بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2019

تلك هي السعادة .

قدرتك على امتلاكِ الحياة بروح متجددة ، قادرة على صناعة الفرح .. تلك هي السعادة ..

في هذا الصباح ..






ويرتدي هذا الصباح ألوان من الجمال ، ينفث أنفاسه بالأمل ممتزجا بالفرح وبهذا الجو الخريفي اللطيف فيمحو تلك الزوايا الخائبة من الذاكرة ، مُضياً نحو نور لا يخبو ولا ينطفئ ، لعل السماء تأتي بقطرات من الخير تتمايل متراقصة من حولنا كفراشة زاهية ، وكأنها ثغر مبتسم، يلوح مناديا : حيَّ على الحياة .. صباحكم سعيد ..





( الصور هذا الصباح من النافذة في زيارة الى جنوب البلاد ) 




الأحد، 20 يناير 2019

صباح بشير : نساء تقتحم التاريخ



 المرأة هي صانعة الحياة، وهي نبع الخير وذلك الظل الممتد الذي لا ينحسر، هي من أضاءت التاريخ بروائعها فتأصلت في الذاكرة في كل مكان، فكانت الحاضنة الوجدانية بأعمالها الخالدة على الدوام .

 قصص كثيرة عبر التاريخ البشري، الذي لم يزل ذكوريا في أبعاده رغم كل ما وصلت إليه المرأة، إلا أن صفحة التاريخ لم تطوَ بعد، فهي تزخر بإنجازات النساء اللواتي أثبتن أنفسهن عبر أعمال كانت في عصورِهن حكرا على الرجال، فأثبتن حضورهن وبصمتهن الإنسانية الواضحة في كل مجال. في قصتنا اليوم نشعر وكأن التاريخ يتوقّف لبرهة من الوقت، ليخرج منه أناس ويدخل فيه آخرون .

نُشرت دراسة حديثة (يناير 2019) بعنوان “لوحة الأسنان في العصور الوسطى” حيث تُظهر نتائجها أنه وبالصدفة البحتة ، عندما شرع فريق عالمة الآثار الباحثة “كريستينا وارنر” في معهد ماكس بلانك  لتاريخ العلوم البشرية، بدراسة الميكروبات في الهياكل العظمية القديمة، كان أحد هذه الهياكل مثيرا للاهتمام حيث جُلِب من مقبرة تاريخية قديمة كان قد دُفن فيها، قريبة من دالهايم في ألمانيا في الأرض المجاورة لكنيسة سان بيترو ، والتي تم حفرها خلال أعمال البناء والترميم للمدينة . حددت الاختبارات الجينية أن هذا الهيكل يعود لامرأة راهبة كانت قد عاشت في دير ألماني بين القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر، ويتراوح عمرها بين 45 الى60 عاما.

 كان الهيكل العظمي يحمل لوحة زرقاء احتفظت بلونها الذي لم يتلاشى عبر الزمن، تَطَلب شرح الامر بحثا طويلا من قبل المؤرخين وعلماء الآثار، في النهاية كُشٍف السر عبر تقنية تحليلية تسمى التحليل الطيفي الصغير، فكانت المفاجأة بأن الجسيمات الزرقاء في اللوحة كانت من اللازورد الذي كان نادراً ومكلفاً جدا في تلك الحقبة الزمنية التي عاشها الهيكل، المفاجأة الثانية كانت عند تحليل أسنان الهيكل حيث وجدت بقايا صبغة اللازورد عالقة فيها، كانت هذه الدراسة مثيرة للاهتمام من قبل فريق دولي من العلماء من مختلف الجامعات والمؤسسات (جامعة زيورخ في سويسرا، نيويورك ،هارفارد ، كولومبيا البريطانية، جامعة روما ومتحف التاريخ الطبيعي في الدنمارك، معهد الطب التطوري في زيوريخ) .  لم تُظهر التحليلات العظمية أي علامات على تآكلها أو أن صاحبتها قد عانت من الامراض أثناء الحياة، مما يشير إلى أن المرأة قد عاشت حياة مريحة ولم تكن عرضة لنشاط بدني مكثف.

كشفت الباحثة “كريستينا وارنر” بأن المرأة صاحبة الهيكل كانت كاتبة، ووجود صبغة اللازورد على أسنانها يشهد على ذلك، وقد شاركت بدور فعال في إنتاج المخطوطات والكتب التي كانت صناعتها تعتبر حكرا على الرجال في عصرها، فالمخطوطات في القرون الوسطى كانت تنسب للرجال فقط، وجزيئات اللازورد الصبغي الثمين التي وُجدت على الاسنان توحي بأنها قد علقت بسبب عادة كانت منتشرة على نطاق واسع بين الكُتّاب، وهي أن الكاتب كان يلجأ لترطيب القلم أو الفرشاة بوضعه بفمه ومسحه بلسانه.

 كانت المخطوطات التي تستخدم الصبغة الزرقاء المستمدة من اللازورد غالية جدا بسبب تكلفتها في ذلك الوقت، حيث كانت تُستعمل لتزيين الكتب والمخطوطات الفاخرة الثمينة الهامة، فاللازورد هو حجر كريم كان يُجلب من أفغانستان ويصل إلى أوروبا عبر التجارة، وبالتالي فقد كان متاحاً للكُتّاب والنبلاء من الرجال فقط . هذه الدراسة تؤكد حضور النساء الكاتبات المثقفات عبر التاريخ في كل مكان، حيث عملن بجد وصمت فأنتجن الكتب والمجلدات والمخطوطات.

في عصرنا الحاضر يتم تسجيل كل ما تتمكن المرأة من تحقيقه ، الا ان النساء قديما لم يَتمكَّنَ من ذلك، فما وصل الينا من انجازاتهن عبر التاريخ أقل بكثير مما لم يؤرخ أو يُكتشَف فيُسَجَل أو يكتب عنه بعد.

January 20, 2019 /صحيفة رأي اليوم 

الجمعة، 18 يناير 2019

إضاءة ...

في عالم صاخب تكثر فيه الأعباء وتتسارع وتيرة الحياة وتشتد وطأتها، نجد كآبة المنظر تلقي على وجوه الناس ظلالها، يزداد الأمر تعقيدا حين لا نجد الوقت الكافي لأنفسنا، وبمرور الوقت نشعر بنفاذ طاقتنا الداخلية، تلك التي تزودنا بالتحمل والصبر. عن نفسي لا أحب الأجواء الصاخبة ولا أملك القوة لتحملها، لذا أهرب منها إلى الهدوء في عالمي الخاص، حيث أستمع الى الموسيقى وأدوِن كل فكرة أو صورة أعايشها عبر حاسوبي الصغير، هكذا أجدني أهرب الى الكتابة من كل شيء، ألوذ بنفسي إليها وأتوحد معها، فأجد بها أناةً وراحة، ومفتاح الخروج من عالم يضجُ بالصخب.

 تراودني الرغبة في الكتابة منذ أيام، إلا أنني عانيت من عسر غريب في جمع الأفكار التي بدت وكأنها تائهة مبعثرة ! كما وجدت صعوبة في إيجاد الوقت الكافي لذلك، قلت لنفسي: علي أن لا أجعل من ذلك حجة ومدعاة للكسل، فالكتابة هي مرآتي الخاصة التي أنظر بها دائما إلى نفسي، وهي تلك المساحة التي أعتز بها فتشكل علاقتي التي أحب بالكلمات والأفكار. وما أن أنهيت كتابة هذه السطور حتى شعرت بالراحة، فقررت أن لا أبخس الكتابة حقها وأن لا أبخل عليها بالوقت، رغم ضيقه وكثرة الانشغالات.

الكتابة هي الإنسان بكل ما يحمل من أبعاد فكرية، وهي تمثل صلته الاجتماعية ببيئته والمحيط، وكل كلمة تُكتب تُكَوِّن علاقة دافئة بينها وبين كاتبها، هكذا أشعر بها، إذ كلما أوشكتُ على الانتهاء منها أجدني أعود إليها مجددا فأتوحد معها لأغيب في عالم من نبضٍ آخر، لا يراه أحد سواي، فلا أحب الخروج من نفسي أبدا، وحين أنتقل من سطر لآخر، تتراءى الأفكار أمامي فأطرب لها كأغنية شجية، حينها تسيطر علي الرغبة في التعبير لأكتب عن قناعة ورأي، أو من فرح بلغ حدود البكاء، أو من حزن تسلق جدار القلب، أو من دمعة نَجَحتُ في إخفائها هناك بعيدا عن أعين الناس.

قديما كان الصائغ الحرفي ينفخ في النار ثم يضع قطعة الذهب الخام في الفرن، يقوم بتبريدها وتسخينها عدة مرات، وذلك للحفاظ على ليونتها أثناء معالجتها، لتتحول بعد ذلك إلى صفائح ذهبيه، ثم إلى حلي وقطع أنيقة يتم تصميمها بالشكل المطلوب، معبرا بذلك الصائغ عن حرفيةٍ ومهارة، تلك التي صنعت لنا قطعة فنية جميلة نتزين بها. وهنا نجد تشابها كبيرا من حيث الفكرة والانتاج بين عملية الصياغة وعملية الكتابة، فبعض الكلمات البسيطة أحيانا تتطلب منا القوة حين نقرر كتابتها، فأن تكتب يعني أن تتقدم في الكتابة أو تعود أدراجك لتبدأ صفحة بيضاء جديدة، أنت هنا في طريق ممتد متشعب، تصوغ الكلمة لتصل بها الى الجوهر والمعنى، معبرا بذلك عن ذاتك وأَناك، تلك الأنا التي تعبر من خلالها عن وعيك في صورته الحاضرة، فتبلور شغفك وتطلعاتك مع كل ما تختزنه من مهاراتٍ وحسٍ وشعور، مقتنعا لتبلغ الهدف وتلك الرغبة في معانقة السماء حين تسكب الحروف عطرها بين سطورك فتحكي وتبوح، ويشهد على ذلك وقع كلماتك ودَوِيّها بعد قراءَتها ومرورها على الآخرين.

حين أشاهد صور الكُتّاب على أغلفة الكتب، أشعر بتلك النظرات الشاردة الساهمة ! وأغبطهم لأنهم يتحررون بعد الكتابة مما علق بأرواحهم من استياء وكدر، فالكتابة هي حمائم السلام وذلك التآلف مع النفس والرضى والانشراح، وتلك السكينة التي نحتاجها حين تأوي إليها أرواحنا المتعبة،  فنفر اليها من كل عناء ونَصَب.

 أن تكتب يعني أن تنبعث باتجاه نفسك فتنساب أفكارك على حواف القلب من كل مكان، وقد تشتم رائحة الذكريات هناك من جيب خفيّ في الذاكرة، وقد تشرق غزالات الحنين لترتوي من عمق الفكرة، هكذا حتى يتسع النص المشغوف على وقع الكلمات برونقه وجماله فيحتضن كل الصور وكل المعاني والآراء، وتنطبع بذلك روح الكاتب لتغدو هوية تُعرِّف عنه.

نحن لا نعلم ما يبذله الكُتّاب من أرواحهم وكيانهم أثناء عزلة الكتابة، فهم يبحثون دائما عن جديد مفقود، أو عن زاوية من الحياة لم تُقرع أجراسها بعد، أو أفكار غير مستهلكة لامعة مميزة، ربما يتحررون من خيباتهم حين يبوحون، ولربما يتطهرون حين تتمرد دموعهم فتتسلل في وَجَمٍ وصمت.




January 18, 2019 / صحيفة رأي اليوم 

الثلاثاء، 8 يناير 2019

سفر مريم.. الذاكرة الجمعية وحلم العودة

عن مكتبة كل شيء الحيفاوية ، صدرت حديثا رواية جديدة بعنوان ” سفر مريم”  وهي للكاتب مهند الصباح ، حيث تقع الرواية  في ( 188 )  صفحة من القطع المتوسط ، من تصميم شربل الياس ، وهي الرواية الثانية للكاتب بعد روايته الاولى ” قلبي هناك” .

عَنوَنَ الكاتب رواية “سفر مريم”  في بدايتها بالكلمات  ” بداية الحكاية .. ومبتدأ الخبر ” مما أعطى القارئ إيحاءً خاصا بمضمون الرواية ، فغدى عنصر التشويق فعالا تجاهها . هو عنوان مجازي صيغ بشكل فني غير مباشر ، يحفز القارئ على طرح الاسئلة، تلك التي يستشف الإجابة عليها تباعاً خلال القراءة .

 عند الحديث عن هذه الرواية لن أنسى ذلك الإهداء المُلفت ، فقد كان الاهداء مميزا بالفعل حيث أهدى الكاتب الأب روايته لأبنائه الأربعة ، محمد ، مريم ، سلمى ، يحيى ، موصياً إياهم بتذكر مقولة الكاتب الفلسطيني سلمان ناطور (ستأكلنا الضباع إن بقينا بلا ذاكرة ) هي كلمات مؤثرة مختصرة ومعبرة عن إحساس الكاتب بالانتماء الى الوطن المسلوب ، هنا نجد رسالة قَيّمَة واضحة ، يوجهها المُربي إلى المُتربي  وكأنه يوصيهم بحب الوطن والحفاظ على ذاكرته الجمعية والهوية الوطنية، كذلك تحمل هذه الوصية في طياتها فكرة نقل وتعميم الذاكرة الوطنية.

ناقشت رواية سفر مريم عبر شخصياتها بعض القضايا، حيث تدور أحداثها في قرية فلسطينية متخيلة ، وبأسلوب شيق وسردٍ روائي مترابط يحكي من خلاله الكاتب ويصف شخصيات خيالية عبر قصة مُتسلسلة ، بُنيت لتتحدث عن واقع اجتماعي يحمل بين سطوره فكرة حق العودة ، وذلك الصراع المستمر الذي يبعث ويحفّز على الأمل الدائم في نفوس الحالمين به .

 تسافر مريم عبر الزمن والخيال ، ثم تحكي ما شاهدته خلال سفرها من مُجريات ، يعود أهالي المخيم إلى قريتهم الأم  “كفر النخلة “، تمضي الاحداث ويقوم الأهالي بالتصدي للعديد من العقبات والقضايا بعد خلاف يواجههم  حول العضوية لإدارة المجلس ، وكذلك مشكلة تقسيم الأراضي وميراث النساء ، وفي النهاية تُحل كل تلك القضايا التي كانت تحمل في طياتها صراعات ومشاكل اجتماعية عديدة .

الشيء الجميل الذي لفت نظري هو ذلك الدور البناء للعنصر النسوي في الرواية ، وهذا ليس ببعيد عن طبيعة المرأة الفلسطينية التي تتمثل بمشاركتها الايجابية والفاعلة في شتى المجالات ، كما تحمل العديد من الصفات كالصبر والعطاء .

نهاية الرواية حملت لنا الحلم ممزوجاً بالأمل ، فحلم العودة المقدس ، حلم يراود كل فلسطيني مهجر ، يحمل بداخله قطعة من أرضه وغرسه وزرعه ، كما يحمل مفتاح بيته وتلك الذكريات التي بقيت راسخة في الأذهان …

في الصفحات الأخيرة ، ولعله من الصعب التفكير في نهاية بعيدة عن تلك النهاية المفتوحة التي تركها لنا الكاتب ، حيث تمكن من إيصال باطن فكرته التي احتوتها التفاصيل، فانتشرت بين سطوره فكانت كافية لتبلغ الهدف والرسالة ….

صحيفة رأي اليوم 
January 8, 2019 

الأربعاء، 2 يناير 2019

صباح بشير : الثغرة التي لا يمكن تخطيها!

  


للأخلاق والقيم السامية أهمية كبيرة مؤثرة على سلوك الانسان وتصرفاته، وهي تساعد المجتمعات على تكوين حضارتها، المُلاحظ  بوضوح كيف تبدو تلك الهوة الثقافية العملاقة التي تفصل مجتمعاتنا الاسلامية عن المجتمعات الغربية المتفوقة في شتى المجالات الانسانية والعلمية، الاقتصادية والصناعية وغيرها، وكيف ينعكس ذلك على حياة الناس، فالفجوة  بين عناصر الثقافتين واسعة، واختلال التوازن في سرعة النمو بينهما متفاوت بشكل كبير، ليس هذا فحسب، فمن المؤسف حقاً أن الفوارق الشاسعة بين الثقافتين إنما تكمن وتتجسد ملياً في التفوق الأخلاقي، وهذه الحقيقة لطالما تم تجاهلها في عالمنا العربي والإسلامي، بل وتم تعميم صورة وهمية مناقضة، مفادها أن العالم الغربي متفوق علميا لكنه مجتمع منحل أخلاقيا !

الثقافة الغربية تؤمن بالمسؤولية الإنسانية وبالإنسان كفرد لديه كل الامكانات الفردية والطاقات الفكرية الخلاّقة المستقلة، وذلك بالنقيض لثقافتنا الشرقية التي تؤكد على التبعية ومسؤولية الفرد تجاه المجموعة، وإكراهه على تنفيذ سياسة القطيع، دون الاهتمام بتعليمه وتهذيبه أو إكسابه قيم المواطنة الحقيقية والانتماء، فمن رَحِم شرقنا الغارق في الجهل يولد التخاذل والتراجع، حيث تشجع ثقافتنا على السيطرة والتسلط على الانسان وعلى حالته الذهنية والروحية، كذلك تسمح  بالتدخل في أدق تفاصيل حياته، وتنبذ الاختلاف وتقدس النصوص والشخوص ! لا يهم أبدا ما يفعله الناس في الخفاء طالما أنهم يَظهرون بمظهر القدسية والفضيلة، ولا يهم أن كان الانسان عنصريا أو فاسدا، المهم هو تلك الصورة اللامعة التي يحسن تقديمها للمجتمع والتي تلتف بعباءة الدين، كل ذلك أدى الى التلوث الاخلاقي وانتشار الفوضى، والذعر من العقول النقدية ورفضها، فبات الصدق عملة نادرة، وحُرم على الناس كل ما ينفعهم ويرتقي بهم، حُرّمت الموسيقى ومعها الكثير من الفنون الإنسانية الجميلة التي تؤثر على المشاعر الانسانية فترقق وتهذب الأحاسيس، حتى قَسَت القلوب وانتشرت الكراهية  كنتيجة طبيعية للتعصب والكبت في التربية ، فأصبح تكفير الآخر المختلف فرضاً مقدسًا في ظل معتقدات تكرس النزعة على إبقاء الموروثات دون مراجعتها أو إعادة النظر في جدواها، مما أدى الى الانغلاق وسلسلة من التراجعات التي لا زالت تلقي بظلالها علينا حتى اليوم .

أما ثقافتهم التي واصلت تطورها منذ العصور الوسطى حتى اليوم، فتشير الى احترام الانسان وحقوقه بما تتضمن من أنماط سلوكية ورقي في التعامل، ورؤية ونسق فلسفي وتعدد فكري، هي ثورة من القيم التي تقدس الإنسان والحياة، تواصل السعي نحو تقدمها لرفع مستوى الحياة، هي ثقافة ناضجة مرت بتجارب التنوير والتعدد كنتيجة للهجرة البشرية إليها، تستند الى المنطق حيث اجتازت كل المحن والحروب والموروثات، وواصلت البحث والاكتشاف وإرساء العلم والحداثة، كما حَجّمت دور الكنيسة وأكدت على طابعها العلماني الديمقراطي، وتبنت مبدأ الحوار، فارتقت بحياة الفرد وجعلته أكثر نبلاً، رفعةً وإنسانية، من خلال سيادة القانون وسياساتها العامة تجاه شعوبها، واحترام الانسان لأخيه الانسان وهذا ما ظهر جلياً في تعاملهم مع مختلف الثقافات والألوان المهاجرة اليهم هربا من الحروب والظلم في أوطانهم، فتم قبولهم ومنحهم الأمان وحق العيش الكريم .

في الحقيقة هناك اختلاف كبير لما غُرٍس في أذهاننا وتم زرعه في عقولنا عبر الاعلام والمنابر، فالأخلاق الغربية الفاسدة التي يتحدثون عنها بازدراء، إنما تكمن في نظرة المجتمعات الى المرأة  بصورة عامة، وذلك ما يتم التعبير عنه في ثقافتنا بكلمة “الشرف” وعبر الممارسات القمعية  ضد المرأة، بينما في حقيقة الأمر يحمل مصطلح “الشرف” معنى مغاير تماما أدركته الثقافة الغربية وعملت به، فالشرف يكمن في الصدق بين الناس والأمانة والوفاء والعدل، وفي الكرامة والنزاهة والاحسان، الإخلاص في العمل، والمروءة والشجاعة وحب الوطن، وغيرها من القيم الانسانية النبيلة التي تكرس معنى الشرف بحق، ولا يتجسد الشرف لديهم بالأنثى دون النظر لبقية المفاهيم ، فهم يعالجون تلك القضايا بتعقل عبر النقاش الحر وبدرجة عالية من المنطق والصراحة دون فرض الرأي أو الحواجز والعقبات.      كم أتألم عندما أشاهد تدهور الاخلاق في مجتمعاتنا، فنحن ندعي الأخلاق ولا نمارسها، بينما هم يمارسونها  قولا وعملا..  الآن ، وكنتيجة طبيعية لخروج النسق الاجتماعي عن مساره،  نحتاج الى حراك إصلاحي يستشعر الناس قيمتهم الإنسانية من خلاله، وذلك للتحديث والتغيير وإعادة بناء مجتمعات أخلاقية متماسكة مستقرة، بعيدة عن التعسف والتطرف والفتاوى المضللة الهدامة، حينها فقط سنتمكن من استعادة منظومة القيم الأخلاقية التي غادرتنا منذ زمن ….

رأي اليوم January 2, 2019

الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

قصة الدجاجة المذعورة للأطفال ومفهوم العنف / صباح بشير


قصة الدجاجة المذعورة للأطفال ومفهوم العنف


يحب الأطفال القصص ويستمتعون بها بما فيها من حوار وعوامل جذب وسرد شيق، فهي عمل فني متكامل يستثير اهتمامهم، خيالهم ومشاعرهم ، يستمتعون بها ويتعلمون منها فتمنحهم الشعور بالمتعة الانفعالية والجمالية.

أتحدث اليوم عن قصَّة ” الدجاجة المذعورة ” للكاتبة نزهة أبو غوش، والتي صدرت حديثا عن دار الهدى للطباعة والنشر حيث تقعُ القصة في تسع وعشرين صفحة تزينها رسومات معبرة للفنانة منار نعيرات.

بداية أود أن أبارك للكاتبة على هذا الإصدار مع تمنياتي لها بالتقدم والنجاح ، كما أشكرها على اهتمامها بعالم الطفل وطرحها لفكرة عميقة من خلال سرد بسيط  احتوته هذه القصة الصغيرة ، فالاهتمام بأدب الاطفال يُعد مؤشرا واضحا لبناء مستقبل واعد يرتقي بأطفالنا فشكرا للأخت الكاتبة على هذا الاهتمام .

(كُتبت هذه القصة بلغة سهلة حيث تتحدث باختصار عن خلاف يقع في حديقة للحيوانات، بين الديك الذي صعد في بداية القصة فوق السور وأخذ يصيح كعادته، نتفاجأ بشخصية الكلب الغضبان (فوكسي) الذي بدأ يشتُم الديك ويهدده، فتقاطعه الدجاجة مدافعة عن الديك مما أثار غضب الكلب فأخذ يلاحق الدجاجة وينتف بعضا من ريشها ! هنا غضب الديك الذي استنجدت به الدجاجة فأخذ يصيح مرة أخرى، تجمعت الحيوانات حول الديك الذي وضح لهم بدوره ما حدث، فاتفق الجميع أن هذا عنف جسدي ولفظي مرفوض في حديقتهم، تمضي الأحداث مسرعة  وفي النهاية وبعد مداولة الأمر تم الاتفاق على وضع القانون الذي سيحمي الجميع من العنف، ثم هتف الجميع : يحيا القانون ) .

أهمُّ ما يميز هذه القصة هو لغتها السلسة المستمدة من عالم الطفل ومعجمه حتى يستخلص منها أهمية وجود القانون لحماية البشر من العنف . القصة غير متعبة للقارئ الصَّغير وبإمكانه استيعابها بسهولة، وبإمكانه أيضا فهم النماذج الموجودة فيها ببساطة ليسقطها على نماذج موجودة في محيطه الصغير، فهي تُعنى في الجانب التهذيبي للسلوك والتصرفات، من خلال لغة مُيسرة سهلة الفهم ، لكن .. لي بعض الملاحظات حول القصة بشكل عام أرجو تقبلها مع كل الاحترام .

العنوان .. حملت القصة بين طياتها فكرة نبذ العنف وغياب القانون وهي فكرة قيّمة يجب أن نعلمها لأطفالنا خاصة وأن العنف بدأ يستشري بشكل واضح في مجتمعاتنا ، لكن العنوان – الدجاجة المذعورة – لم يخدم الفكرة  فقد كان بوسع الكاتبة اختيار عنوان شيق آخر يخدم المحتوى بشكل أفضل .

مع الاسف تفتقر القصة لعنصر الترغيب والتشويق خلال أحداثها، كما وضعت الكاتبة سلوك وتصرف الكلب العدواني في بداية القصة دون تبرير واضح مُفسر للطفل ، فبدى وكأنه شر غير مفهوم أو غير مبرر ! فقد يتساءل الطفل ما سر هذا التصرف السيئ ؟  إذ لم تحتوي القصة على إجابة واضحة تفسر سبب تصرف الكلب أو تشرحه !

تخدم القصة الجانب الاجتماعي اللطيف الذي صورته الكاتبة عبر تجمع الحيوانات في الحديقة ونقاشهم حول سن القانون اللازم لحمايتهم من العنف ؟ لكن، في النهاية لم توضح الكاتبة ما هو هذا القانون الذي تم الاتفاق عليه، وكيف يعمل، وما هي عقوبة من يقوم باختراقه ! نعم هي قصة بسيطة لكن الطفل بدوره يفكر، ثم سيتساءل ما هو القانون، وماذا سيحصل حين يخترق احدهم هذا القانون؟ هنا ..تكون الكاتبة  قد تركت النهاية مبهمة غير واضحة بالنسبة للطفل الصغير، الفضولي بطبعه المتعطش للمعرفة ، مفترضة أن الحيوانات قد وجدت الحل السحري الذي سيُقنع تفكير الطفل وعقله فيكتفي بهذا القدر من المعلومة ، أتصور أن الاطفال اذكياء ويكثرون من طرح الاسئلة، هنا افترضتُ أني قد أكون مخطئة، فقمت بإعطاء القصة لابن اخي (7سنوات) وطلبت منه قراءة القصة، قرأها ثم أعادها إلي مجددا، فسألته هل أعجبتك القصة ؟ أجاب: نعم ، ثم سألني على الفور ماذا سيحصل للكلب حين عودته إلى الحديقة؟ كيف سيُعاقب؟ وكيف سيعيد القانون حق الدجاجة ؟ فبدأت بتبسيط الموضوع وشرحه له باختصار.

لا أخفي إعجابي بالفكرة إلا انها تحتاج لبعض المعالجة، بحيث ترضي الطفل وشغفه في تلقي المعلومة، ثم بعد ذلك تطرح الكاتبة نهاية مقنعة أكثر من خلال السياق، مما سيساعد الطفل على الاستنتاج وتنمية تفكيره وخياله معا.

ملاحظة أخرى، فقد افتقرت القصة الى تحديد المرحلة العمرية لها، وهذا مع الأسف موجود في معظم القصص التي تُطرح لأطفالنا في العالم العربي حيث يتم إهمال ذكر المرحلة العمرية لكل قصة . وبعيدا عن قصة الدجاجة المذعورة فمن خلال تحديد الفئة العمرية للقصة بشكل عام يتمكن الكاتب من تحديد النص لتلك المرحلة التي يكتب لها وذلك لإشباع احتياجاتها النفسية، اهتماماتها، ميولها ومتطلباتها، كل ذلك يُمكّن الكاتب من ادراك ملكة التذوق الفنية والجمالية لدى الطفل الذي يكتب له فيساهم بذلك في توسيع مداركه. كما أن عدم تحديد الفئة العمرية للقصة يؤدي الى ارباك وتردد المربي في اختيار ما يناسب الطفل من القصص.  بالطبع نحن نلتمس العذر لكتابنا وكاتباتنا حول هذا الموضوع بسبب افتقارنا لهذه الدراسات وللأدوات المعرفية الحديثة المتعلقة بهذا الشأن في عالمنا العربي بصورة عامة ، لكن .. هذا لا يعفي الكاتب من محاولة البحث ما أمكن قبل الشروع في الكتابة ، فمن المهم أن يمتلك الكاتب الوعي والمعرفة ، ليتمكن بذلك من معالجة فكرته التي يطرحها عبر قصته والتي تناسب عمر الطفل وطريقة تفكيره كما تتناسب مع البيئة والمحيط من حوله، فالقصص والحكايات التي كانت تقصها علينا الجدات لم تعد تصلح لهذا العصر، لأن الطفل ابن جيله وعصره وزمنه، وأرجو هنا عدم الخلط بين هذه الملاحظة وبين القصص الشعبية التي  تحفظ التراث من خلالها، فذلك شأن آخر لن أتطرق إليه هنا.

نحن اليوم لا نستطيع إنكار هذا الكم من المعلومات والصور التي تتدفق من حولنا عبر الانترنت  فيراها أطفالنا، وهم على اطلاع مستمر بما يحيط بهم، فهذا عصر التقنيات وتكنولوجيا المعلومات ، بالتالي يجب أن لا نغفل عن كل تلك الادوات المتوفرة والتي تحرك رغبة الطفل في التعلم والتطور، هنا نستشعر مدى حاجة أطفالنا إلى القراءة الممتعة المفيدة التي يجب أن تجتذبهم من أضرر ألعاب الإنترنت .. لذا علينا حث أطفالنا على قراءة القصص والتعلم منها،  لكن على أن تحتوي هذه القصص على المتعة والفائدة، ومن ثم العبرة التي يستنبطها الطفل من خلال القراءة، فتساهم في بناء شخصيته وغرس القيم الانسانية به.

تمتلئ مكتباتنا بالقصص، منها الجيد ومنها ما دون ذلك، المطلوب منا أن لا نقوم بإعادة إنتاج وتقليد الحكايات المتوفرة في المكتبات كمصادر لأدب الأطفال مع إضافة بعض التحديث، فالعالم من حولنا مُتغير مُتجدد، ونحن لا نريد التكرار لأطفالنا، نحتاج للاختلاف الخلاّق الذي يغرس الاتجاهات الايجابية في نفوسهم وذلك لبناء جيل مختلف مبدع  يكون امتدادا لنا .. يحضرني هنا بعض ما سطره الأديب العربي الكبير جبران خليل جبران حيث قال : أولادكم ليسوا لكم ، أولادكم أولاد الحياة المشتاقة إلى نفسها ، بكم يأتون إلى العالم.. أنتم تستطيعون ان تمنحوهم محبتكم .. ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم أفكاركم ، لأن لهم أفكارا خاصة بهم .. نفوسهم لا تقطن في مساكنكم ، فهي تقطن في مسكن الغد الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم 

صحيفة رأي اليوم / December 26, 2018

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2018

(واعثري على ذاتِك - Emmanuel Garant- لوحة للفنان إيمانويل جارانت) ...


رحلة إلى ذات امرأة ..!


الفنان الكندي – إيمانويل جارانت Emmanuel Garant – ينتمي إلىالمدرسة الواقعية الرومانسية في الرسم، فهو عادة ما يصور شخصياته في أجواء رومانسية لطيفة، تعطي انطباعاً جديداً من الجمال والعواطف الجياشة الحيوية، فهو يمتلك نظرة ثاقبة تكشف لنا عبر لوحاته الرائعة كل ما يلتقط من أفراحٍ وأتراح وصراعات وحزن .. عند قراءة هذه اللوحة وبعض التحليل، نلمس العلاقة اللا متناهية فيما بينها وبين لغتها، حيث يقدم الرسم هنا ما لم تتمكن اللغة من تقديمه، وهكذا نستشعر العلاقة الأكثر رحابة وشفافية على الإطلاق . 
جمال هذه اللوحة يكمُن في حبكتها المنطوية بين الألوان التي تنساب برشاقة ضمن أسلوبٍ تَوّاق شيّق، وهي تحكي ببساطة عن أحد المشاهد الحياتية الإنسانية .. تبدو لغة الجسد لهذه المرأة واضحة، فهي تقاوم الحزن المكبوت في أعماقها، قد يُفسر ذلك على أنه طابع متجاوز ضمن لغة رمادية صامتة فيما بين الكلمات والأشياء والموجودات مما شكل طبقات عديدة أحاول تفسيرها.
ظلام يُخيّم على المشهد ويلف تلك المرأة، وكأنها تجلس في محراب من العتمة، فيخيم الصمت المطبق فارضاً نفسه مع أسئلة من الصيرورة والكينونة والواقع، وفي مشهد واضح مَنحتُ هذه اللوحة عنوانها التلقائي “اعثري على ذاتك”، بكل ما شمل من العزلة والوحدة، فالمرأة هنا غارقة مستسلمة للحزن والانطوائيّة، وتكاد عيناها أن تذرف دمعها وأوجاعها بألمٍ وصمت.
حين تتعرض المرأة لنكسة عاطفية تفتقد للبسمة، تلك التي كانت تهطل عليها بالأمل، فيتسلل الشعور بالعجز والإحباط إليها جاعلاً إياها تُراوح مكانها حزينة خلف سحب رمادية كثيفة، لتنفي نفسها خارج الزمان والمكان ! وعن كل الحكايا والقصص والنور والظلال والألفة والانسجام، وبغصة شديدة تفصل بينها وبين دفئ الألوان والأطياف والفرح، شعورٌ غامض يتسلل إليها وينساب ليستعير منها الهواء ذاتها مختطفاً منها أعذب الأيام، هارباً بعيداً تاركاً لها جروحاً نازفة موغلة، لتهزمها المسافة بإيقاع من الأنين على شواطئ الخيبات الممتدة ! 
لقد أثّرت بي هذه اللوحة لدرجة أنني قمت أحادث تلك المرأة اليائسة الحزينة فأرشدها قائلة : لملمي جراحكِ واستجمعي قواكِ التي غيبتها تجربة قاسية، أعيدي مجدداً ترتيب أوراقكِ وما تبعثر من ذاتك، شكليها مجدداً لتُصلحي ما احترق منها، وما تشتت في عمق روحك، قرري بناء نفسكِ من جديد، اتركي مراوحة المكان في فضاءات الندم وانهضي بذاتك المتعبة من الخيبة، تناسي وترفّعي، هكذا ستُعلمكِ التجربة الخروج من الألم قويةً مع الاحتفاظ بإشراقة النفس ونقائها مع رؤية عميقة للحياة، مع الوقت ستمتد روحك لجذور قلبكِ مؤكدةً بأنك تتأصلين سكينةً وطمأنينة، فأحيانا القليل من الثقة في الحياة يكون مفيداً لنا، وهو ذلك السر الذي يمنحنا القوة، فعلى الإنسان أن لا يخاف من تجاربه وأخطائه السابقة، وعليه أن لا يسمح للماضي أن يتحكم به.
أخيرا أقول : كنت قد قرأت قبل سنوات هذه المقولة الرائعة ” إذا كنت تثق بالحياة فستمنحك الحياة ثقتها ” هذا يعني ضرورة الوعي بثقافة الحياة، والتمسك بالنور والأمل حتى الالتقاء مع آفاق فجر يوم جديد.
نشر في مجلة أصحاب : الأربعاء – 5 ديسمبر 2018 

السبت، 1 ديسمبر 2018

في الحديقة ..



كم أعشق ورود وأزهار حديقتنا ، تلك التي تعيد إلي الحياة كلما أبصرتها فأراها تعيش صامدة ، حيث تمضي الرياح دون أن تهزها .. متجددة نضرة متألقة ، تطل متمايلة وكأنها تتراقص على نوافذ المنزل وجدرانه بكل رفق .. لا تلبث أن تذبل حتى تزهر متفتحة من جديد .. فنتعلم منها حب الحياة حين نراها مبتهجة بجمالها تناضل لتعيش سُوَيعاتٍ أخرى مشرقة لأجل فرح آخر ، وكأنها تسخر مبتسمة من إحباطات هذا الكوْن الذي يعج بالنفاق .... 
أزهار حديقتنا جميلة طبيعية غير متصنعة ، لا تتأثر بما يحيطنا من أحداث اجتماعية وسياسية أو معارك حياتية ، فهي لا تعترف الا بواقعها البسيط ، تربتها .. الماء والهواء ، هي لا تهتم بالمدن ولا يعنيها التاريخ ، تعيش فقط لتزهر ، فتُنضِج جمالا ينير واقعنا والخيال ، والحمد لله انها لا تتأثر بالإتفاقيات والمفاوضات والمباحثات ، ولا تعترف بالسياسة الخارجية أو الداخلية ولا يعنيها الزعماء أو الوجهاء .
جميله هي تبهج الناظر اليها فقط ، وفيّة لقلب غارسها حيث تُنبت له الفرح من خلف جدرانه ، فتولد معها أحلامه الملونة ليراها تنثر الأمل من حوله في كل مكان ، وكلما حوصر غارسها بمجريات الحياة وضاقت عليه أنفاسه .. يتأمل ذلك الجمال ويستنشق عطرها فتستعيد روحه ما ذبل منها من حِس وشعور .. وتنتعش نسماته في عالم أخضر ساحر مطرز بالألوان والفرح ..
جميلة هي حتى في رحيلها ! حيث تغادر منتفضة كفارسة في أرض المعركة.. ترحل واقفة رغم ذبولها فلا تمنح الحاسدين فرحة هلاكها ، وفي ساعات اليوم التالي حين تشرق الشمس تتفتح أزهار جديدة فتمنحنا الحياة والأمل والجمال من جديد .....





الاثنين، 15 أكتوبر 2018

إحدى طرق تعريف الحب...






من المؤكد جدا أن الشخصيات الحنونة غالباً ما تحب وتجذب نظائرها إليها ، أما تلك التي تفقد توازنها كثيرًا خلال مراحل الحياة ومواقفها ، فغالبا ما تسبح ضد تيارها لتجدها لا تحب إلا أضدادها !
 لحدوث شرارة الحب .. على النفوس أن تكون أصيلة خيّرةً معطاءة في طبعها ، فالجمال النفسي هو المصباح الذي يضيء به الحب ويزهر به العطاء ، أما النفوس المظلمة تلك التي تفتقر الى النماء ، فليس لديها ما تعطيه أصلا ، ذلك لأن الخير فيها غير أصيل وهي لن تتمكن إلا من نثر أشواكها جانباً وعلى كل طريق ! 
يحضرني هنا ما قاله الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي : ‏وما زالت الشمس وبعد كل هذا الزمن ، لم تقل للأرض "إنني ملكك" ، أنظر ما يحدث مع مثل هذا الحب ، إنه يملأ السماء نورا وبهاء ..

الاثنين، 11 ديسمبر 2017

صباح بشير: الكتابة.. ابداع ينبض بالحياة

مع كل كتابة إبداع جديد هنالك ولادة جديدة تدفع بقدرات صاحبها نحو إنجاز ما لتخلق معه الخلود، فالكتابة تمنح الكاتب أن يتأمل الواقع بكل أحداثه وهمومه وتطلعاته ليعبر عن ذلك ببصمةٍ دامغة تتفجر من وجدانه وعواطفه وأفكاره، فيتعمق فيها القارئ متأملا ذاته وروح الكاتب تلك التي حضرت المكان عبر كتاباته.

الكتابة تبوح وتسرد كل ما يثور ويدور في عقل صاحبها لذا فهي تعبر عن ذات الكاتب الإنسانية ومشاعره وأحاسيسه، وكم من كتّاب ناضلوا بالكلمة الحرة ليساهموا بذلك نحو التغيير الأفضل، هذا هو دور الإبداع في تنمية شخصية الإنسان والنهوض به، فهو وسيلة للتعبير عن مكنونات النفس البشرية التي نحتاجها بين الحين والآخر عبر التدوين والكتابة، وهي الطريقة الأكثر فاعلية يتبعها من يَصدُق المساهمة في إحداث التغيير والإصلاح في المجتمع، وذلك من خلال طرح الأفكار وإيصالها للناس، خاصّةً إن تمتّع الكاتب بأسلوب وقلم شيقين.

قرأت ذات مرة هذه المقولة: إن أضعف حبر يكتب به القلم لهو أقوى من أي ذاكرة إنسانية! هنا صارت الفكرة تنبثق من وجداني وترتقِ بي إلى عالم له خفاياه ومزاياه، فبت أصبو لأصعد أدراج الحياة متكئة على حروفي التي لا تزال تهطل من حين لآخر كنسمة منعشة فيخضر قلبي بالأمل، من هنا أدركت سبيلاً لمقاومة انطواء العمر! فلربما يحتفظ الكاتب بالزمن عبر ما يخطه بشهادته على عصره وما ينبض به من فكر وشعور ، فإن كان ما يُدَونه أصيل فسيبقى ليعيش ويخلِّد معه روح اللحظة التي لن تتوارى أبدا بعد كتابتها، ولن تُطوى بفعل الزمن الذي عادة ما تجتهد في استباقه كل الأشياء والموجودات، فحين تُخَلَّد الفكرة بعد الكتابة عنها والتي نعايشها كموجوداتٍ بشرية، فإنها تقيم وتبقى لتعيش معنا عبر لحظاتنا الزمنية .

هكذا أدركت معنى البقاء، وفهمت بذلك معنى صمود الإبداع في مواجهة العبور الزمني الخاطف نحو العدم، فهنالك أحداث تمر مشكِّلة عمقاً في الذاكرة إلى الأبد مهما ضعفت بهيئتها وإيماءاتها، وأحداث أخرى تهرب من ذاكرتنا فلا يتبقى منها أي رسم أو صوت أو صورة، وفي النهاية قد تبدو المواقف وحدها هي التي تغزو الذاكرة، وما نحن إلا حصيلة المعايشة الحقيقية للواقع بما يستنبته في تربته تاركاً أثره العميق فينا. فحينما تتكاتف على الإنسان الظروف أو المواقف ويشعر بثقلها يجد نفسه منخرطاً قسراً في الألم، فيضجر من كل تلك الضوضاء ويقرر النأي بذاته عن حالة الكآبة التي وقع في فخها! في مثل هذه الأوقات يحتاج الإنسان الى التواصل ليستعيد معه الحياة، من هنا كانت الكتابة هي إحدى وأهم طرق التواصل التي تساعد الانسان في العودة إلى ذاته مُتَوجِّها إلى الحياة مستمتعاً بمباهجها، فمن خلال ما يبوح به الكاتب عبر سطوره معبراً عن تجاربه الحياتية وأفكاره وآرائه، استنتاجاته وخبراته وأقواله، يضيف بذلك تجربته الكتابية والإبداعية إلى المسيرة الإنسانية في محاولة لتقريب المسافات فيما بينه وبين القارئ .

وعن نفسي فأنا لا أجزم بأني كاتبة، لكنني أحب الكتابة حقاً فهي تعبر عني وتشعرني بارتباطي الإنساني مع الحياة، قد تكون تجربتي عبر الكتابة حتى الآن قصيرة، إلا أنها تُكتَب بتلك الروح الثورية التواقة إلى الحياة التي لا زال فيها ما يدهشني، ولا زال قلبي يتدفق مكتظا بجمالها رغم وحشة الواقع ، قد أتعثر في الكلام فأصمت، لذا عادةً ما أحاول التواصل مع الآخرين عبر ما أبوح به من الحروف التي تفتح بابي أليهم فتطرح رؤيتي ووجهات نظري بكل بساطة. هكذا أمضي متطلعة إلى الحياة فأنشغل بها وتنشغل بي لأجد نفسي دائما تلميذة مجتهدة محاولة ابتكار حلولاً عديدة لكثيرٍ من المسائل، وما أن أُصيب حتى يبتهج قلبي بالفرح، فأتوارى خلف الحروف كطفلة صغيرة تقودها امرأة مزهُوّةً بالثقة، فلا ألبث أن أهدأ حتى أعود للانشغال مجددا لاهثة خلف مسألة عالقة جديدة تتطلب مني حلولاً لم أتعرف إليها بعد، فأهرع إلى الكتابة التي دائماً ما تبدد وحشتي وتوَّثِق علاقتي بواقعي والمكان ، وتجمعني بمحيطي وتنادي على مفرداتي بما فيها من أفكار وأماكن وشعور، فأتظلل بظلها وأطل بها على زمنِ ومكان آخر ، لذا سأظل أكتب ما حييت متكئةً على حروفي حتى يكتمل المشهد ويتوارى المساء على شرفات الياسمين……


صحيفة رأي اليوم 

الجمعة، 1 ديسمبر 2017

محاولة لإيجاد بقعة من نور / صباح بشير

في محاولة لممارسة النقد، على مركبات الواقع الاجتماعي برؤيته الحالية، وذلك لبلورة رؤية جديدة قد تساهم في تحريك واقعنا الذي يمر في مرحلة بائسة تتوغل بالتناقضات في شتى مناحي الحياة ، بالإضافة إلى ردود الفعل السياسية والفكرية والظلامية الدينية، وغياب الحياة الديمقراطية والهجوم الدائم على التفكير ومنع الحريات بكل الطرق المتاحة، وانحسار التيارات العقلانية وغياب التفكير المنطقي. من هنا تظل فكرة الإصلاح الاجتماعي والفكري هدفا حقيقيا لازما لإعادة صياغة الذات بعواملها المعرفية اللازمة لبناء التغيير الإيجابي المطلوب، ذلك الذي يحمل بين طياته بذور التحول القادم لخطوات حقيقية نحو الأفضل، وتهيئة الاجواء العامة لتكون مستعدة لقبول إعادة بناء العقليات الفردية والجمعية وتشييدها، ذلك لأجل النهوض وتحرير الإنسان من القيود التقليدية التي عادة ما تقف حائلا كعثرة فكرية مقاومة للتغيير  فيما بينه وبين الوصول لرؤية إنسانية عصرية شاملة، إذ كلما اشتدت التحديات تشتد الضرورة للتغيير ، فالجمود والركود يُقعد عن الحركة والنمو، كما يعيق صحة الاستجابة للتحديات المعاصرة.

نراقب العالم اليوم، فنراه يسير متسارعاً نحو التقدم، أما نحن فنراوح المكان في حالة من الوهن والتراجع، ننفض الغبار عن أنفسنا، ذلك المتراكم عبر الزمن،  فمجتمعاتنا بكل أسف، تعبر عن حالات عقيمة كحصيلة طبيعية لما مرت به من أحداث وأهوال، حيث تكدست لديها التناقضات وافتقدت لكل عوامل الانسجام. وها نحن نشاهد الطيب الوديع يُقابل بمنتهى القساوة، أقوى علاقات المحبة والاحترام تُقابل بالسلوكيات العدائية والدعوة إلى الكراهية وزرع الاحقاد! أما أجمل التعابير والعواطف الصادقة فيقابلها ألفاظ قبيحة في المعاني والتعابير والجحود، وحين نجد شخصاً يتفانى في عمله محباً له فإنه يُصدم بالمقابل مما يواجه من فقدان الإحساس والاستهتار والتنصل من المسؤولية و جُلّ القيم !

هنالك الكثير مما يدعونا للتأمل والتفكير، فكيف لنا إذاً من تجدد الروح والانبعاث الفكري والاخلاقي لمواكبة التقدم، وسد كل النواقص والفجوات؟  كيف يكون لنا ذلك ومجتمعاتنا تواجِه بالرفض أي فكرة جديدة تخالف الموروث والمعروف ، المعتاد والمألوف؟

نحن ومع الأسف لا زلنا نتشبث بكل الافكار التي ألفناها والسلوكيات الاجتماعية  التي تعودنا عليها دون أي تفحص أو تفكير، ودون النظر إلى مدى صحتها وصلاحيتها !  ودعونا لا ننسى داء التعصب للرأي، حيث لا يتم الاعتراف بآراء الاخرين ووجهة نظرهم مهما كانت منطقية، من هنا يكون الجمود الذي لا يسمح لنا بأي توسع في الرؤية، هكذا حتى أُغلق باب الحوار والتفاعل مع الثقافات الأخرى .

من هنا فإنه وجب النداء إلى التغيير المساهم في تعديل المعتقدات البائسة السائدة، وذلك لاستبدالها بما يتناسب مع العصر وتحدياته الراهنة من خلال أطر فكرية وقيم حضارية تنبه وعينا إلى مَقَابِح الواقع، وتحفزه للمضي قدما نحو الامام في محاولة لتفكيك التناقضات ووأد التخلف. لقد أصبح التغيير مُتطلباً ضروريا للبقاء ، نكون أو لا نكون ، فالتغيير الفكري ليس مجرد مرحلة من مراحل انتقال المجتمعات ونموها ، بل هو العنصر الديناميكي الضروري لخلق واقع إيجابي متحرك ، للوصول إلى التواصل الحضاري الإنساني البنّاء الذي يربط البشر ببعضهم البعض، كما أنه يعيد  خَلَد البناء مع كل عملية تَجدُد لتُبعث فينا روح الحياة.

- نشر في صحيفة رأي اليوم بتاريخ - 

الثلاثاء، 4 يوليو 2017

صباح بشير: الاغتراب في الوطن

منذ مدة ليست بالقصيرة بدأت أشعر بأن كثير من الصور الحياتية قد فقدت بريقها الذي كنت أعهدها به، إذ وأنت تخوض حياتك في ربوع وطن حزين تنبت منه ليعيش فيك، منغمساً بأيامه وحكاياته وأحداثه المتدفقة، وفي ظل واقعٍ غريبِ الوجهِ كئيب الملامح، تشعر بأنك غير قادر على الانعتاق من نفسك التي تواجه ضبابية ما في العثور عليها، ولوهلة .. قد لا تتمكن من المضي قدما فالمعاناة من عدم الانسجام مع المحيط من حولك تجعلك نهبا للأفكار الانعزالية، أحاسيس مبهمة ومشاعر متناقضة! فلا شيء ينتمي إلى ما تشعر أو يحرك فيك ما قد يثير الاهتمام، لا تلك المعايير الاجتماعية السائدة من العادات والتقاليد البالية أو الأفكار أو الطقوس المختلفة، ولا تعاملات الناس أو سلوكياتهم، أفراحهم، أتراحهم! لا شيء يشدك لتتفاعل معه، لدرجة أن كل هذا العالم من حولك قد يبدو غريب وبعيد عنك، لا تمثله أو يمثلك بشيء! تقف مراوحاً مكانك في فراغ وجودي وإحساس بالعجز من عدم القدرة على تغيير المحيط من حولك، يشدك الى العدم وإلى تلك الحياة المفرغة من الحياة! الغريب في الأمر أن ما قد يضايقك أو يزعجك قد لا يضايق أو يزعج الكثير من الناس، فكل صورة نعايشها في حياتنا قد تحمل الكثير من الدلالات والمعاني لكن اختلاف المتلقي قد يجعل من الصور المرئية المُعاشة قابلة للعديد من القراءات المتباينة المتفاوتة، وهكذا فإن كل إنسان يقرؤها بقدرته الخاصة على قراءة المواقف والأحداث أو الكلمات والمعاني والصور، وذلك بمستوى وعيه ومن خلال تجاربه الحياتية وفقا لثقافته المكتسبة ضمن إطار معين في محيطه وبيئته وتربيته الخاصة.

حزينة أنا على الوطن، فلا أحد يتصرف كمواطن حر كريم، تشعر بأن الفرد مجرد متفرج أو مستأجر أو ضيف عابر غير مقيم! لا أحد يريد أن يكون جزءا من الحل لذا غدى الكل جزء من المشكلة! لا أحد يلتزم بالقانون ولا أحد يؤدي واجباته بإخلاص، تجاوزات لا زالت تعيش مستمرة بقبول الناس بها وتعودهم عليها! بلغت الضوضاء ذروتها وفاق الجهل كل الحدود، استبدت الانانية واختفت روح الجماعة، تلاشت المحبة واستشرى التعصب والحقد ورفض الآخر المختلف! انتشرت ثقافة الكراهية والافناء والمذاهب والإكراه والتزييف والتأوييل وكبت الحريات! وتناسى الجميع بأننا بشر نتأثر سلبا أو إيجابا بمجريات الحياة.

وفي محاولة يائسة للعثور على بهجة ما تعيد إلى نفسي نظرتها المتفائلة تلك التي عادة ما أطل بها على الأفق، أخذت أفكر متأملة بواقع يفرض نفسه بصرامة، فلست أفهم أنا وقد شارفت على منتصف النهار من العمر حتى بدأت أشعر بما يحمل انعكاساته العميقة على الفكر والروح، قد أعلل ذلك بصحوةٍ متأخرة بعد أن شح عليّ الوقت انشغالا بالحياة، فما عساه ذلك الإنسان المسالم أن يفعل في لُجّةِ هذه الموجة المتلاطمة من الانفعالات النفسية؟ ثم بعد ذلك إن رغبت بالانخراط الاجتماعي وسط كل هذا الضجيج الذي يعج تملقا ونفاقا وتصنعا ومداهنة، لتكون مقبولاً محبوباً بين كل ما ذُكر من ممارساتٍ وتناقضات وسلوكيات، وأحداث وأفعال وصور، فعليك القبول بأن تكون ذاتاً تقليدية، ترى تسمع وتشاهد ما لا يروقك بصمت، دون أي تعليق أو ردود أفعال! كل ما عليك هو أن تهز رأسك موافقاً على كل ما رأيت أو سمعت دون أي اعتراض، بعد ذلك يكون لك الخيار فيما لو فكرت ثم قررت أن تكون كما أنت وعلى طبيعتك ، تعبر عن نفسك وتنطق بلسانك لا بلسان القطيع، هكذا تكون قد حكمت على نفسك أن تعيش مغرداً خارجاً عن السرب، لتصبح مذموما مطروحا، هناك مُبعداً على هامش الحياة!

كان الإنسان ولم يزل يبحث عن كل الحلول الممكنة لتحسين ظروفه القاهرة القابعة على أرض الوطن، وذلك في سبيل كسر كل الحواجز التي قد يعجز في تخطيها مع كثير من الأسئلة المربكة التي قد لا يجد لها إجابات واضحة أو تفسير، لكنه بعد اليأس يبدأ البحث عن حاضنة أخرى بديلة مهما كانت غريبة أو جديدة، فقد تساعده على التصالح مع ذاته والحياة وتسهل عليه العثور عليهما، هكذا يكون الوطن الأم قد فشل في تحقيق ذات الفرد، كونه غدى طارداً للنخبة الصفوة من أبنائه، جاعلاً منهم يغطسون في يأس وانشطار وغربة موجعة في ظله بين أهلهم وذويهم، وحينئذٍ قد لا يعود هناك أي مبرر للبقاء في مكان قد طالته شيخوخة مبكرة في الممارسات والسلوكيات، والتوجهات والأفكار والعلاقات الإنسانية.

إن ما يعزز شعور الإنسان بالاغتراب في وطنه هو ذلك الإحساس المقيت بالغربة عن المحيط، مما يزيد الهوة اتساعا! شعور يجعلك هائما على وجهك يمنعك من التفاعل مع الاخرين أو التودد إليهم، لتضعف بذلك الأواصر وتختفي الروابط! فكل الأحداث والوقائع المحيطة بك تشعرك بأنها قد فَقَدت كل دلالاتها ومعانيها، وحين تتأمل مَن حولك فإنك تستغرب من سعيهم خلف أفراح كاذبة يتشبهون فيها بعضهم ببعض عبر تقليد أعمى في عالمٍ زائف ليس لهم منه شيء! وها هي كل المستجدات والأحداث من حولك تُعلِمُك بأن أحلامك لا زالت مؤجلة، فهي مرتبطة بوصول ذلك اليوم الذي تتحقق فيه كرامة الوطن باحترام الإنسان! وحتى ذلك الوقت هل تقبل أن تعيش بانفصالٍ تام عن واقعك؟ وهل توافق أن تحيا الانبتاتٍ المؤسف على ماضيك وحاضرك وانعدام الثقة بمستقبلك؟ شعور مقيت بالعجز والقهر والحيرة، يا له من يقينٍ حزين حين تتناثر مشاعرك مستفيضةً مدركةً حجم خسائرك التي غدت تركض أمامك تجرجرُ أذيال خيبتها بما كان وما هو كائن، لتبيتُ فيك تفاصيل الخيبة وكل الترسبات ومشاعر الاستلاب والاغتراب!

وباختصار لأنك لا تريد أن تحقد أو تَكره أو تجرح أحدا، تقرر النأي بنفسك حزيناً تاركاً جسد الوطن، منسحبا من كل الأمكنة بكل ما فيها من فصول، بأشجارها وأوراقها المتطايرة المتساقطة على أرض تتعطش للحياة، تقرر أن تنسل هناك بعيدا عن كل الوجوه العابسة والأجساد المرهقة والأفكار المتيبسة والقلوب المتعبة، تلك التي ملأتها الرجفة والخوف، مبتعداً متنحياً عن كل الانشطارات والمساحات المرعبة من الأحداث والأفكار التي لم تعد لك طاقة على حملها، تاركاً من خلفك كلَّ الهواجس والمُجريات وكل المسارات، وكل الكبار والصغار، وعالمهم الضيق الذي لم يتسع يوما لك، مناديا نفسك والكون بكل ما أوتيت من نبض وفكر وشعور : حيَّ على الحياة …

- صحيفة رأي اليوم 

الجمعة، 23 يونيو 2017

صباح بشير: الأصولية.. ثقافة أم ظاهرة معاصرة


نواجه اليوم معضلة كبرى ضمن حدود وطريق ضيق المخارج، وذلك بتغيير وتبديل السياسة وتحويلها إلى دين من خلال إعادة تفسير الكثير من النصوص الدينية وتقديم قراءاتها للواقع المعاش، وعلى ضوء تلك التفسيرات نجد بأن هذه القراءات تتحول تدريجياً إلى أيديولوجيا دينية تجعل من السياسة وكأنها تبدو ممارسة دينية قد فُرِضت على المؤمنين أينما كانوا، محولةً الرؤية كاملة لمواقف دينية إقصائية تتبنى خطاب الكراهية، ذلك البعيد كل البعد عن الهويات الروحية للناس التي يجدونها في الدين مستشعرين راحتهم النفسية من خلالها.

هكذا تم توظيف الدين لخدمة السياسة، وهكذا استُخدم العنف وبُرِّر بإضفاء الشرعية على ممارسته، كذلك يتم استغلال تَديّن الناس ضمن قضايا ومآرب واقع المصالح، فما فَتِئَ الدين يوما من قوته العظيمة في إعجام إرادة الشعوب وتحريكها نحو التحدي والمقاومة، وهنا تبرز خطورة الايدولوجيا الأصولية التي تخلق العداء للحضارة المعاصرة وللآخر المختلف وكل تقدم حضاري وثقافي! فهي عادة ما تُهمل المصالح العامة للمجتمع وتعمل فقط على فرض رؤيتها الخاصة، لتجعله غارقا في دوامة من الصراعات الدينية والطائفية والعرقية، متناسية بأننا نعيش عصر التقدم العلمي والفكري والتغيير والإنجاز في جميع مناحي الحياة المختلفة، فلم يعد متاحا اليوم للبشرية أن تعيش عصور الجاهلية الأولى لترضي تلك الرؤية الأصولية المتطرفة التي لا زالت تعيش بفكرها ضمن تلك الحقبة الزمنية المتحجرة! كما أن الأصولية تتجاهل تماماً بأن ثقافتها البائدة تلك التي وُلِدَت ضمن عصورٍ تحمل ثقافة أصحابها ونمط حياتهم، إنما هي تختلف اختلافا جذريا عن واقعنا وعصرنا الحديث، فما الثقافة إلا نتاج فكري ينمو ليعيش ضمن عصره وواقعه وزمنه، وانعكاس لظروفه المُعاشة في وقته وحينه، كما أنها تحمل كافة المخرجات للبيئة الاجتماعية والنفسية التي أنتجتها، وهكذا فإن لكل عصر فكره وثقافته، ولكل ثقافة معطياتها، فلا يجوز بأي شكل من الأشكال فرض معطيات الثقافات القديمة على واقعنا المعاصر، فحقيقة معطيات تلك الآيديوليوجا إنما تتمثل في مجموعة من الأفكار المنغلقة على نفسها فقط، وبرأيي الخاص ومما لا شك فيه بأن سقوط تلك الأيديولوجيا الأصولية التي تناهض الحياة بكل تفاصيلها وتتعارض مع منطقها وتحرَم علينا تفاصيلها، بل وتتناقض مع الإنسانية لما تحتويه من كراهية وإرهاب جسدي وفكري، هكذا فإن سقوطها أمر لا بد مُحتَّم وهي مسألة وقت لا أكثر، قد يطول وقد يقصر، هذا ما لا أعرف، إنما علينا بالتمسك بما أمكننا من الحلول التي تنادي بفصل الدين عن السياسة، فالدين بقيَّمِه القادمة من رحم الثقافة هو مسألة فطرية ترتبط بالناس ارتباطا وثيقاً، لذا فمن الأجدر أن تُترَك للناس حرية ممارسة الأديان بعيدا من السياسة، وأن تمارَس السياسة بهدف السياسة واسمها لا باسم الدين، ولتُترك للناس حرية اعتقاداتها وأفكارها دون فرض القناعات والمواقف والتفسيرات لفكر معين عليها، ودون تخويفها وتكفيرها وتهديد حياتها بالخطر، فلا أحد يملك الحقيقة الكاملة المطلقة، لذا فلا يحق لأي إنسان أن يدعي بأنه صاحب الفكر الأفضل وأنه صاحب الفضيلة وأن له الحق بفرض فكره الديني على الآخرين.

علينا أن نتعايش ونتوافق دون أن نضر بقناعات الآخرين والسعي لإلغاء وجودهم، على الجميع أن يناضل لأجل استحضار كل القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية بكل أبعادها والتي تحقق المصالح العامة للجميع دون استثناء، لننبذ كل الأفكار الأصولية المتطرفة التي تدعو لإلغاء الآخر والقضاء عليه، فظاهرة بروز الأصولية الدينية المتطرفة تهدد مجتمعاتنا بخطر حقيقي يتربص بمستقبلها عبر خطابها المنغلق وتعصبها تجاه الآخرين ومجاهرتها بالعنف وتبنيه كحق طبيعي للدفاع عن مصالحها الخاصة مانحة إياه مسحةً مباركة مقدسة.

الآن وبعد كل ما وصل اليه الإنسان من تقدم علمي وتكنولوجي، لماذا يتمسك البشر بالأصولية وثقافتها البائدة؟ لماذا نصر على إحياء مقولاتها الآفلة؟ وكيف لنا أن نواري إنسانيتنا أمام سوق الاستهلاك الديني الذي طالما روجت له الفضائيات التلفزيونية ووسائل الاعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي لتروض به عقولنا وتشل به حواسنا حتى نستسلم حين نشاهد رجل الدين المنفعل الثائر الذي يحث الناس على ردود الأفعال الغاضبة العنيفة!

هكذا سُخِّرت المنتجات العقلية العلمية الحديثة للتآمر على عقولنا وإنسانيتنا معلنة حربها المقدسة على الحياة.

- صحيفة رأي اليوم 

الاثنين، 8 مايو 2017

لون من ألوان الحياة

في هذا العالم المتكدس بالشعارات والخيالات وكثير من اليقينيات والحتميات والعديد من الصور الإنسانية المشوهة، يتسلل الضجر والارتياب والسأَم إلينا لنشعر أحيانا بإحساس هادر يشدنا إلى البعيد هربا من كل الضجيج والنفاق والقلق وكل تلك الفوضى من حولنا، حيث الموسيقى التي دائما ما تعلمنا تدوير الألم وتحويله إلى سكينة وطمأنينة وهدوء نفسي، لنتناسى بذلك ضعفنا وخوفنا وكل الشروخ والخسائر والألم، فنعيش على أنغامها زمن من البطولات والجمال والعذوبة، حيث الكون المتسع بمساحته الشاسعة من الحرية بكل جمال ألوانها وأطيافها.

الموسيقى، ما هي إلا فكر العقلاء وفنهم، فمن خلفها أحاسيس وعواطف تلك العقول السليمة المحركة التي تشدو بنداء القلب مطالبة بالحب والسلام والأمان عبر إيقاعات الحياة النابضة بألوان الحياة، لتُقبِل علينا بتناسق قوالبها المعمارية وتَقبُّل الإنسان لأخيه الإنسان دون النظر لجنسه أو لونه أو عرقه أو مُعتقدِه، فتعبر بذلك الموسيقى عما تعجز عنه الكلمات، فهي الأكثر إلهاما لطالما كانت وستظل تكون، وهي تُشعل فين لهيبا قد لا ينطفئ من عشقٍ صامتٍ وطرب، حيث تجعلنا نذرف الدموع طربا وتأثراً بها، حباً أو نبلاً أو لفرط الإحساس.

تؤثر الذبذبات الموسيقية على الأعصاب فهي تبعث في النفس إحساس عميق بالاسترخاء والراحة، وهي فعالة جدا في القضاء على كل مسببات الكدر والكآبة وكل ألم نفسي أو معنوي.

يأسرنا صوت العود فهو من أجمل الآلات الموسيقية بعذوبة ألحانه، كما نعشق صوت آلة القانون بعراقته وأصالته الثرية الغنية، أما صوت الناي وأنينه وشدوه، فيسلبنا من أنفسنا آخذاً إيانا هنالك صوب السحاب لنحلق في الهواء فيما ما بينَ الأرض والسماء، ولترتجف قلوبنا طرباً في كل مرة نسمع فيها لحن عذب شجي جميل، هكذا هي الموسيقى تحاكي المشاعر والإحساس وتفتح بها أرواحنا على أسرار وآفاق ومسافات، تستثير فيها كلمات تعادل الصمت سحراً، همساً وخيالات.

وينسكب الزمن مسرعا فلا نشعر بسطوة الوقت ولا كيف تُسرق منا اللحظات حين نصغي إلى الأنغام فنشعر بكل مواطن القوة فينا أحيانا، في عالم يصدح بالفرح، ويهمس أحيانا أخرى في القلب كحزنٍ صامت أو تَرَح، فتتراقص الدهشة منا طربا وتعلن بذلك الكلمات انسجامها مع النغمات لتسمو هنالك في الأعالي فترتقي في عالم من الغِبطة والهيام، وننسى همومنا والأحزان، وتنقي رقة الألحان مسامعنا من كل ركام وجَلجلَة وصخب، فتدغدغ مشاعرنا حين يدندن الوتر لحنه في الأذن، معبراً مؤثرا بنا، لنكتب به حكاياتنا بدموعها والابتسامات، وتنبت في قلوبنا حقول ونسمات وخطوات تسير بنا نحو الأضواء، حيث تُشَدُ أرواحنا لعالم من النقاء والارتقاء.

لا زال هناك متسع من الوقت لنصلح ما تصدع في أرواحنا واغتالته المتاهات عبر كل تلك الاضطرابات من حولنا، فدائما ما تُعلمنا الموسيقى الخروج عن المألوف، فليست الحياة بما نفعله ونمارسه فقط بشكل يومي وبذات الطريقة المحددة التي تسير على ذات النهج والوتيرة في عمل كل الأشياء، إذ لا بد لنا أحيانا بشيءٍ من الجنون، فما نحياه من الرتابة والروتين قد يؤذينا لولا حضور الموسيقى في بعض ثنايا الحياة من حين لآخر، ولولاها لما زهت حياتنا بمتعة الحياة، فهي اللغة التي تحاكي واقعنا بملامح الجمال وتلامس أرواحنا بكل عذوبة لتظهر لنا وكأنها قادمة معتّقَة من حكايات ألف ليلة وليلة، فتروي لنا وتقص علينا كل الكلام المباح في حكايات شهرزاد المتجددة يوميا في عمق قصصها والروايات.

صحيفة رأي اليوم 

الأربعاء، 8 مارس 2017

في يوم المرأة العالمي.. كل آذار وأنتن بخير

تناضل المرأة العربية منذ عقود لأجل تحقيق المساواة الكاملة فيما بينها وبين الرجل في كافة المجالات، ولست أبالغ حين أقول بأن ما حققته المرأة من نجاح في المجتمعات الغربية لم نتمكن من تحقيقه حتى اليوم في مجتمعاتنا، فلا زالت نساؤنا حتى الآن لا تتمتع بذات الحقوق الذي يتمتع بها الرجل، فهي تعاني الاضطهاد الاجتماعي في كثير من المناطق العربية،ولا زلنا نشعر بمحدودية دورها في المشاركة بمعظم الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يشير الى العديد من مظاهر التخلف أحيانا أو الاستبداد والتبعية والجهل أحيانا أخرى في ظل غياب العدالة الاجتماعية. ومع أن هذه القضية تختلف وتتفاوت لدينا من منطقة لأخرى إلا انها لا زالت موجودة نشهدها حتى اليوم، خاصة في المناطق النائية أو الريفية القروية المهمشة، لذا فمن الواضح بإن كل ما حققته الحركات النسوية العربية حتى الآن، هو غير كاف وغير مرضٍ على الإطلاق، بالرغم من وجود الكثير من النساء القياديات اللواتي ساهمن في مسيرة النضال الاجتماعي لأجل تقدم قضية المرأة، هذه القضية التي نتحمل مسؤوليتها جميعا رجال ونساء على حد سواء.

وفي يوم المرأة العالمي نغتنم الفرصة لأجل تسليط الضوء على استمرار الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة بما في ذلك الاضطهاد الاجتماعي أو التمييز وتهميش النساء، سواء كان ذلك بسبب العادات والتقاليد البالية أو التفاسير الخاطئة للكثير من النصوص الدينية، بانتظار ان تتغير كل المعطيات السلبية في الكثير من المناطق العربية إلى الأفضل، وهنا أدعو جميع النساء للعمل لتوحيد طاقات المرأة العربية للعمل معاً لتفعيل دورها والمشاركة في جميع الساحات السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها من المجالات الممكنة لإيجاد ما يمكن من الحلول لكل ما يتعلق بالمشاكل والأوضاع الاجتماعية التي نعيشها.

وفي الثامن من آذار العطاء والخير، وبانتظار فصل الربيع من كل عام، نحتفل جميعا بقلب المجتمع النابض، لنكرم المرأة في يومها (يوم المرأة العالمي) المرأة التي تجسد نماذج الإبداع المختلفة عبر التاريخ وفي كافة مجالات الحياة متطلعة الى الغد الأفضل، وبهذه المناسبة نرسل بتحية تقدير لجميع النساء اللواتي قدمن لأوطانهن أعظم الهبات والتضحيات، فكل التحية الى جميع النساء المناضلات على كافة الجبهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وإلى تلك المرأة المثقفة الواعية لحقوقها وواجباتها، المناضلة لأجل قضيتها ومساواتها مع الرجل رفيق الدرب والحياة، يسيران معا لبناء العقول النيرة، فتحية احترام وتقدير لكل من يحترم المرأة و يعمل على رفع مكانتها ويعترف بدورها وقيمتها وأهميتها في الحياة، وتحية من كل امرأة الى كل رجل يقدرها وينظر إلى قضيتها كجزء لا يتجزأ من قضايا المجتمع، مؤمناً بأن فكرة النهوض بالمجتمع والرقي به لن تكون إلا بمشاركتهما معاً دون تفرقة.

 تحية إجلال وإكبار للنساء الصامدات الصابرات من أمهات الشهداء والأسرى في ظل الحروب والصراعات والانقسامات، نساء فلسطين وسوريا والعراق واليمن، اللواتي قدمن أعظم التضحيات وأقدرها، هؤلاء هن النساء اللواتي نكرمهن اليوم في يومهن العالمي، فهن اللواتي ضربن أروع الأمثلة في التضحية والصبر والفداء.

كل آذار وأنتن بألف ألف خير، دائما ومعا لنتمسك بالأمل ونصبو نحو مجتمع أفضل، أكثر تفاؤلا وإنسانية ورحمة، مجتمع اقل ظلما وعنفا، وأقل تمييزا…

- صحيفة رأي اليوم

الجمعة، 17 فبراير 2017

لنبدل خطاب الكراهية بخطاب الإخاء الإنساني

في كل يوم يسير عالمنا نحو التطرف أكثر وبشكل ظاهر مخيف، فقد يبدو اليوم أنه من الصعب الحديث عن روح التضامن والإخاء والتعاضد في وقت لا تكف به العديد من وسائل الإعلام والقنوات الفضائية في هذا العالم عن الحديث وبث صور الكراهية والتعصب بكل أشكاله، مما ساهم في غرس نزعات وأفكار الكراهية في عمق المجتمعات الإنسانية، خاصة بعد الإخفاق المستمر في زرع بديلها الإنساني من التعايش والتعاطف وتقبل الآخر والتعاون، إذ لم نعد نشعر بالأمل بغد أفضل قد يحمل لنا السلام والأمن والأمان للعالم بشكل عام ولمنطقتنا العربية بشكل خاص، فقد ساد خطاب الكراهية حياتنا خلال السنوات الأخيرة ليدخل ضمن سلسة الأحداث التي تشغل بلادنا العربية، فهزت استقرارها وأمانها وثباتها، مما دفع بمنطقتنا إلى المزيد من الصراعات والفوضى التي أودت بحياة الأبرياء كما مَسّت بالحرمات والمقدسات من بيوت العبادة وأدت إلى تصاعد حالة التحريض على الانتقام والثأر ونزاعات متكررة وصراعات دائرة بلا نهاية، كل ذلك أدى بنا إلى الانزلاق في متاهات سوداء من الفوضى والعنف والقتل والدماء!

من الملاحظ أيضا بأن لوثة الكراهية المنتشرة فيما بيننا كجماعات وأفراد بشكل مربك مقلق، قد ساهمت في تنامي ظاهرة الطائفية ببشاعتها، هذا الخطر الذي نشاهده يوميا بمعالجته الخاطئة المتمثلة بمزيد من الطائفية المضادة التي اخترقت بشكل كبير، الكثير من تفاصيل حياتنا اليومية المختلفة فأغرقتنا في بحور الاحتقان والانقسام والتنافر والتناحر، من هنا أصبح خطاب الكراهية من أهم التحديات الراهنة التي تواجهها مجتمعاتنا، فلا شك بان داء الكراهية هو من أخطر الأمراض التي تهدد الإنسانية جمعاء منذ نشأتها وحتى وقتنا الحاضر، وهو ذلك المرض البغيض والخطر الذي يُراد من خلاله تفتيت مجتمعاتنا ومنع تماسكها، فهو يفضي لزرع الفتنة والبغضاء بين مكوناتها وجميع شرائحها المختلفة المتنوعة التي كانت قد تعايشت منذ سنين بكل محبة وتفاهم وتآلف، كما يهدد هذا الداء حقوق الإنسان بالاضطهاد والعنصرية وكبح الحريات ومنعها، فخطاب الكراهية المريض يثير مشاعر البغضاء والحقد بين الناس، كما ينادي بإقصاء البعض واغتصاب حقوقهم والتقليل من شأنهم والتمييز ضدهم، فهو يصنف شرائح المجتمع المختلفة بصورة تُخرِجهم عن حقهم الإنساني في الوجود وتَخرُجُ عن كل الأبعاد الإنسانية والمعايير الأخلاقية والمنطقية وكل الاعتبارات الاجتماعية، كما أنه السبب الرئيسي بتحليل الجرائم بكل اصنافها عبر التاريخ، فهذا الخطاب المقيت لطالما تبنى لغة صدامية قاسية تعتمد على تشويه الآخر واستهجانه والتقليل من شأنه والتحريض بالإرهاب ضده، مما يؤدي لنتيجة مأساوية من القهر والانقسام والدمار كما هو حالنا اليوم!

إن خطاب الكراهية هو خطاب انفعالي لا مكان للمنطق أو العقل أو التفكير السليم به، فمن خلاله يتم التحريض على الآخرين وفقاً لدوافع ومصالح خطاب الكراهية ذاته، فهو يقوم على التمييز العنصري بين البشر ويعمل على هدم الأمن وثقافة السلام، كما يقتل روح التسامح والمحبة بين الناس، وهو السبب الرئيسي في تدمير التوازن بين العلاقات الاجتماعية، وهو ما يحرك نوازع الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد مهددا لحمته ووحدته.

 من هنا علينا أن ندرك بأن بيئة الكراهية هي المكان الملائم لصناعة الخراب والإرهاب في المجتمعات، لذا ولمعالجة هذه الآفة، نحتاج أولا وبقوة العمل على إيقاف ومنع الدعوة إلى الكراهية والعنصرية الدينية بكل أشكالها، كفى تحريضا وتمييزا وعداء وعنف، لماذا لا توجد لدينا تشريعات حقيقية وإجراءات عقابية رادعة تكافح التمييز لأجل الوقاية من هذا المرض الخبيث، فتحمي الأقليات والفئات الضعيفة المهمشة وتضمن لها ممارسة حقوقها التي كفلتها كل الشرائع والقوانين الدولية.

 كما نحتاج اليوم وبشدة لخطاب إيجابي هادف يحل مكان خطاب الكراهية والتعصب، حيث يتم التركيز فيه على قيم التسامح والمحبة بين الناس وضبط النفس، علينا أيضا ان لا نتجاهل أهمية التوعية لهذا الموضوع التي من شأنها الإسهام بوقف التحريض والتعصب على أساس التمييز في القومية أو العرق، أو الدين والمعتقدات أو الجنس، وهنا علينا أن لا ننسى دور وسائل الإعلام في التثقيف والتوعية، فهي الوسيلة الرئيسية التي تعمل على إيصال الرسالة إلى عقول الناس وأذهانهم من خلال تقديم خطاب إنساني تصالحي إيجابي جديد.

أخيرا يحضرني ما قاله المناضل السياسي نيلسون مانديلا : “لا يوجد إنسان ولد ليكره إنسان آخر بسبب لونه أو عرقه أو دينه، لقد تعلمت الناس الكراهية، فإن كان بالإمكان تعليمهم الكراهية، إذاً لنسعى أن نعلمهم الحب، خاصة أن المحبة أقرب لقلب الإنسان من الكراهية.”

- صحيفة رأي اليوم 

الجمعة، 3 فبراير 2017

واقع ثنائي الأقطاب !

لماذا لا توجد خيارات؟ السياسيون ورجال الدين يحاولون اقناعنا دائما بعدم وجود أي خيارات بديلة.

كَون البعض ضد الأنظمة المستبدة لشعوبها فهذا لا يعني أنهم قد يؤيدون الجماعات الإرهابية التي تقتل الأطفال والنساء تحت شعارات ومسميات مختلفة، وكون البعض الآخر لا يؤيد النظام الثيُقراطي أو رجال الدين لتطرفهم بإسم الأديان فهذا لا يعني بأنهم كفار، أليست الإخفاقات المستمرة وفشلنا في إيجاد خيارات منطقية هو ما عزز العودة إلى الحالة الدينية المتطرفة الأصولية التي نعيشها اليوم؟

قد يكون للحقيقة وجوه وجوانب عديدة، وحين تختلف رؤيتنا وتقييمنا للأمور فهذا لا يعني أن أحدنا على خطأ، قد نكون جميعا على صواب لكن لكل منا رؤيته الخاصة التي لا يراها الآخر ولم يستوعبها بعد.

 إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، مصطلح لا إنساني يبرر شعار غير أخلاقي! فلماذا أصبح العالم ثنائي الأقطاب؟ إن هذا المصطلح يتقوقع في قالب ضيق مآله إلى التغيير لا محالة في ظل وجود عوامل تفرض ذلك، وإن لم نتقبل ذلك التغيير فسنصبح ظاهرة غريبة خارجة عن الزمان والمكان والتاريخ.

لا أحب السياسة أبدا لهذا لم أفكر يوما بالكتابة والخوض فيها، حيث أجد نفسي دائما عبر الكتابة الإنسانية بجمالها وروعتها، فالسياسة لها حساباتها ورؤاها المختلفة لكل من المصالح والأهداف التي تتعارض بطبعها المادي مع القيم الإنسانية الشفافة، وواقع السياسة غريب! فهو يقتل المنطق ليفرض نفسه علينا محاولا أن يقنعنا بأن الظالم مُنتصر لا محالة وأن المظلوم لا بد وأنه مهزوم! وها هو ذات الواقع يحاول اقناعنا بأن تقديس الأوهام والايديولوجيات السياسية التي تفرض تصوراتها وأفكارها على مجتمعاتنا ما هي إلا مبادئ ومقدسات لا يجوز التخلي عنها، وأنها خطوط حمراء ممنوعة من التجاوز! تبريرات للوقائع والأحداث واستبسال في الدفاع عنها، ومن خلال ذلك تصنف الانتماءات وتصدح الكلمات الرنانة متحايلة على الشعوب لتدس لها الأفكار بكل خبث ودهاء، في محاولات للإقناع بوجوب التمسك بها ونجاعتها.

