساني القادم، فقد كانوا خط الدفاع الأول بوقفتهم البطولية وقيامهم بواجبهم الانساني النبيل، وبأيديهم البيضاء زرعوا الأمل فقهروا الألم، كما سطروا صفحات من البطولة في تاريخ التضامن، فإلى الأمام يا جنود السلام ويا أبطال الصحة والحياة ..
صحيفة رأي اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق