ما من شك بأن ثورة المعلومات التكنولوجية التي غزت العالم في عصرنا الحالي قد وضعتنا في خانة صعبة ، لقد تربينا ضمن أسس ومعايير معينة في مجتمعات منغلقة تخاف المستقبل وتعتقد بأنها أفضل أمة أخرجت للناس ! ها هو العالم يصبح قرية صغيرة سرعان ما تنتقل فيه المعلومات بالصوت والصورة وبفائق السرعة ، بينما وجدنا أنفسنا مضطرين لمواجهة تحدّيات العصر باكتشافاته واختراعاته المتسارعة ، مما دفع بنا لمقارنة أوضاعنا وأحوالنا في ظروفنا الحالية بتلك الأزمان السالفة ومقارنتها بسائر الشعوب التي تقدمت خطاها في كافة المجالات ، ولما كان الإنسان العربي يترعرع ويعيش على أساس تقديس وتمجيد العصور والبطولات الإسلامية الماضية ، بينما بقي هو فعليا دون إبداع أو إنتاج حقيقي يساعده على التطور ومواكبة العصر فظل حبيسا منغلقا على نفسه وسوقاً إستهلاكية لكلّ ما تنتجه شعوب الأرض المتقدمة عليه بأفكارها وعلومها وسلعها المختلفة .
عندما نتأمل بعمق نجد أننا عشنا الاضطهاد والألم والخوف وشتى أنواع الكبت الفكري والنفسي في صراع طويل في سبيل البحث عن ذاتنا المفقودة التي فشلنا فشلا ذريعا في العثور عليها أو إيجادها ! وسط كل ذلك قمنا بالإساءة إلى أنفسنا وأوطاننا وللآخرين .
لقد تغيرت الأخلاق وسير التعامل من اللين واللطف والتفهم إلى شتى أنواع العنف الفكري والمعنوي والنفسي والجسدي ، فأصبحنا نشاهد ونتابع يوميا شتى مظاهر العنف وممارسة القهر على الآخر كائنا من يكون قريب أو غريب دون أدنى شعور بتأنيب الضمير .. لقد أصبح العنف أحد أهم لغات العصر !
ألا يثيرما نراه يوميا من مشاهد عنيفة هنا وهناك الجدل والاهتمام ؟ فما نراه حقا لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية ! أما عن أوضاعنا الاجتماعية والحياتية الصعبة فحدث ولا حرج ، لينتج عن كل ذلك ممارسات يومية وسلوكيات لا أخلاقية وردود أفعال سلبية في التعبير والتعامل مع الغير .
إن انعدام توازن السلوك والقلق وقلة الحيلة تعكس نفوسا متوترة غير مطمئنة لا تشعر بالأمان ، الحاجة للإحساس بالأمان دفع الكثير ممن حاول خلق أجواء من الطمأنينة لنفسه فلجأ للدين في رحلة البحث عن الله والحياة الآخرة الدائمة ، دون التركيز على الجوهر في تهذيب النفوس وترقية السلوك ! نرى الأغلبية الساحقة في بلادنا العربية تدعي التدين دون أن نلمس أي أثر إيجابي في المعاملات بين الناس ، فنعيش يوميا ونشاهد أذى الناس لبعضهم البعض وتعطيل مصالحهم سواء بالقول أو الفعل ، الرشوة ، الكذب الغش والنفاق.
لقد نسي هؤلاء بأن الانسانية والخير والمحبة لا دين لهم !
ونسوا أيضا بأن الأخلاق هي العنوان لشعوب الأرض وهي من أهم المقومات الحضارية والقيم الإنسانية والمعنوية في الحياة وهي السرالكامن في نجاح الإنسان .
وفي ظل غياب المبادئ والأخلاق التي هي الوحيدة القادرة على تنظيم المجتمع تنظيماً إنسانيا وحضارياً ، وفي ظل سيادة شريعة الغاب للمجتمعات وتجاهل المبادئ الأخلاقية مما قلب كلّ شيء رأساً على عقب في حياتنا بالرغم من تعلق الإنسان بالسماء وتديّنه المتزايد يوميا ! نكتفي فقط بتقديم الكارثة التي سنصلها مستقبلا ، وفقط نستعين بالأديان دون الإنسانية والأخلاق والعلم والعمل لنخلِّص نفسنا مما آلت إليه !
إن الاستمرار بنهج التطرف الديني كمبدأ ، والتعصب للرأي وعدم تقبل الآخر ، وانتهاج سلوكيات العنف اللاأخلاقية والتقاعس عن تحصيل العلم لمواكبة الشعوب المتحضرة في سيرها قدما نحو الأفضل ، وذلك بالإكتفاء باستهلاك علوم الآخرين دون المساهمة في بناء الحضارة، أدى بنا للوصول لما نحن علية اليوم من نكبات متتالية وشعوب مشردة ومجتمعات مفككة ونسبة فقر وجهل عاليين ، نقتل بعضنا البعض لأجل السماء وننسى أن نعمر الأرض التي عليها مستقبلنا ومستقبل أولادنا وأوطاننا والأجيال القادمة .
فبالأخلاق نؤسس ونربي الأجيال الصالحة وننشئ ونتعلم وننتصر .
لنحترم الآخر إنسانا وفكرا ولنحمل الإخلاص في العمل ونهيئ النجاح لامتداد يحمل ثقافة المحبة والإحترام .
لنبتعد عن المغالاة في التعصب ولنوقف انتشار فكر التطرف الديني فأصحاب هذا الفكر يعيثون في الأرض فسادا ، يكفرون الناس لمجرد مخالفتهم لهم في الرأي ويتوعدون بالإبادة ! ولنقارن أنفسنا بباقي الشعوب مقارنة ايجابية غير مَرَضيًة .. فليس من العيب تقليد الشعوب بما هو إيجابي يحقق لنا النهضة والتقدم ويخدم مصالحنا ويعيدنا الى مصاف الامم المتحضرة .
لننبذ مفاهيمنا الخاطئة وأساليب التفاهم بالقوة والعنف ، ولنضيئ حواراتنا بالثقافة والعلم والأدب والأخلاق ولا نجعلها تزخر بالكلمات القاسية والشتم والسباب !
الشعوب الواعية المثقفة المتحضرة هي التي تراجع نفسها بين الحين والآخر ، تقارن حاضرها بماضيها ما لها وما عليها ، لتستشرف آفاق مستقبلها بقلب مخلص أمين على أوطانها .
أخيرا أود أن استذكر ما قاله الشاعر الصوفي الكبير جلال الدين الرومي :
في شريعة العقل يعلم كل عاقل أن المتغير لا بد له من مُغير ، وما أساء عديم الأدب الى نفسه فحسب ، لا .. بل أضرم النار في كلّ الآفاق.
(نشر على صفحات جريدة القدس العربي بإسم صباح بركات بتاريخ 21 نوفمبر 2014)
عندما نتأمل بعمق نجد أننا عشنا الاضطهاد والألم والخوف وشتى أنواع الكبت الفكري والنفسي في صراع طويل في سبيل البحث عن ذاتنا المفقودة التي فشلنا فشلا ذريعا في العثور عليها أو إيجادها ! وسط كل ذلك قمنا بالإساءة إلى أنفسنا وأوطاننا وللآخرين .
لقد تغيرت الأخلاق وسير التعامل من اللين واللطف والتفهم إلى شتى أنواع العنف الفكري والمعنوي والنفسي والجسدي ، فأصبحنا نشاهد ونتابع يوميا شتى مظاهر العنف وممارسة القهر على الآخر كائنا من يكون قريب أو غريب دون أدنى شعور بتأنيب الضمير .. لقد أصبح العنف أحد أهم لغات العصر !
ألا يثيرما نراه يوميا من مشاهد عنيفة هنا وهناك الجدل والاهتمام ؟ فما نراه حقا لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية ! أما عن أوضاعنا الاجتماعية والحياتية الصعبة فحدث ولا حرج ، لينتج عن كل ذلك ممارسات يومية وسلوكيات لا أخلاقية وردود أفعال سلبية في التعبير والتعامل مع الغير .