باتت الصراعات والانقسامات اليوم، لعنة تلاحق شعوبنا المهزومة لتصل خلافاتنا ذروتها، لقد وصلت إلى الرؤى والأفكار والسلوكيات والممارسات، لم نعد نتفق على شيء، بتنا نسمع ونشاهد العديد من التفاسير لأشياء أصيلة لا مجال لجدلٍ فيها أو نقاش، أو مواقف وأفكار لا تحتمل خلاف أو نزاع، ولم تكن تلك المتناقضات في الماضي تحمل سوى طابع واحد غير متعدد الملامح أو الوجوه، إلا أننا اليوم بتنا نختلف على الثوابت وكثير من المواقف وكل الأمور والأحداث والمستجدات، ومما يزيد الأمر سوءاً اقحام الدين لآفاق السياسة ليشعلها بالفتن ويبدأ بنا عصر من المحن، وكل هذا الموت والقتل والعنف والإرهاب والاستلاب، وأصبح هناك الكثير ممن يظنون أنفسهم ينطقون بإسم السماء والأكوان، باعتبارهم يحملون وصاية الدفاع عن الأديان! ودون أدنى مسؤولية وأي اكتراث بتطرفهم وتعصبهم الذي يقلب الأحداث، نسير من خلفهم دون وعي أو تفكير فتدفع الأوطان بذلك الأثمان وخسارة في الأرواح والقيم وانعدام في الأمن والأمان.

على ضوء ذلك تتسلل إلينا العديد من الأمراض السياسية بأوبئتها، مما يجعلها تتحكم فينا، بفكرنا وسلوكنا وتحدد مواقفنا ومصالحنا والأهداف، لم يعد الوطن ودودا رحيما كما كان يجمعنا سابقا تحت مظلته وثوابته الأصيلة، فالسياسة بطابعها البغيض قد تدخلت ففرقتنا وغيرت من طبيعة شعوبنا الطيبة، وشوهت المبادئ والقيم، واستنزفت جُلَّ قوانا وكل الطاقات، فأخرت مسيرتنا وألقت بنا هناك بعيداً نسير خلف ركاب الأمم….

- صحيفة رأي اليوم 

الاثنين، 30 يناير 2017

ثقافة الإستبداد ذات اللون الواحد !

يتضح واقع المستوى الثقافي للإنسان فيظهر جلياً عبر سلوكياته وتعبيره عن المواقف المختلفة، من خلال اعتقاداته المتّبعة وأفكاره وممارساته وتعاملاته، ومدى تذوقه وتقبله لشتى أنواع الفنون والثقافات المختلفة، ومن نمط العيش وطريقة خصائصه المتبعة في المجتمع والبيت والعمل، وكذلك مدى مشاركته واحترامه للرأي الآخر وإيمانه المطلق بحقوق الانسان واحترام القانون وكل المبادئ الإنسانية المُثلى.

من الأخطاء الشائعة بين الناس ذلك الاعتقاد بأن الثقافة تكمن في قراءة الكتب فقط! وفي الحقيقة هي تكمن أيضا في نمط وأساليب التفكير والسلوكيات والممارسات وطريقة الأداء والتعاطي مع الحياة والظروف المختلفة، لذا فإن تقدم وصلاح المجتمعات ورقيها لا يكمن إلا في المحتوى الثقافي والفكري لها، وبالتالي فإن عدم تطوير وتهذيب الثقافة بما يتناسب ومتطلبات العصر والمستجدات الحياتية يؤدي بالتأكيد لتراجع المجتمع وتخلفه.

تهيمن الثقافة الدينية على مجتمعاتنا فهي تقريبا المحتوى الرئيسي والمصدر الوحيد للمعرفة والاطلاع والحكم على الأمور، وهي الحاضرة المؤثرة بقوة على نهج التفكير والحياة والسلوكيات، حتى تكاد تنعدم أي ثقافة أخرى في ظلها، ليطغى اللون الواحد على كل الألوان في ثقافتنا بحيث تبدوا وكأنها تفتقر للتنوع والتلون والتعددية، والتفاعل والتواصل فيما بينها وبين الثقافات الأخرى المتنوعة المختلفة، وترفض مجتمعاتنا بثقافتها أي نقد فكري، معتبرة إياه نوع من أنواع التهجم على ثوابتها وتقاليدها، كما ترفض التغيير منتهجة أساليب التلقين والترديد وتقبل الأمر الواقع دون مناقشة أو تفكير أو تنشيط للعقل النقدي، ودون أي تجربة او معاينة او تمحيص، مما يؤدي لطمس الإبداع والتفكير والإنتاج.

هي ثقافة منغلقة على نفسها فتخشى التطور وترفض التغيير، وتعجز عن مواجهة ذاتها بالحقيقة التي أصبحت مرئية للجميع، كما تعجز عن مواكبة العصر وتحدياته، رافضة لكل من يخالفها في رؤيتها، فكيف السبيل إلى التطور ونحن لا نكترث لما وصلنا إليه من البؤس والتراجع! لا بد من مواجهة صادقة مع النفس للوصول الى رفض ثقافة الرجعية والاستبداد التي ما برحت أن تزرع جذور الفكر الإرهابي المتمثل فيها، بحيث نتمكن من اجتثاثه والتصدي له ولثقافة الخوف والتقاليد البالية والعادات السيئة، لقد أصبح الوضع لا يحتمل التأجيل أو التميع والتريث، فثقافة الاستبداد لم نعد نراها فقط في النخب الحاكمة أو في المجموعات أو القطيع، فالأمر قد تعدى ذلك بكثير، لقد انتشرت فوصلت إلى الافراد فيما بيننا كما وصلت للسلوكيات والممارسات اليومية والآراء والألفاظ والتعاملات، فبداخل كل منا شخص مُستبد يقوم بممارسة استبداده على كل من تطاله قدرته وإمكانياته وسلطته! فقد تشاهد الكثير من الآباء ممن يمارسون استبدادهم على الأبناء، كما تشاهد المدير أو المسؤول المتسلط باستبداده على الموظف، والموظف كذلك بدوره قد يستبد بموظف أقل منه درجة وظيفية، وكل منا قد يمارس التحكم والهيمنة والتسلط بمن هم أقل حظا منه وأضعف، وفي هذه الظروف التي نعيش بها الصراعات والفقر المدقع والتهميش والتعصب والجهل، فان واقع المرأة هو الأكثر بؤسا وتخلفا على الإطلاق، إذ لا زالت النساء في مجتمعاتنا تعاني استبداد المجتمع الذي لا يزال حتى الآن يحتفظ بنظرته الدونية لهن!

 ويستمد الفرد استبداده من منتجات هذه الثقافة المتخلفة بما استقاه من الاستبداد والقهر والإكراه والتجبر والظلم، مما يقودنا إلى التخلف عن مواكبة المجتمعات المتحضرة، ومن أسوأ ما تحمله ثقافتنا هو عنصريتها القميئة لكل مختلف عنها سواء بالدين أو العرق أو اللون أو الجنس، ورفضه أو اضطهاده وعدم احترام حريته في اختيار معتقده الديني، وها هو الصراع البشع الذي يدور بين السنة والشيعة في بعض البلاد العربية لا يزال يَمثُل أمامنا ولا سبيل للنجاة منه سوى تنحي هذه الثقافة المهترئة جانبا، وإحلال ثقافة بديلة، تنويرية اجتماعية علمية متحضرة ذات مرتكزات ورؤى فكرية واخلاقية، تواكب متطلبات العصر والتقدم الإنساني والعلمي، بحيث تتصدى لكل هذه الظواهر السلبية وغيرها، وتغوص فيها بحثا عن جذور المشكلة وأسبابها لإيجاد الحلول الممكنة والسبل التي من شأنها أن تكرس وتنشر ثقافة تقبل الآخر والاعتراف بوجوده وحقوقه، كما تدرب مجتمعاتنا على أساليب الحوار البناء بشكل عقلاني منطقي على أسس الاحترام والتقدير، وتحث على الإبداع العلمي والفكري، فكل ما نمر به من صراعات وتطرف ونزاعات داخلية، ما هو إلا نتيجة طبيعية لمفاهيم إقصائية الآخر وتأثيره السلبي علينا بما أنتج لنا من منهج تفكير وسلوك متدهور أدى لانحطاط وانهيار إنساني خطير! لذا علينا بإصلاح وتطوير ثقافتنا أولا، وذلك للابتعاد عن كل ما يحط وينال من القيمة الإنسانية للإنسان.

يَذكُر عبد الرحمن الكواكبي وهو أحد مؤسسي الفكر القومي العربي، الذي اشتهر بكتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) حيث قال: إن المستبد فرد عاجز لا حول له ولا قوة، إلا بأعوانه من أعداء العدل وأنصار الجور، الاستبداد أشد وطأة من الوباء، أكثر هولاً من الحريق، أعظم تخريباً من السيل، أذل للنفس من السؤال!

منذ قرون عديدة ونحن نغط في سبات عميق ونحمل على كاهلنا تراث السلف والاجداد ونقوم باجتراره صباح مساء، وكأننا قد توقفنا عن انتاج الحياة، تمر السنوات فيتقدم البشر ونحن كما نحن لا نقوم إلا باستهلاك ما ينتجه الغرب الكافر بحسب تلك النظرة المتطرفة المنتشرة لدى البعض! والخطر الحقيقي إنما يكمن في فكرنا وثقافتنا البائسة، تلك التي قيدت عقول البشر ومنعتها من السير قدما نحو التقدم ومجاراة العصر.

نحتاج اليوم إلى الكثير من الشفافية والمصداقية والشجاعة لأجل التغيير المطلوب والتركيز على التنوع وتقبل الاختلاف، فهناك الكثير من المفاهيم السلبية المترسخة في ثقافتنا مما يجب علينا حذفها وتركها بعيدا دون العودة اليها وذلك لتنقية أفكارنا وسلوكياتنا وممارساتنا الحياتية من شوائبها التي لطالما تصادمت مع منظومتنا الإنسانية، فالوضع الصعب الذي نعيشه اليوم يتطلب منا وقفة حقيقية، وأعتقد بأن الأمور لن تكون مستحيلة في حال تضامنت وتضافرت وتكاثفت الجهود الواعية المخلصة من الجهات المعنية بالتغيير، من منظمات المجتمع المدني وإمكانياتها الواسعة بالتغلغل في المجتمعات ودورها في نشر ثقافة الحوار وتقبل الآخر ونبذ التخلف والجهل، وذلك بهدف المضي قدما نحو الأفضل اجتماعيا ومنهجيا، كما أن للإعلام دور مهم ومؤثر في ذلك باعتباره مسؤولاً عن نقل الكثير من الأفكار البناءة إلى الناس، ولا ننسى بأن للفن والأدب الإنساني المتنوع دور فعال في ذلك أيضا، فهو بكل تأكيد من شأنه أن يلفظ تنميط الآخر وإقصاؤه حين تُكَرس جهوده وأهدافه لذلك، بالإضافة إلى الدور الهام للمؤسسات الثقافية من خلال إصداراتها وتوزيعها للنشرات التوعوية والمجلات الهادفة بشكل مستمر وذلك لإلغاء وإبطال الفروق فيما بيننا وبين الثقافات الأخرى.

من حقنا أن نعيش بكرامة واطمئنان على حاضرنا ومستقبلنا، وأن تربطنا علاقات السلام والتعاون مع المجتمعات الأخرى لنشعر بالأمن والاستقرار، لذا علينا أن ندرك بأننا على هذه الأرض نحيا معاً لنتعايش سويا، فعقلية القتل والصراع والتطرف والكراهية، تلك التي تتغذى من الثقافة المظلمة ستذهب بنا بعيدا إلى هناك، نحو دمار شامل للإنسانية جمعاء! كفى حروباً وموتاً وقتلاً باسم الله وباسم الشعارات الرنانة الفارغة التي تفتقر للإنسانية، لننهي كل أشكال التعصب والاستبداد والتطرف، والحط من قدر الكرامة الإنسانية وقِيمها، كفانا رعونة وحماقة وقهراُ وموتاً، فنحن لا نريد المزيد من المقابر الجماعية!..

- صحيفة رأي اليوم 

صباح بشير: المرأة العربية بين الفرص والتقاليد

  ما زالت المرأة العربية تخوض كفاحاً مستمراً لنيل حقوقها الاجتماعية والإنسانية، ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات، فما الذي تمّخض عنه كفاح...