في ظل ما نعيش من أزمات سياسية واقتصادية في عالمنا العربي تؤثر بشكل مباشر على جميع مناحي الحياة ، نعيش حالة ركود ثقافي وجمود فكري واضح ، يُنتج أزمة ثقافية نمر بها ، لا تقل خطورة على المجتمع العربي من خطورة ما نشاهد اليوم من القتل والدمار !
في هذا الوقت العصيب نحن نحتاج لسماع صوت مفكرينا ومثقفينا العرب وذلك لتعزيز حالة الوعي لدينا ، لأجل البدء بالإسهام في بناء مسيره نهضوية إيجابيه تعزز وتحقق الرؤية لإصلاح إجتماعي فكري ، إنساني ، وحضاري ..
هنا لا بد أن تعود بنا الأسئلة حول دور المثقف العربي وما يعيش من أزمات تعددت ملامحها وجذورها ، ابتداء بمأساة انعدام حرية التعبير في مجتمعاتنا وصولا لرفض ومقاومة حرية التغيير !
لا أزعم أبدا بأن هموم ومشاكل المثقف العربي هي هموم خاصة به لا يعاني منها الجميع ، إلا أن للمثقف دورا خاصا في الوقوف أمام هذه التحديات وذلك بإعادة الروح لإحياء أفكار خلاّقة من خلال نسج مفاهيم جديدة لترتيب العلاقات مع واقعنا الحالي ، للمساهمة في التغيير نحو الأفضل ولقلب الأولويات وانتهاج مسار حديث مغاير للتفكير وواقع السياسات ، وابتكار سياسات فكرية جديدة .
إذاً ما هو المطلوب من المفكر والمثقف العربي ؟
لقد أخذت حرية الرأي والتعبير القسم الأعظم من معاناة المثقف العربي في علاقته مع السلطة الاجتماعية والسياسية ! مما أثر سلبا على نشاطه ، وتضاؤل حراكه لتبدأ الأزمة تضغط بقوة على وعيه ! لا أنكر بأن حرية التعبير اليوم تختلف نسبياً عن الفترات الماضية ، فاليوم هناك فضاءات واسعة فرضت نفسها بفضل ثورة المعلومات التكنولوجية ومواقع التواصل الإجتماعي على شبكات الإنترنت التي ساهمت بمنح بعض التغييرات لنتجاوز أطر التعبير التقليدية السابقة التي طالما خضعت للرقابة ، لتتاح لنا نوعا ما مساحة أفضل للتعبير .
وتبقى المشكلة ليست في حرية التعبير فقط ، إنما في الدور الحراكي والمجتمعي المنوط بالمثقف .
يشكل كل ذلك الخطوط العريضة لبداية الطريق وبداية الحراك للمثقف الجديد ، للتنسيق فيما بين الخطاب الحقوقي للإنسان العربي وبين المعاني الفكرية التي يؤمن بها .
على المثقف والمفكر العربي أن يفكك الأوهام لإزالتها بتحطيم حواجز العجز لمواجهة الأزمات الخانقة وذلك لإنتاج أفكار جديدة خلاقة ترفع من أساليب وأدوات التحليل والتشخيص للحالة الراهنة في محاولة لخلق وابتكار الحلول للإصلاح السياسي والاقتصادي و الإجتماعي .
على المثقف الدفاع عن مبادئ العدالة والحرية وحقوق الإنسان بعيداً عن مصيدة التحزب السياسي ، عليه أن يدرك بأن الانحياز الأخلاقي للمبادئ والقيم أنجع من الإنحياز للسلطة ، فلا حضارة لمجتمعات دون ثقافة ومثقفين يدافعون عن الحق وينصفون كل مهمش ومحروم وينتقدون الفساد .. عليه أن يتجرأ ويتجاوزعقدة الكبت والخوف التي سكنته منذ عقود .
في ظل الظروف الحالية القاسية على المثقف العربي ترك عزلته وتجاوز الثغرة فيما بينه وبين مجتمعه . لا أوجه له اللوم حين شعوره بفرق التفكير ونظرته للأمور فيما بينه وبين محيطه الرافض لكل جديد مما قطع العلاقة بينه وبين مجتمعه ليفقد بذلك حضوره وتأثيره أثناء التعبير عن أفكار ومفاهيم تصطدم مع المعتقدات السائدة ، فيواجه بردود أفعال توهن من عزيمته وتثبطها لتشكل سببا بشعوره بالغربة الحقيقية في وطنه ! مما دعاه الى الهجرة والرحيل هربا من الجهل والأفكار السلبية الهدامة والمعتقدات البالية ، حيث الغرب نحوالإنفتاح والاطلاع الواسع والحرية الفكرية .