إن انعدام توازن السلوك والقلق وقلة الحيلة تعكس نفوسا متوترة غير مطمئنة لا تشعر بالأمان ، الحاجة للإحساس بالأمان دفع الكثير ممن حاول خلق أجواء من الطمأنينة لنفسه فلجأ للدين في رحلة البحث عن الله والحياة الآخرة الدائمة ، دون التركيز على الجوهر في تهذيب النفوس وترقية السلوك ! نرى الأغلبية الساحقة في بلادنا العربية تدعي التدين دون أن نلمس أي أثر إيجابي في المعاملات بين الناس ، فنعيش يوميا ونشاهد أذى الناس لبعضهم البعض وتعطيل مصالحهم سواء بالقول أو الفعل ، الرشوة ، الكذب الغش والنفاق.
لقد نسي هؤلاء بأن الانسانية والخير والمحبة لا دين لهم !
ونسوا أيضا بأن الأخلاق هي العنوان لشعوب الأرض وهي من أهم المقومات الحضارية والقيم الإنسانية والمعنوية في الحياة وهي السرالكامن في نجاح الإنسان .
وفي ظل غياب المبادئ والأخلاق التي هي الوحيدة القادرة على تنظيم المجتمع تنظيماً إنسانيا وحضارياً ، وفي ظل سيادة شريعة الغاب للمجتمعات وتجاهل المبادئ الأخلاقية مما قلب كلّ شيء رأساً على عقب في حياتنا بالرغم من تعلق الإنسان بالسماء وتديّنه المتزايد يوميا ! نكتفي فقط بتقديم الكارثة التي سنصلها مستقبلا ، وفقط نستعين بالأديان دون الإنسانية والأخلاق والعلم والعمل لنخلِّص نفسنا مما آلت إليه !
إن الاستمرار بنهج التطرف الديني كمبدأ ، والتعصب للرأي وعدم تقبل الآخر ، وانتهاج سلوكيات العنف اللاأخلاقية والتقاعس عن تحصيل العلم لمواكبة الشعوب المتحضرة في سيرها قدما نحو الأفضل ، وذلك بالإكتفاء باستهلاك علوم الآخرين دون المساهمة في بناء الحضارة، أدى بنا للوصول لما نحن علية اليوم من نكبات متتالية وشعوب مشردة ومجتمعات مفككة ونسبة فقر وجهل عاليين ، نقتل بعضنا البعض لأجل السماء وننسى أن نعمر الأرض التي عليها مستقبلنا ومستقبل أولادنا وأوطاننا والأجيال القادمة .
فبالأخلاق نؤسس ونربي الأجيال الصالحة وننشئ ونتعلم وننتصر .
لنحترم الآخر إنسانا وفكرا ولنحمل الإخلاص في العمل ونهيئ النجاح لامتداد يحمل ثقافة المحبة والإحترام .
لنبتعد عن المغالاة في التعصب ولنوقف انتشار فكر التطرف الديني فأصحاب هذا الفكر يعيثون في الأرض فسادا ، يكفرون الناس لمجرد مخالفتهم لهم في الرأي ويتوعدون بالإبادة ! ولنقارن أنفسنا بباقي الشعوب مقارنة ايجابية غير مَرَضيًة .. فليس من العيب تقليد الشعوب بما هو إيجابي يحقق لنا النهضة والتقدم ويخدم مصالحنا ويعيدنا الى مصاف الامم المتحضرة .
لننبذ مفاهيمنا الخاطئة وأساليب التفاهم بالقوة والعنف ، ولنضيئ حواراتنا بالثقافة والعلم والأدب والأخلاق ولا نجعلها تزخر بالكلمات القاسية والشتم والسباب !
الشعوب الواعية المثقفة المتحضرة هي التي تراجع نفسها بين الحين والآخر ، تقارن حاضرها بماضيها ما لها وما عليها ، لتستشرف آفاق مستقبلها بقلب مخلص أمين على أوطانها .
أخيرا أود أن استذكر ما قاله الشاعر الصوفي الكبير جلال الدين الرومي :
في شريعة العقل يعلم كل عاقل أن المتغير لا بد له من مُغير ، وما أساء عديم الأدب الى نفسه فحسب ، لا .. بل أضرم النار في كلّ الآفاق.
(نشر على صفحات جريدة القدس العربي بإسم صباح بركات بتاريخ 21 نوفمبر 2014)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق