بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 8 أكتوبر 2016

هنا القدس / صباح بشير

عندما لا تجد من يسمعك .. تناول القلم واكتب .. لن تخذلك أوراقك ، ولن يخذلك قلمك .. فهما كفيلان بالإنصات إليك بمنتهى الإخلاص .. ولتعلم دائما بأن الحروف حينما تخرج من الألم ستسطر أوراقك بأروع الكلمات وأصدقها …
مدينة القدس تروي قصة الأيام وكلما اردت الكتابة عنها .. تتلعثم الكلمات وتحاصرني روحي بقسوة أعظم من قسوة حصار الحواجز في بلادي ! ما زلت اشتم رائحة طفولتي حول أسوار مدينتي العتيقة  بأحجارها وبتلك الزهور المتناثرة في الطرقات هنا وهناك ، بشجرها ، شوارعها أسواقها وأزقتها القديمة ..
وطن عبث به العابثون فدمروه ! فبات الإنسان فيه كأوراق الشجر ، يحملها الخريف برياحه كيفما يشاء ، ويرميها مجددا اينما يشاء ! فهل ما زال في الأفق شعاع يبشّر بالنور ؟ وهل سيستعيد طائر الدوري قواه ليطير مجددا بعد أن قسا عليه الدّهر وفتكت به عاصفة هوجاء انتزعت جناحيه وحرّيته لتتبدل ملامحه شيئا فشيئا ويستوطن الحزن في عينيه !  أُغلق باب الرجاء ، فلم تعد تستجيب السماء لدعوات الأمهات ، وبفقدان الأمل استوطن العجز قلوبنا فباتت الكلـمات باردة ..
يا وطني هل ما زال هناك أمل لأبنائك في الحرية ؟ وهل أصبح الحلم بعيد المنال ؟  قصرت المسافة بين الأرض والسّماء البعيدة ، فكثر الموت ! وتحول الوطن إلى سجن ، الشوارع باتت تضيق بخطــوات التائهين ، لم نعد نرى سوى الظلال !  صفحات تاريخك يا وطني مرسومة بلون التضحيات والألم !
هنا القدس ، هنا الأمس واليوم والغد الحزين .. لطالما روينا الحكاية ، ولكن عندما يُكسر القلب من الظلم يُقتل الحلم ويصمت اللسان .. فماذا تبقى لنا ؟
أيتها القدس التي استوطنت قلوبنا .. أنت فقط من نحبُ ، أنت مهد الصبا ومنبع ذكريات الطفولة ومرتعها …
هنا القدس .. مدينة متدثرة بعبق التاريخ والحواري العتيقة .. ثمة أشياء يصعب شرحها أو قد لا تحتاج الى لغة لتشرحها ، فما ان تحط رحالك في رحابها إلا و تقفز الدموع من عينيك فتُغرق الإبتسامة ! هناك في القلب غصة وألم موحشان ! أيّ بلاء وأي عقاب أصابك يا قدس فأطفأت شعلتك وخنقت توهّجها ؟
وطـني هواؤك عطـرنا وبعطره لا زالت قلوبنا تنبض وتحيا … في حضرة القدس يكون اللقاء ، وإستحضارا للشهادة أمام ضحالة الحياة ، واستحضارا لكل القيم التي أجتمع عليها كل مناضل لن ننسى شهداءك الحافظين لعهدك يا قدس ، فقضوا دفاعا عنك حين هانت عليهم أنفسهم أمام عظمتك .. تحية إلى كل ام أهدت فلذة كبدها فداء للوطن ليُزَف في عرس الشهادة نحو السماء معطرا برائحة التراب وصوت الزغاريد … !
بكل بساطة .. اكتشفت أنّني أقيم فيك هناك ولم أغادرك أبدا ، أحبّك يا عصيةً على الموت ، وحين سنلتقي سأحبك اكثر فأكثر ، وحينها سيزهر الأمل مروجاً خضراء تبشّر بقدوم العيد ..

 ستبقى هناك دائماً مساحةٌ للحلم فرغم الألم يبقى الأمل ،  يليق بك الحب والفرح يا قدس وتليق بك الإبتسامة ، وسنظل نسعى للفرح ما استطعنا اليه سبيلا …
(نشر بتاريخ 1ديسمبر 2014 على صفحات جريدة القدس العربي بإسم صباح بركات)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صباح بشير: المرأة العربية بين الفرص والتقاليد

  ما زالت المرأة العربية تخوض كفاحاً مستمراً لنيل حقوقها الاجتماعية والإنسانية، ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات، فما الذي تمّخض عنه كفاح...