بالتالي يُجهَض مشروعه نحو التغيير الثقافي لتتكرّس عزلته وتتعطل أهم أدواره الأجتماعيه والفكرية ، فيقع المثقف العربي فريسة للأحباط لأنه لا يشعر بأن فكره يقوم بتغيير ملموس وحقيقي في المجتمع مما يوسع الفجوة بينه وبين مجتمعه لينظر له نظرة دينوية منفرة !
على المثقف بذل مزيد من الجهود بدراسة أسباب مشاكل مجتمعه ورؤيتهم ، ليقف معهم ويتقرب اليهم وليكون في الصفوف الأولى في محاربة الجهل والتخلف والظلم وغيره من الآفات .
إنني لا أدين المثقف العربي فهو يعاني الغربة الفكرية في وطنه ويعاني الغربة الحقيقية حين يهاجر وطنه متطلعاً إلى الحضارة والحرية أملا بغد أفضل ..
الإغتراب الفكري يشكل الأزمة الداخلية للمثقف .
لا يمكن للمثقف والمفكر أو المبدع من الإنتاج الحقيقي في ظل اغتراب فكري يخنقه ضمن منظومة فكرية صارمة مستبدة تنشئ حالة من الإنفصام بين المثقف والمجتمع ، فإن لم يكن هناك دعما وانسجاما من داخل بيئته ولم يتوافق محيطه مع منظومته الفكرية ، فإنه سيصطدم بالواقع دون أي حراك إيجابي أو انتاج حقيقي له ، بازدياد شعوره بالغربة داخل وطنه وتهميشه .
إن المجتمعات التي لا تملك شرائح ونخب من المثقفين والمفكرين لا تملك أي مقومات للنجاح ! نحن بحاجة للطاقات والنماذج الخلاقة .
على المثقف أن يدرك ما تبقّى له من مواقع وأماكن مؤثرة ليستثمر فيها جهوده ، وعليه أن يدرك ويعي المسؤوليات الجديدة التي فرضتها علينا التغيّرات في المنطقة والعالم .
إن صورة بسيطة قد تنشر على أحد المواقع الإجتماعية مع تعليق بكلمات إنسانية تحمل رسالة صادقة ، قد تؤثر في الملايين من الناس ! فصانع الخطاب الناجح يشكّل اتجاهاً ثقافياً له محاكّاة وملامح وآثار .
أننا لن ننهض ولن نتقدم إلا بالعلم والثقافة وعقول مثقفينا النيرة , لنحرر عقولنا من الجهل ! فالإنسان أولا وأخيرا ..
( نشر هذا المقال بتاريخ 10ديسمبر 2014 في جريدة القدس العربي بإسم صباح بركات)
في هذا الوقت العصيب نحن نحتاج لسماع صوت مفكرينا ومثقفينا العرب وذلك لتعزيز حالة الوعي لدينا ، لأجل البدء بالإسهام في بناء مسيره نهضوية إيجابيه تعزز وتحقق الرؤية لإصلاح إجتماعي فكري ، إنساني ، وحضاري ..
هنا لا بد أن تعود بنا الأسئلة حول دور المثقف العربي وما يعيش من أزمات تعددت ملامحها وجذورها ، ابتداء بمأساة انعدام حرية التعبير في مجتمعاتنا وصولا لرفض ومقاومة حرية التغيير !
لا أزعم أبدا بأن هموم ومشاكل المثقف العربي هي هموم خاصة به لا يعاني منها الجميع ، إلا أن للمثقف دورا خاصا في الوقوف أمام هذه التحديات وذلك بإعادة الروح لإحياء أفكار خلاّقة من خلال نسج مفاهيم جديدة لترتيب العلاقات مع واقعنا الحالي ، للمساهمة في التغيير نحو الأفضل ولقلب الأولويات وانتهاج مسار حديث مغاير للتفكير وواقع السياسات ، وابتكار سياسات فكرية جديدة .
إذاً ما هو المطلوب من المفكر والمثقف العربي ؟
لقد أخذت حرية الرأي والتعبير القسم الأعظم من معاناة المثقف العربي في علاقته مع السلطة الاجتماعية والسياسية ! مما أثر سلبا على نشاطه ، وتضاؤل حراكه لتبدأ الأزمة تضغط بقوة على وعيه ! لا أنكر بأن حرية التعبير اليوم تختلف نسبياً عن الفترات الماضية ، فاليوم هناك فضاءات واسعة فرضت نفسها بفضل ثورة المعلومات التكنولوجية ومواقع التواصل الإجتماعي على شبكات الإنترنت التي ساهمت بمنح بعض التغييرات لنتجاوز أطر التعبير التقليدية السابقة التي طالما خضعت للرقابة ، لتتاح لنا نوعا ما مساحة أفضل للتعبير .
وتبقى المشكلة ليست في حرية التعبير فقط ، إنما في الدور الحراكي والمجتمعي المنوط بالمثقف .
