يتميز كل فرد منا بذوقه العام متأثرا بمحيطه وتربيته ومستوى ثقافته حيث يمتاز البعض بحس جمالي أكبر نمطا وسلوكا في أذواقهم وتصرفاتهم، بينما نجد أن كثيرا من الناس يعانون خللا ما في ذوقهم العام أو ذائقتهم الجمالية.
يشعر المتأمل اليوم في حياتنا بالإمتعاض والحيرة تجاه الذوق العام المنتشر في مجتمعاتنا، كما يشعر بالأذى النفسي من الكثير من السلوكيات التي نشهدها يوميا وتستفز مشاعرنا فلا نملك السيطرة عليها ولا نستطيع منعها، إلا أننا ومن منطلق نزعة الخير والإنسانية التي تتمثل في دعم الآخرين ومشاركتهم والتعاطف معهم بصورة فطرية علينا أن نثير هذه النقطة للإشارة بأن هناك تدهورا واضحا في الذوق السلوكي الذي يترك أثره الكبيرعلينا ويشكل مشكلة واضحة لم تعد لدينا القدرة على التعايش معها، ولا أعتبر ذلك تدخلا في شؤون الآخرين أو نوعا من الإعتداء على حرياتهم، فانتشار قلة الذوق السلوكي وهبوط الذائقة الفنية والجمالية وصل لدرجة الاعتياد عليه وعدم الاكتراث به فأصبح مألوفا ومتقبلا لدينا!، وتأكيدا على صحة كلامي سأتحدث عن بعض السلوكيات لتحكموا بأنفسكم عليها.
ربما كان من أهم تلك السلوكيات السلبية الشائعة التي نشاهدها يوميا في شوارعنا من خلال قيادة السيارات، فبينما نشاهد سائقا يجعل من الشارع العام مسرحا للسباق والتسابق مع الآخرين نلاحظ سائقا آخر يتفوه بأقذر العبارات والشتائم لأن هناك سيارة قامت بالتجاوز عنه مثلا! وسائقا آخر وكأنه لم يسمع أبدا بقوانين السير وإعطاء حق الأولوية في الطريق! وآخر يعتبر الشارع ملكا خاصا له فيقوم بإيقاف سيارته في أي مكان يرتئيه مناسبا ( قد يكون في وسط الطريق أو في المداخل الخاصة أو العامة ) بغض النظر عن إغلاقه للشارع أو الطريق العام أو أنه قد يتسبب في أزمة سير أو حادث أو تأخير الناس وتعطيلها! وآخر يستخدم الهاتف أثناء القيادة ليستفسر عن مكان أو عنوان ما ويشغل الطريق ببحثه ويقود سيارته ببطء شديد دون أي مبالاة لأصوات الزمامير من خلفه! وسائق آخر لا يعنيه أمر المشاة من الأطفال أو كبار السن حين يقطعون الشارع!
ومن السلوكيات الأكثر استفزازا على الإطلاق ذلك المنظر الشهير الذي حفظناه عن ظهر قلب ألا وهو رمي القمامة والمحارم الورقية أو علب الكولا الفارغة أو قشور المكسرات أو أعقاب السجائر من نافذة السيارة!
وعن عدم المحافظة على النظافة في الشوارع العامة حدث ولا حرج! فليس السائق أو راكب الباص أو السيارة هو فقط من يفعل ذلك! إنما يساهم الجميع دون استثناء في تلويث البيئة والمدن والشوارع ، فنجد الباعة المتجولين والبسطات يرمون بفضلات بضائعهم من الأكياس والأوراق وصناديق الكرتون في الشارع تاركين إياها في المساء كهدية خاصة لصباح يوم آخر مضن وشاق لعمال النظافة! مشهد آخر مؤلم نرى طفلا يرسله أهله ليقوم بمهمة منزلية تفوق قدرته الجسدية فيحمل كيس القمامة البيتي الثقيل جدا بالنسبة لجسده الصغير، وفي الطريق يشعر الطفل المسكين بالتعب فيسقط الكيس من يده، فيترجل عائدا إلى بيته تاركا القمامة متناثرة في مكانها (وهنا بالطبع فإن المسؤولية لا تقع على الطفل إنما هي مسؤولية الأهل). مشهد آخر شاهدته مرارا وتكرارا لإمرأة أو رجل يحمل كيس القمامة المنزلي ويصل إلى مكان الحاوية ولا يضع الكيس بداخلها إنما يضعه بجانبها أو بالقرب منها ولم أدرك حتى الآن ماذا كان سيخسر لو أنه تصرف بالشكل الصحيح ورمى تلك القاذورات في مكانها المخصص لها داخل الحاوية!؟
والله إني لأشعر بالحزن الشديد عندما أمشي في الشارع أو في الطريق أو الحدائق العامة أو في الأسواق، فأينما تقع عينك لا ترى على جانبي الطريق وحول الشجر والنباتات والأرصفة إلا محارم ورقية أو علب الكولا الفارغة أو أكياس مستعملة أو أعقاب السجائر و فضلات الأطعمة وغيره!
سلوك آخر نشهده في مجتمعاتنا ألا وهو ظاهرة الألفاظ البذيئة التي نسمعها يوميا في الشوارع والأماكن العامة وفي كل مكان.
ظواهر سلبية كثيرة غير صحية ولا أمل في الشفاء منها في مجتمعاتنا كظاهرة التدخين في الأماكن العامة التي تحرمنا من العيش في بيئة نظيفة تخلو من السموم والضرر.
أيضا نعاني من عدم احترام النظام في الدوائر الحكومية أو أماكن التسوق أو أنظمة مواعيد زيارة المرضى في المستشفيات وغيرها مما يعطل مصالح الناس ولا يعكس سوى صورة سلبية عن أخلاقنا وثقافتنا!
سلوكيات مؤذية كثيرة تثبت عجزنا عن التمييز بين الصواب والخطأ، ونغفل عن احترام النظام والقانون وحقوق الآخرين والذي يُعد من أهم مظاهر العدل وبناء حياتنا سواء كان في التعاملات أو السلوك.
أما فيما يخص الذائقة والتذوق الجمالي فهو أيضا مصاب بلوثة من التراجع والفساد وذلك لارتباطه بنا كأفراد ومجتمعات، فقد بتنا نلمس مَظاهِرهُ السلبية من خلال حالة التلوث السمعي والبصري التي نعيشها يوميا في كل مكان، فتنمية الذوق السلوكي والجمالي لدى البشر يتم اكتسابها ونموها من خلال التفاعل الاجتماعي ونقله من جيل لآخر، فكيف لنا بنقله لأبنائنا ونحن نتبنى كل ما ذُكر من سلوكيات وظواهر يتدهور معها الإنسان وذوقه وإحساسه بالآخرين ؟ وكيف لفاقد الشيء أن يعطيه!
ولنأخذ الفن الغنائي كمثال واقعي حي ودوره في التأثير على بناء أذواقنا. نشاهد اليوم رواجا لدى الجيل الشاب لمدعي الفن والطرب ممن لا يقدمون لنا سوى عروض غنائية هابطة متجاهلين المعايير الفنية والموسيقية مفتقدين للمهارة والقدرة الصوتية في ظل غياب الفن الأصيل، مما ساهم في تخريب وتشويه الذائقة الفنية ليتحول الغناء إلى كلمات سخيفة يصاحبها بعض الصخب الموسيقي!
من هنا نلمس تراجع دور الأغنية في بناء الذائقة الفنية التي تمس الفرد ووجدانه، فكيف إذن للذائقة الفنية أو الجمالية أن تعيش وتنمو دون أن يتعود الإنسان على التمتع بمختلف أشكال الفن وجمالياته ؟
إن بناء وخلق الذوق العام في المجتمعات هو عامل مهم في مسيرة التقدم وهو يحتاج لجهود المبدعين الفنية والأدبية وأقلام المثقفين حتى نقاوم التدهور الحاصل في شتى الميادين فقد ثبت بأن البرامج التوعوية وحدها لا تكفي لمحاربة السلوكيات السلبية في المجتمع، فمقومات الثقافة والفن والأدب تحمل قدرا واسعا من الإبداع مما يدفع بالذوق العام إلى الإرتقاء، فمتى تحلى الفرد بالذوق الفني والثقافة سيمتلك نظرة جمالية لكل ما يراه من حوله فيصبح أكثر توازنا مما يضفي على حياتنا لمسة إنسانية مؤثرة في سلوكنا وتفاعلنا الإجتماعي.
- صحيفة القدس العربي
يشعر المتأمل اليوم في حياتنا بالإمتعاض والحيرة تجاه الذوق العام المنتشر في مجتمعاتنا، كما يشعر بالأذى النفسي من الكثير من السلوكيات التي نشهدها يوميا وتستفز مشاعرنا فلا نملك السيطرة عليها ولا نستطيع منعها، إلا أننا ومن منطلق نزعة الخير والإنسانية التي تتمثل في دعم الآخرين ومشاركتهم والتعاطف معهم بصورة فطرية علينا أن نثير هذه النقطة للإشارة بأن هناك تدهورا واضحا في الذوق السلوكي الذي يترك أثره الكبيرعلينا ويشكل مشكلة واضحة لم تعد لدينا القدرة على التعايش معها، ولا أعتبر ذلك تدخلا في شؤون الآخرين أو نوعا من الإعتداء على حرياتهم، فانتشار قلة الذوق السلوكي وهبوط الذائقة الفنية والجمالية وصل لدرجة الاعتياد عليه وعدم الاكتراث به فأصبح مألوفا ومتقبلا لدينا!، وتأكيدا على صحة كلامي سأتحدث عن بعض السلوكيات لتحكموا بأنفسكم عليها.
ربما كان من أهم تلك السلوكيات السلبية الشائعة التي نشاهدها يوميا في شوارعنا من خلال قيادة السيارات، فبينما نشاهد سائقا يجعل من الشارع العام مسرحا للسباق والتسابق مع الآخرين نلاحظ سائقا آخر يتفوه بأقذر العبارات والشتائم لأن هناك سيارة قامت بالتجاوز عنه مثلا! وسائقا آخر وكأنه لم يسمع أبدا بقوانين السير وإعطاء حق الأولوية في الطريق! وآخر يعتبر الشارع ملكا خاصا له فيقوم بإيقاف سيارته في أي مكان يرتئيه مناسبا ( قد يكون في وسط الطريق أو في المداخل الخاصة أو العامة ) بغض النظر عن إغلاقه للشارع أو الطريق العام أو أنه قد يتسبب في أزمة سير أو حادث أو تأخير الناس وتعطيلها! وآخر يستخدم الهاتف أثناء القيادة ليستفسر عن مكان أو عنوان ما ويشغل الطريق ببحثه ويقود سيارته ببطء شديد دون أي مبالاة لأصوات الزمامير من خلفه! وسائق آخر لا يعنيه أمر المشاة من الأطفال أو كبار السن حين يقطعون الشارع!
ومن السلوكيات الأكثر استفزازا على الإطلاق ذلك المنظر الشهير الذي حفظناه عن ظهر قلب ألا وهو رمي القمامة والمحارم الورقية أو علب الكولا الفارغة أو قشور المكسرات أو أعقاب السجائر من نافذة السيارة!
وعن عدم المحافظة على النظافة في الشوارع العامة حدث ولا حرج! فليس السائق أو راكب الباص أو السيارة هو فقط من يفعل ذلك! إنما يساهم الجميع دون استثناء في تلويث البيئة والمدن والشوارع ، فنجد الباعة المتجولين والبسطات يرمون بفضلات بضائعهم من الأكياس والأوراق وصناديق الكرتون في الشارع تاركين إياها في المساء كهدية خاصة لصباح يوم آخر مضن وشاق لعمال النظافة! مشهد آخر مؤلم نرى طفلا يرسله أهله ليقوم بمهمة منزلية تفوق قدرته الجسدية فيحمل كيس القمامة البيتي الثقيل جدا بالنسبة لجسده الصغير، وفي الطريق يشعر الطفل المسكين بالتعب فيسقط الكيس من يده، فيترجل عائدا إلى بيته تاركا القمامة متناثرة في مكانها (وهنا بالطبع فإن المسؤولية لا تقع على الطفل إنما هي مسؤولية الأهل). مشهد آخر شاهدته مرارا وتكرارا لإمرأة أو رجل يحمل كيس القمامة المنزلي ويصل إلى مكان الحاوية ولا يضع الكيس بداخلها إنما يضعه بجانبها أو بالقرب منها ولم أدرك حتى الآن ماذا كان سيخسر لو أنه تصرف بالشكل الصحيح ورمى تلك القاذورات في مكانها المخصص لها داخل الحاوية!؟
والله إني لأشعر بالحزن الشديد عندما أمشي في الشارع أو في الطريق أو الحدائق العامة أو في الأسواق، فأينما تقع عينك لا ترى على جانبي الطريق وحول الشجر والنباتات والأرصفة إلا محارم ورقية أو علب الكولا الفارغة أو أكياس مستعملة أو أعقاب السجائر و فضلات الأطعمة وغيره!
سلوك آخر نشهده في مجتمعاتنا ألا وهو ظاهرة الألفاظ البذيئة التي نسمعها يوميا في الشوارع والأماكن العامة وفي كل مكان.
ظواهر سلبية كثيرة غير صحية ولا أمل في الشفاء منها في مجتمعاتنا كظاهرة التدخين في الأماكن العامة التي تحرمنا من العيش في بيئة نظيفة تخلو من السموم والضرر.
أيضا نعاني من عدم احترام النظام في الدوائر الحكومية أو أماكن التسوق أو أنظمة مواعيد زيارة المرضى في المستشفيات وغيرها مما يعطل مصالح الناس ولا يعكس سوى صورة سلبية عن أخلاقنا وثقافتنا!
سلوكيات مؤذية كثيرة تثبت عجزنا عن التمييز بين الصواب والخطأ، ونغفل عن احترام النظام والقانون وحقوق الآخرين والذي يُعد من أهم مظاهر العدل وبناء حياتنا سواء كان في التعاملات أو السلوك.
أما فيما يخص الذائقة والتذوق الجمالي فهو أيضا مصاب بلوثة من التراجع والفساد وذلك لارتباطه بنا كأفراد ومجتمعات، فقد بتنا نلمس مَظاهِرهُ السلبية من خلال حالة التلوث السمعي والبصري التي نعيشها يوميا في كل مكان، فتنمية الذوق السلوكي والجمالي لدى البشر يتم اكتسابها ونموها من خلال التفاعل الاجتماعي ونقله من جيل لآخر، فكيف لنا بنقله لأبنائنا ونحن نتبنى كل ما ذُكر من سلوكيات وظواهر يتدهور معها الإنسان وذوقه وإحساسه بالآخرين ؟ وكيف لفاقد الشيء أن يعطيه!
ولنأخذ الفن الغنائي كمثال واقعي حي ودوره في التأثير على بناء أذواقنا. نشاهد اليوم رواجا لدى الجيل الشاب لمدعي الفن والطرب ممن لا يقدمون لنا سوى عروض غنائية هابطة متجاهلين المعايير الفنية والموسيقية مفتقدين للمهارة والقدرة الصوتية في ظل غياب الفن الأصيل، مما ساهم في تخريب وتشويه الذائقة الفنية ليتحول الغناء إلى كلمات سخيفة يصاحبها بعض الصخب الموسيقي!
من هنا نلمس تراجع دور الأغنية في بناء الذائقة الفنية التي تمس الفرد ووجدانه، فكيف إذن للذائقة الفنية أو الجمالية أن تعيش وتنمو دون أن يتعود الإنسان على التمتع بمختلف أشكال الفن وجمالياته ؟
إن بناء وخلق الذوق العام في المجتمعات هو عامل مهم في مسيرة التقدم وهو يحتاج لجهود المبدعين الفنية والأدبية وأقلام المثقفين حتى نقاوم التدهور الحاصل في شتى الميادين فقد ثبت بأن البرامج التوعوية وحدها لا تكفي لمحاربة السلوكيات السلبية في المجتمع، فمقومات الثقافة والفن والأدب تحمل قدرا واسعا من الإبداع مما يدفع بالذوق العام إلى الإرتقاء، فمتى تحلى الفرد بالذوق الفني والثقافة سيمتلك نظرة جمالية لكل ما يراه من حوله فيصبح أكثر توازنا مما يضفي على حياتنا لمسة إنسانية مؤثرة في سلوكنا وتفاعلنا الإجتماعي.
- صحيفة القدس العربي