يشكل كل ذلك الخطوط العريضة لبداية الطريق وبداية الحراك للمثقف الجديد ، للتنسيق فيما بين الخطاب الحقوقي للإنسان العربي وبين المعاني الفكرية التي يؤمن بها .
على المثقف والمفكر العربي أن يفكك الأوهام لإزالتها بتحطيم حواجز العجز لمواجهة الأزمات الخانقة وذلك لإنتاج أفكار جديدة خلاقة ترفع من أساليب وأدوات التحليل والتشخيص للحالة الراهنة في محاولة لخلق وابتكار الحلول للإصلاح السياسي والاقتصادي و الإجتماعي .
على المثقف الدفاع عن مبادئ العدالة والحرية وحقوق الإنسان بعيداً عن مصيدة التحزب السياسي ، عليه أن يدرك بأن الانحياز الأخلاقي للمبادئ والقيم أنجع من الإنحياز للسلطة ، فلا حضارة لمجتمعات دون ثقافة ومثقفين يدافعون عن الحق وينصفون كل مهمش ومحروم وينتقدون الفساد .. عليه أن يتجرأ ويتجاوزعقدة الكبت والخوف التي سكنته منذ عقود .
في ظل الظروف الحالية القاسية على المثقف العربي ترك عزلته وتجاوز الثغرة فيما بينه وبين مجتمعه . لا أوجه له اللوم حين شعوره بفرق التفكير ونظرته للأمور فيما بينه وبين محيطه الرافض لكل جديد مما قطع العلاقة بينه وبين مجتمعه ليفقد بذلك حضوره وتأثيره أثناء التعبير عن أفكار ومفاهيم تصطدم مع المعتقدات السائدة ، فيواجه بردود أفعال توهن من عزيمته وتثبطها لتشكل سببا بشعوره بالغربة الحقيقية في وطنه ! مما دعاه الى الهجرة والرحيل هربا من الجهل والأفكار السلبية الهدامة والمعتقدات البالية ، حيث الغرب نحوالإنفتاح والاطلاع الواسع والحرية الفكرية .
بالتالي يُجهَض مشروعه نحو التغيير الثقافي لتتكرّس عزلته وتتعطل أهم أدواره الأجتماعيه والفكرية ، فيقع المثقف العربي فريسة للأحباط لأنه لا يشعر بأن فكره يقوم بتغيير ملموس وحقيقي في المجتمع مما يوسع الفجوة بينه وبين مجتمعه لينظر له نظرة دينوية منفرة !
على المثقف بذل مزيد من الجهود بدراسة أسباب مشاكل مجتمعه ورؤيتهم ، ليقف معهم ويتقرب اليهم وليكون في الصفوف الأولى في محاربة الجهل والتخلف والظلم وغيره من الآفات .
إنني لا أدين المثقف العربي فهو يعاني الغربة الفكرية في وطنه ويعاني الغربة الحقيقية حين يهاجر وطنه متطلعاً إلى الحضارة والحرية أملا بغد أفضل ..
الإغتراب الفكري يشكل الأزمة الداخلية للمثقف .
لا يمكن للمثقف والمفكر أو المبدع من الإنتاج الحقيقي في ظل اغتراب فكري يخنقه ضمن منظومة فكرية صارمة مستبدة تنشئ حالة من الإنفصام بين المثقف والمجتمع ، فإن لم يكن هناك دعما وانسجاما من داخل بيئته ولم يتوافق محيطه مع منظومته الفكرية ، فإنه سيصطدم بالواقع دون أي حراك إيجابي أو انتاج حقيقي له ، بازدياد شعوره بالغربة داخل وطنه وتهميشه .
إن المجتمعات التي لا تملك شرائح ونخب من المثقفين والمفكرين لا تملك أي مقومات للنجاح ! نحن بحاجة للطاقات والنماذج الخلاقة .
على المثقف أن يدرك ما تبقّى له من مواقع وأماكن مؤثرة ليستثمر فيها جهوده ، وعليه أن يدرك ويعي المسؤوليات الجديدة التي فرضتها علينا التغيّرات في المنطقة والعالم .
إن صورة بسيطة قد تنشر على أحد المواقع الإجتماعية مع تعليق بكلمات إنسانية تحمل رسالة صادقة ، قد تؤثر في الملايين من الناس ! فصانع الخطاب الناجح يشكّل اتجاهاً ثقافياً له محاكّاة وملامح وآثار .
أننا لن ننهض ولن نتقدم إلا بالعلم والثقافة وعقول مثقفينا النيرة , لنحرر عقولنا من الجهل ! فالإنسان أولا وأخيرا ..
( نشر هذا المقال بتاريخ 10ديسمبر 2014 في جريدة القدس العربي بإسم صباح بركات)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق