بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

الحوار مع الآخر.. ضرورة إنسانية

من سمات البشر الطبيعية اختلافهم بالأفكار والآراء ووجهات النظر والأذواق والميول وسبل التفكير، وذلك ليتسنى للإنسان أن يعمر الأرض بثراء وخصوبة وتنوع سائراً نحو الحضارة والمدنية برؤية شاملة وأفقٍ أوسع فيعيش حياة أفضل بعيدة كل البعد عن التعصب والتطرف الفكري أو المذهبي أو السياسي أو العقائدي، لذا كانت الاختلافات الطبيعية بين الناس رحمة للإنسان وفضل لا ينكره إلا ذوي العقول المتحجرة، ولا يعرف قيمتها ومعناها إلا من عاش تحت سطوة قهر الأفكار وكبح جماحها.

نعيش اليوم واقع مرير يتمثل برفض الآخر شخصاً وفكراً ووجود، وذلك لاختلافه بوجهة نظره السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الطائفية، أو لآرائه الشخصية أو وجهات نظره، وتحولت كل الاختلافات إلى أدوات بيد من فقدوا ضمائرهم وإنسانيتهم ليعملوا على تغيير حياتنا وتبديلها إلى معاناة وعنف متجدد ونزاعات وصراع لتأخذ بذلك ثقافة الحوار بالانحسار حتى اضمحلت، لنجدها مع الأسف اختفت تماما خلال السنوات الأخيرة من حياتنا، فيترسخ غيابها في أذهان الناس ويتجذر في حياتهم بما أصبح واضحاً جلياً في تصرفاتهم وسلوكياتهم كأفعال وأقوال وممارسة يومية عادية، وإذا بالصوت الواحد الرافض للاختلاف يعلو مسيطرا علينا وعلى واقعنا بأن كل مختلف هو خائن أو عميل أو كافر أو متآمر، وبهذا يصبح المختلف مُنتهك ومباح! وهكذا أُعدمت ثقافة الحوار لتغيب عن قضايانا الإنسانية الكبيرة والصغيرة فتحل مكانها صراعات طائفية ومذهبية أو سياسية أو ثقافية واجتماعية، ويمتد الأمر ليصبح خارج السيطرة لنغدو بذلك الوقود والنيران التي تأكل نفسها بنفسها جراء ما نعيش من النزاعات والتشتت والهزائم والحروب.

إن الآراء التي لا تنبعث إلا من الرغبات الخاصة التي تبعد أصحابها عن الحق والعدل لا تؤدي إلا لزيادة التعصبات القومية والعنصرية ، كما أن الغرور والخيلاء أو قوة الإيمان بالفكرة وضعف إعصاب البعض قد يمنعهم من إدراك بعض الحقائق فحينما يكون التعصب للفكرة مسيطرا يبدأ الجدال مكابراً مسيطراً ظناً من أصحابه بأنهم على حق، كما أن التقليد الجاهل للأجيال السابقة والتعصب لآراء الأقدمين غالبا ما يؤدي إلى المشاحنة والمجادلة في غير مكانها إذ يصعب مناقشة من قيد نفسه بقيود من الماضي والأسلاف، كما أن اختلاف المدارك والأمزجة بين الناس، جميعها تؤدي إلى المجادلة والخلافات في غير مواضعها.

والمتابع لأوضاعنا المؤلمة في البلاد العربية منذ سنوات يدرك تماما ويشعر بأننا عشنا ولا زلنا نعيش حالة من تسلط الفكرة الواحدة التي تطغى على كل الأفكار وتسلط الرأي الواحد الذي يطغى على كل الآراء، واللون الواحد الظاهر على كل الألوان، هذا ما دفع بالطغيان والاستبداد لانتهاك العدالة والقانون وتجريم كل مختلف باعتباره خارج عن رأي المجموعة أو السلطة أو القطيع، مما صَعَّدَ لغة العنف ودفع بأوطاننا نحو الهاوية!

فكيف لنا اليوم بعد كل ذلك من إزالة تلك الآثار العميقة في نفوس الناس وحياتها! من هنا يتبين لنا ضرورة الدعوة لنشر ثقافة الحوار والتمسك بها كحل واحد ووحيد لكل تلك النزاعات والصراعات من حولنا والتي حولت حياتنا إلى جحيم مقيم، فالحوار البناء وحده ما يكفل للإنسان وضع كل الاختلافات والخلافات جانباً وذلك لصيانة الأرواح ووقف انتهاك الحرمات وسفك الدماء ليعم السلام وينتشر الأمن والأمان وفكرة تقبل الإنسان الآخر المختلف، بما يضمن لمجتمعاتنا الإصلاح وتجنب الفساد حتى يتم استغلال كافة القدرات والإمكانيات لتنمية الأوطان والارتقاء بها.

علينا أن نعترف بوجود الإنسان الآخر أولاً، فلم توجد هذه الحياة وتُخلَق ليتم تصميمها على مقاييسنا الشخصية فقط أو بحسب أهوائنا وأفكارنا! لندرك بأن هناك الكثير غيرنا من الناس يعيش على هذه الأرض، يحمل ذات الصفات الإنسانية التي نحملها وله ذات الحق بالحياة التي لنا وهو يحمل آمالا وأحلاما كالتي نحملها ولديه كثير من الطموحات كما لدينا، يشعر ويتألم كما نشعر ونتألم، يحلم بمستقبل واعد لأطفاله كما نحلم نحن بذلك، يحب الحياة كما نحبها ويتمنى الخير لوطنه وأهله كما نتمناه نحن أيضا، لذا علينا بالتآخي والتعايش مع الجميع ولندرك بأن لهم كافة الحق في إبداء الرأي ووجهات النظر والتعبير عنها تماما كما لنا، ولهم أيضا كامل الحق في ممارسة عقائدهم وطقوسهم الدينية بكل حرية كما لنا، هذا ما نصت عليه كل المواثيق الدولية والإنسانية عبر التاريخ. ينبغي تأكيد حق الاختلاف فعلا وممارسة وذلك من خلال تربية أنفسنا وأبنائنا والأجيال القادمة على نبذ الجهل والتخلف والانغلاق وتشجيع الجميع على تقبل الآخر والاختلاف بصفته سمة طبيعية من السمات البشرية التي تثريها بكافة ألوان المعرفة وأصناف الإبداع، فالإنسان المتحضر هو الذي يتفاعل مع الاخرين مدركاً أهمية الاختلاف واحترام الاخر رأيا وفكرا وعقيدة دون التقليل من شأنه أو من فكره أو من عقيدته.

من الجميل جدا ان نتحاور دون أن نهمش الآخر أو نعرضه للترهيب أو الاقصاء، من حق الانسان أن يكون مختلفا عن غيره وليس من الضرورة أن يتشكل ويتلون كما يُراد له أن يكون، نعم لثقافة الاختلاف لا الخلاف، ونعم دائما لثقافة الحوار حيث تجمعنا الإنسانية ويقربنا التفاهم البناء نحو أجواء تسودها المحبة والاحترام ..

- صحيفة رأي اليوم

الاثنين، 19 ديسمبر 2016

صباح بشير: أين أنتم يا دعاة السلام ؟

رغم تعاظم الوضع الإنساني جراء الأوضاع المزرية التي يعيشها الإنسان المظلوم المغلوب على أمره في سوريا، إلا أننا وحتى الآن لم نشهد أي محاولات حقيقية لوضع حلول منطقية لوقف تلك الحرب رغم فداحتها وفظاعتها، ومع كل الصور اليومية والتقارير الإخبارية للأحداث المفجعة والانتهاكات الإنسانية بحق الإنسان هناك، إلا أنها لم تحرك ساكناً في نوازع الخير داخل النفوس البشرية للوصول إلى حلول تضمن السلم والأمان، مما يثبت أن ما يحدث على تلك الأرض هو الأكثر ألما ووجعاً على الإطلاق! إنه لمن المحزن جدا أن يموت أطفال سوريا بردا وجوعا بعد أن كان يحتضن هذا الشعب كل نازح ولاجئ فر هارباً إليه طالباً الأمن والحياة.

منذ فترة قررت أن لا أتابع النشرات الإخبارية التي تعرض على شاشات التلفزيون حتى لا أصاب بالاكتئاب! فالصور ومناظر القتل والدمار وبحور الدماء والأشلاء المتناثرة هنا وهناك، كفيلة لأن تقتل في الإنسان روح الأمل وتفضي به إلى اليأس والحزن العميق والقلق والإعياء النفسي والجسدي، فكيف للإنسان السوري المسكين الذي يعيش في خضم هذا الواقع المأساوي الأليم؟ أليس من العار أن نطأطئ رؤوسنا غير آبِهين بما يحدث ويجري للإنسان هناك!

بيوت مدمرة، نكبات وانتهاكات، تهجير الملايين من البشر، آلاف الجثث البريئة، وأطفال يشردون في حرب ضروس بكل ضراوة الوحوش غدو ضحايا ضعفاء لا ذنب لهم ولا حول ولا قوة، شعب لم يرى منذ أعوام سوى مشاهد القتل والدمار وآلاف الجرحى والثكلى وبيوت العزاء! تحولت بلادهم إلى ساحات من الدم والمقابر لتثبت للإنسانية جمعاء مدى استباحة الكرامات وإهدارها، وكيف تموت القيم وتنهار الأخلاق! فأي كلام قد يُكتب ليعبر عن حجم المأساة وحقيقة الألم وذلك الوجع الكبير؟! إذ كيف لنا أن نفهم شعور طفل تشرد وفقد عائلته، بيته، إخوته أمه وأبيه بعد أن عايش كوارث مؤلمة قد تكون الأكثر همجية على الإطلاق!

لقد غير الصراع الدموي الحياة هناك، فالطفل قد غادر مدرسته متشرداً متجهاً نحو المخيم بعد أن سكنت أذنيه أصوات الرصاص والقصف! هو لا يلعب كبقية الأطفال في العالم، لقد غادر ساحات اللعب منذ سنوات بحثاً عن الفُتات، حيث فتك به الجوع والضعف والمرض، دُمِر منزله أمام ناظريه وشاهد القتل والإعدام والرجم، صغيرا عاش معنى اليتم، اغتيلت طفولته مبكراً تاركةً آثارها النفسية المريعة! أو أصبح من ذوي الإعاقة جراء الحرب، تلك المشؤومة التي لم تسمح له بمشاهدة الحياة أو التعرف عليها إلا من خلالها، فكيف يكبر هؤلاء الأطفال مع كل هذا الدمار والقتل والعنف وقد أصبح الألم مرافقاً لهم مشوٍهاً لنفسياتهم وتاريخهم وأرواحهم البريئة، مؤثراً بقوةٍ وصرامة على مستقبلهم ومسار حياتهم، وكيف لذلك الصغير أن يستوعب أو يتصور بأن صديقه ورفيق طفولته قد اختطفه الموت عنوة من أحضان البيت والأسرة مُلحِقاً إياه بأقرانه في عتمة القبر! فما ذنب أولئك الأطفال الذين يموتون قهراً وألماً وحرمان.

نساء ورجال وَدَّعوا بلادهم وبيوتهم هربا في البحر نحو المجهول، فيتكالب عليهم الموت ليقتلهم غرقاً وكأن القدر يلاحق بهم مسابقاً إياهم على الحياة. مشاهد موجعة لا تفارق أصحاب الضمائر الحية، وصور تقشعر لها الأبدان لا تمت للإنسانية بصلة. تُرى كم سيصمد البشر ويحتمل الشجر والحجر كل هذه المعاناة البشرية اللاإنسانية؟ أنا لست محللة سياسية ولا أدعي بأن الصورة لدي مكتملة واضحة، لكني لا أفهم كيف يصل الوضع إلى هذه النقطة المفزعة المروعة!؟ فعندما تغيب الحلول السياسية الواقعية المنطقية، فلا نهاية حقيقية لكل هذا الصراع والنزاع، نحن نعلم بأن الحلول الجذرية لهذه الأزمة الإنسانية لا تكون إلا بقرارات سياسية حاسمة مصيرية، وحتى اليوم لم نشهد أي بشائر تلوح في الأفق، فهذه الحرب العدمية التي قتلت روح التسامح وزرعت الحقد في النفوس وتعالت فيها مطالب الثأر والقتل، قد أصابت الجميع بالعجز بما فيهم دعاة اللاعنف والسلام حول العالم!

أخواتي وإخوتي في الإنسانية، كلنا بشر، لا تنتقصوا من كرامة أخيكم الإنسان وإنسانيته تحت مسميات القومية أو الانتماء أو الدين أو التوجهات، لا تستبيحوا دماء الآخرين لذات الحجة، لا تتركوا انتماءاتكم وتحزباتكم ومواقفكم السياسية أو أديانكم تتسبب في التفرقة والنزاع واعتماد التعصب والتطرف كنهج وأسلوب حوار، فكوا قيود ضمائركم ووثاقها، ولا تستبيحوا القتل لخدمة أفكاركم أي كانت الفكرة.

أخيرا.. هذا نداء باسم ملايين المستضعفين والأبرياء وهذه دعوة حارة إلى كل دعاة السلام في كل مكان، اعملوا واجتهدوا بكل ما فيكم من صدق وإخلاص، وذلك لتحقيق حلم السلام والأمن والأمان، فأين أنتم يا دعاة السلام؟

- صحيفة رأي اليوم

الاثنين، 12 ديسمبر 2016

صباح بشير: التغيير فيما بين الرفض والقبول

كان الإنسان دائم الاجتهاد والعمل بإرادةٍ وعزمٍ وتصميم، على تحسينِ واقعه وظروفه الصعبة ليحقق الراحة  التي يطمح إليها وحياة كريمة له ولمن حوله، كان ذلك وسيظل ما يضمن بقاء المجتمعات واستمرارها ونموها عبر ذلك التغيير الذي يلحق بها خلال عملها ومسيرتها نحو التقدم، وهذا ما يعتبر من الميزات الهامة التي تختص بها المجتمعات البشرية عبر حركة التغيير الاجتماعي التي ترافقها طريقها نحو التطور الدائم مما يحسن حياة الإنسان وأوضاعه، ويخلق له الأفضل لظروف حياتيه تتناسب مع كل المستجدات والتغييرات العلمية والثورة الصناعية والتكنولوجية التي نحياها اليوم.

ويتمثل أي تقدم اجتماعي عبر ذلك التغيير الذي يجوب المجتمعات حاملا معه الكثير من التطورات في المفاهيم والأفكار التي تظهر عليها ، وعادة ما يرتبط التغيير الاجتماعي بالتغيير الفكري الذي يعمل على تثبيت التحولات الاجتماعية عبر اكتشاف المجتمعات للكثير من الأمور الحديثة التي تختلف اختلافا جوهريا عن كل ما اعتادت عليه وكان معروفاً مألوفا لها في السابق، مما يدفع بكثير من العادات والممارسات للسير في طريقها نحو التجدد، ليغدو ما كان مرفوضا في السابق مقبولا ومتعارفا عليه اليوم، كالتغيير الواضح في طبيعة العادات التي تسير وفقا للظروف المحيطة بها، والممارسات اليومية العادية في التعاملات والسلوكيات المختلفة وغيرها الكثير من التغيرات التي طرأت على المجتمعات والأفراد.

تمتاز المجتمعات بطبيعتها المتغيرة، فكل جيل يأخذ من الجيل السابق جزءا من ثقافته وما يتناسب مع طبيعة ظروفه وحياته، كما يجتهد بإضافة ما يناسبه من تغييرات جديدة للانسجام مع واقعه ومحيطه وكل المستجدات من الوقائع الاجتماعية المختلفة ، وبالرغم من ذلك إلا أن مجتمعاتنا لا زالت تقاوم قسماً من التغيير وترفضه متخوفة منه، لتخسر بذلك الكثير من إمكانياتها وقدرتها على السير قدماً نحو التغيير المطلوب الذي تحتاجه لتحدي كل الظروف والمستجدات التي تواجهها، فتقف عاجزة عن التنافس أمام المجتمعات الأخرى، وذلك لمعاناتها من النقص الحاد في كفاءتها، مما يؤدي لتخلفها وتأخرها عن الوصول لِما وصلت إليه تلك المجتمعات التي سبقتها بالتقدم ومواكبة النهضة العصرية والعلم والمعرفة. وفي أحيان أخرى يُقاوِم التغيير عبر أفرادها وجماعاتها، خاصة تلك التي تمتلك قوة أو ثروة أو نفوذ، بحيث تخشى التغيير وترفضه خوفاً على ثروتها ونفوذها من هذا التغيير والمجهول القادم. كما أن إصرار مجتمعاتنا المُحافِظَة بطبيعتها على الوضع الاجتماعي المألوف، وانتشار التخلف الثقافي والفكري كل ذلك يتسبب بتأخرنا من اللحاق بمسيرة التقدم، ونلاحظ أيضا ظاهرة التعصب والتمسك بالواقع الموجود المتحقق عبر انتشار عادات وتقاليد متعلقة برواسب اجتماعية من الصعب الخروج من قوقعتها. معيقات أخرى تواجه التغيير والتقدم ألا وهي التقسيمات الطبقية والبيئية والاختلافات العقائدية وهي طبيعية جدا، إلا أنها تؤدي لانقسام في الآراء ووجهات النظر حيث يناسب التغيير بعض الفئات بينما نجد فئات أخرى لا ترتأي فيه ما يحقق تطلعاتها أو مصالحها فترفضه وتقاومه بشدة.

ويرتبط مدى تقبل التغيير لدي الافراد بمستواهم التعليمي والثقافي، ففي حالة الرفض فإن الأسباب عادة ما تكون متعلقة بخوف شديد من ذلك المجهول المسمى بالتغيير، مما يؤدي بمجتمعاتنا إلى ركود ثقافي وحضاري بتنا جميعا نعيشه، نلمسه ونعاني منه .

 يطال التغيير كل شيء في حياتنا وسواء قبلنا به أم رفضناه فإن التغيير حاصلٌ لا محالة، حيث تكون نتائجه عادة غاية في الأهمية بما ينقل المجتمعات من حالة الركود إلى حالة أفضل من الحركة والتفاعل والاتصال، بالطبع هذا في الحالة الإيجابية للتغيير المقصود ، حيث يسير ضمن التوجهات والاتجاهات والاحتياجات المطلوبة بما يشمل كل المجالات المادية والمعنوية في حياتنا الاجتماعية، ليضفي تحسناً ملحوظا على ظروفنا الحياتية المختلفة وينعكس على الممارسات والسلوكيات المجتمعية فتتحسن الصورة الثقافية للمجتمع وترتقي به لما طرأ عليها من تغيير إيجابي فعال في الأفكار والمعتقدات والقيم والمعايير، وما يرتبط بهذا التغيير من نمو في النضج العقلي والأخلاقي والوجداني للإنسان.

قد لا تدرك مجتمعاتنا بأن التغيير هام جدا وضروري لتطوير أساليب التفاعل مع نشاطات الحياة المختلفة ووقائعها، وذلك للتكيف معها ومع كل المستجدات العلمية التي تنعكس نتائجها على حياتنا فيتحقق الاستقرار المطلوب ونتمكن من تلبية كل المتطلبات والاحتياجات المستجدة اللازمة للأفراد والمجتمعات، حيث يساهم التغيير في نشأة وتطوير العلوم الحديثة وكل الدراسات والأبحاث الإنسانية التي تحافظ على الانسان وتضمن له النمو والإرتقاء والتقدم.

- صحيفة رأي اليوم 

الاثنين، 5 ديسمبر 2016

صباح بشير: روح المواطنة وغياب مفاهيمها

كانت ثقافة المواطنة ولا تزال من الثقافات الهامة المؤثرة بشكل إيجابي فعال على كافة المجتمعات، فمن خلال هذه الثقافة تتأكد خصوصية المجتمعات وانتماءات افرادها، كما تتعزز الوحدة بين أبناءها وتتحرك مساراتها في اتجاهات إيجابية بما يُنمي قيم العدل والمساواة فيما بينهم ويشجعهم على المشاركة في الشؤون العامة والمساهمة فيها. وهكذا يكون الحال معكوسا في حال غيابها، كما يحدث الآن في مجتمعاتنا العربية بكل أسف! إذ تظهر كلمة المواطنة وكأنها كلمة شاذة غريبة ودخيلة على ثقافتنا الحالية، ويبدو أن هذا المصطلح في أبعاده الاجتماعية والثقافية لدينا غير كافٍ على المستوى الذي يشكل وعياً كاملاً به بما ينعكس على قيم الفرد وسلوكياته التي تعبر عن حبه لمجتمعه وانتمائه لوطنه .

لا يخفى على أحد بأننا نعايش اليوم حالة من الغياب التام لهذا المفهوم -المواطنة- عن قيمنا الوطنية والأخلاقية مع فقدان المناخ الإنساني الذي يفرض احترام الإنسان وحقوقه ، ومع انحسار قيم العدالة والمساواة وحرية التعبير والاعتقاد ، وعدم توافر الفرص المتكافئة أمام مختلف أبناء المجتمع الواحد بحيث تؤخذ في الحسبان دائما انتماءات المواطن السياسية ومستواه الاجتماعي وروابطه الدينية، كل هذه الأسباب مجتمعة تقف حائلا أمام مجتمعاتنا دون تحقيق أدنى مستويات التنمية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية .

ان من اهم العوائق التي تعترض  ثقافة المواطنة ومبادئها وتحول دون تبنيها ، هي فكرة الهويات الأثنية والدينية أو الحزبية أو الطبقية التي ترتب الناس وتصنفهم وفقاً لها، وبناء عليه تفرض هذه الفكرة رؤيتها وأساليبها في التعامل مع جميع الهويات بكل أنواعها! وعادة ، في ظل غياب روح المواطنة يُستبدل انتماء الانسان للدولة بانتماء آخر قد يتم اللجوء اليه ظناً بأنه قد يقدم الحماية اللازمة من الظلم السائد أو خطر الهويات المختلفة أو الفساد! وبالطبع كل ذلك يجزّئ مبدأ المواطنة ويضرب به في العمق، بحيث يعتقد حامل فكرة الهويات الأثنية والدينية أو الحزبية بأن هذا الانتماء هو ذاته ما يمثل الانتماء للوطن! وهذا ما يتسبب بتصدع وشرخ المجتمعات وهدم بُنيتها كما وينشر الفتن ويؤدي لانعدام الحريات والتنكيل بالإنسان وحقوقه وكل ذلك بسبب عدم تقبل الهويات المختلفة من منطلق نظرة عنصرية تجاه الآخر، صاحب الهوية المختلفة، مما يؤدي إلى مزيد من الانقسامات والصراعات التي أصبحنا نشهدها اليوم كما الحال في بعض الدول العربية التي تعاني من الطائفية والعنصرية والتطرف، فعدم الاعتراف بالهويات الأخرى وعدم قبول الآخر المختلف يودي بالتأكيد إلى مزيد من العنف واستقبال موجات جديدة من الإرهاب بكل صوره وأشكاله ، سواء كان محلي بتحريك وتأييد من الداخل أو خارجي بتشجيع من الخارج وتحريض منه.

أن غياب ثقافة المواطنة تقَتل روح الانتماء في الفرد وتجعله يشعر بالاغتراب داخل وطنه ومحيطه، وتتسبب بهجرة كفاءاتنا الى الخارج ، كما تتسبب بنشر ظاهرة المحسوبيات والواسطة فيعم الفساد في كل مؤسسات الدولة  وتنعدم ثقافة وقيمة العمل التطوعي فتغيب مشاركات المواطن في معظم الأنشطة الاجتماعية التطوعية المختلفة ، وتختفي معظم القيم الإنسانية السامية في سلوكيات الناس وتعاملاتهم وتصرفاتهم، كالتسامح وقبول الآخر واحترام حقوق الانسان وقيم التضامن والتعايش والتآخي ، وتَعُم حالة من الاستهتار وعدم المسؤولية تجاه المال العام أو الاملاك والمرافق العامة التي عادة ما نلاحظ تخريبها أو الاستيلاء عليها . حالة عارمة من الفوضى والانفلات التي تهدد الحياة الشخصية والاجتماعية لكل منا في وضعٍ كهذا .

أن علينا التفكير ملياً بما آلت إليه أحوالنا وسلوكياتنا مما نشاهده من مظاهر مؤلمة تعبر عنها . علينا بمراجعة ولاءاتنا لأوطاننا وتعزيز ارتباطاتنا العاطفية بها كما علينا بتعظيم واحترام كل قيم التعايش وقبول الآخر والكرامة الإنسانية، نحن نحتاج لسلطة تَخضع للقانون وتحترمه وتُخضِع الناس بالقانون، كما يقع على عاتق المثقفين ومنظمات حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع مسؤولية التوعية بثقافة المواطنة الحقيقية البنّاءة وتعزيز الانتماء لهوية الوطن أولاً وأخيراً وقبل كل شيء، وتفعيل المشاركة في المسؤوليات والشأن العام بما يعزز علاقة المواطن بوطنه ويخلق روح التضامن والمحبة بين أفراد المجتمع الواحد .

صحيفة رأي اليوم 

الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

غياب الثقافة التضامنية في ظل تراجع المشهد السياسي

ما من شك بأن تقصيرنا وانقساماتنا وتضارب خياراتنا شكل حاجزاً فيما بيننا وبين الشعوب الأخرى مما أدى إلى إضعاف تعاطف العالم معنا ومع قضايانا المصيرية الهامة كشعوب عربية تقبع تحت القمع والظلم ، وما من شك أيضا في أن ظهور التنظيمات والحركات الإسلامية المتطرفة ساهم في تشويه صورتنا العالمية اكثر فأكثر مما باعد بيننا وبين أهدافنا السامية لنيل الحرية والكرامة الإنسانية المفقودة وشوش صورة كفاحنا العادلة لنيل ما نصبو اليه كشعوب مسحوقة تعاني الظلم والفساد والفقر والإذلال ، ومع هذا لا يعتبر ذلك مبرراً كافياً ومقنعاً لكل ذلك السقوط الأخلاقي والسياسي الواضح من حالة الصمت للرأي العالمي العام أمام ما تمر به شعوبنا العربية ومعاناتها في فلسطين أولاً ومن ثم العراق وسوريا واليمن وليبيا ، فهل هناك ما يمنع فعلا من معرفة الحقيقة وإيضاح الصورة وإدراك ما يجري من الظلم الواقع على هذه الشعوب ؟  لماذا يُترك الإنسان وحيداً  يواجه العنف بصدره العاري دون أي اعتراف بحقه في الحياة والوجود ؟ لماذا يتهرب العالم من مسؤولياته الإنسانية والسياسية تجاه شعوبنا المسحوقة ؟

لا أنكر أبدا بأن انقساماتنا السياسية والفكرية وتضارب خياراتنا وتشتتنا أضعف تعاطف العالم معنا لدرجة أننا لم نعد نشهد اليوم حتى لو مسيرة واحدة أو اعتصام أو تظاهرة شعبية تُنظَّم لتعبر عن موقف سياسي واضح او تعاطف إنساني أو تأييد يطالب الحكومات والقوى السياسية بالتعاطف والمشاركة الوجدانية معنا ، وهنا لا أقصد بأن تتبنى الشعوب الأخرى ثمن المساهمة في قضايانا ومآسينا إنما أقصد التعاطف والتضامن مع تلك القضايا وقيمها الإنسانية  .

ربما كان تحييد وغياب مفاهيم الثقافة التضامنية على جميع المستويات ولفترات طويلة من الزمن حتى فيما بين أبناء الوطن الواحد سبباً من الأسباب ، لكن هذا ليس عذرا واضحا لانعدامها  ، لقد باتت حالة لاإنسانية عامة لافتة تنطبق على معظم القضايا ،  مما دفع بنا إلى حالة من اليأس والإحباط وفقدان الأمل بعدالة قضايانا أو انتصارها يوما ، فيما نشهد واقع تقديس المصالح الخاصة للقضايا المشتركة التي تحمل منفعة لدى القوى المتضامنة معها  فقط والتي تتقاطع أهدافها وتطلعاتها معا لتحدد بذلك أصدقائها وأعدائها في حدود تلك المنافع ضمن مقاسات ومعايير محددة  توحد خطاها لبلوغ أهدافها لا أكثر ، وهنا لا بد أن نتطرق إلى العولمة التي لا بد وأنها جعلت هذه القضية عالمية ومنتشرة في مداها فبدل أن تعزز الشعور بالوحدة الإنسانية  زعزعت استقرارنا وعمقت الفجوة فيما بين الشعوب ، وتعمقت لتسيطر وتتحكم وتضع قوانين تجعل مجموعة من دول رأس مالية تتحكم في الاقتصاد العالمي لتبحث لها عن أسواق ومصادر جديدة بما يمد حدودها الاقتصادية ومصالحها مع دول وأهداف أخرى ، فلم يعد التضامن الإنساني من ضمن أولوياتها فالمصالح المادية والاقتصادية دائما ما تفصل وتحكم الأمور ، ولم يقتصر الأمر فقد على الأبعاد المادية أو السياسية إنما وصل إلى البعد الحيوي والثقافي الذي يتمثل في منظومة القيم ، فَتَحَوُّل العالم الكبير إلى ما يشبه القرية الصغيرة ، وسهولة الاتصال والتواصل والتنقل بين أطراف العالم المختلفة كان من المفترض أن يُنتج  بعداً إنسانيا واضحا وتفاهما متبادلا بين البشر، إلا أنه ومع الأسف باتت نتائجه تُظهر العكس ، لقد استُغِلَ مفهوم العولمة لفصل العلاقات الإنسانية فلم ينجح في دمج سكان العالم في مجتمع عالمي إنساني واحد يحمل ذات القيم لتتساوى فيه الشعوب ويتم الاعتراف بحقوقها في تقرير مصائرها مما يضمن سيادتها وحريتها والعدالة لكل فرد فيها ، من هنا نجد تأثيرها السلبي يتنقل فيما بين أثرها الاقتصادي والثقافي على نمط الحياة وعلى نظامها الذي قضى على قيم العلاقات الإنسانية والتفاعل المباشر ، فأصبحت علاقات البشر تحكمها وتتحكم بها المادة فقط . أيضا لا بد هنا أن نشير للأثر الكبير والدور الذي لعبته الوسائل الإعلامية ووسائل الإتصال المختلفة حول العالم في انتشار سلبيات ثقافة العولمة بما يتناقض مع المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة ، مما حدد معايير سلوكية جديدة نشأت في ظل حالة الاقتصاد العالمي والثقافي الحديث الذي نعيشه جميعا بحيث تفتقر هذه السلوكيات للمعايير والقيم والغايات الإنسانية التي تجعل من الإنسان يستشعر وحدة المصير الإنساني ، فلم يعد يدرك بأن أي كارثة بشرية أو بيئية أو إنسانية قد تحدث في أي مكان من العالم قد تؤثر عليه وعلى مصيره الإنساني بشكل أو بآخر .

ها نحن اليوم نعيش في ظل غياب ثقافة التضامن الإنساني وانتشار الفوضى والتوترات والتناقضات وانعدام الأمن والاستقرار ، جميعنا يلهث خلف تطلعات وأحلام متناقضة وأوهام متضاربة دون أي أمل في الوصول إلى ضفة آمنة حتى اللحظة .

بالطبع لا يعود السبب إلى العولمة بذاتها فقط ، إنما إلى كل الأطراف المستفيدة من المصالح والأهداف التي كانت تسعى إليها من خلالها ، إذ لم يكن ضمن أجنداتهم يوما تحديدها أخلاقيا وإنسانيا أو سياسا لكي لا تتضرر مصالحهم أولا وليتحرروا من المسؤولية التابعة لمصائر تلك الشعوب المستباحة والمتضررة ثانياً ، من هنا ومن هذا الموقف تحديداً استفاد القوي وخسر الضعيف ، فاستِفادة الأقوياء خلقت لديهم نوعاً من العنصرية وكره الأجنبي وعدم تقبله ، ورفض اللاجئ والخوف منه ، وخسارة الضعفاء كرست الكراهية والحقد والعداء للغرب ورفضه ، وعدم الثقة به .

لم نعد نستشعر بوجود قضايا مشتركة بين البشر ولم يعد هناك أي إمكانية للتضامن حتى بين شعوب ذات المناطق فيما بينها        ، انتهى عصر الأحلام للمشاريع الوطنية التي توحد تطلعات الشعوب كمشروع الوحدة العربية مثلا ، بات النزاع راسخا فيما بين نخبنا الوطنية والثقافية مما أسس لكل التطرف المذهبي والسياسي والطائفي الذي نعيشه اليوم ، بالتالي فقدنا أي تواصل فكري وثقافي فيما بيننا ، حالة من الضياع العام والأنانية السياسية والاقتصادية المدمرة ، كل هذا التفكك والغياب لكل القيم والمعاني السامية حول العالم ساهم بشكل فعال في قتل الضمير العالمي وغيابه عن المشهد الإنساني في قضايانا المطروحة كالأمن والحروب ، السلام والفقر والهجرة واللجوء ، فقدان الكرامة وغياب العدل .

 عالميا نحن نعيش حالة مخاض صعبة جدا وعسيرة ، وصلت بنا إلى أزمة فكرية وسلوكية حقيقية ، فعلاً وممارسةً ، حالة من التخبط داخل الدول والمجتمعات وفيما بينها ، ورغم كل ما نعيشه من ثورة اتصال وتواصل فكري وتقدم علمي في شتى الميادين إلا اننا لم نصل بعد إلى المستوى الذي يجعلنا نُقدّر معنى التضامن الإنساني فنشعر بآلام الآخرين ومعاناتهم أينما وجدوا على هذه الأرض دون تمييز لأصولهم وأعراقهم وعقائدهم الدينية .

 الصورة قاتمة وإحياء ثقافة التضامن بين الشعوب صعبة فالظلم والقهر سيد الموقف ، لكن علينا أن نخلق عالما جديدا بالقوة والمثابرة والصبر . لنعاود مراجعة حساباتنا الثقافية والفكرية البناءة ، ونتضامن مع كل فرد أو جهة تسعى جاهدة لذات الهدف وذلك لإحياء تضامننا الإنساني وجعل تلك القضية الهامة على سلم أولوياتنا لبناء أخلاقيات عهد جديد نرجوه ونتمناه جميعا لأبنائنا .

- صحيفة رأي اليوم 

السبت، 26 نوفمبر 2016

صباح بشير: خصوصية الشخصية وخلط المفاهيم

إن بناء الحضارة في المجتمعات تستند على بعض الأسس الأخلاقية الهامة وذلك لتصل إلى غاياتها الإنسانية الكاملة ، ويعتمد ذلك على وعينا كأفراد ومجتمعات وإدراكنا للكثير من المناحي الحياتية المختلفة واحترامنا لمنظومة القيم والمعارف الإنسانية . والحرية هي أحدى القيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة التي علينا جميعا أن نؤمن بها ونسعى دائما لها ، وهي تحمل المعاني السامية التي تعود على الإنسان بالراحة النفسية والإحساس بالسعادة وتسمح له باختيار طريقه وأعماله وسلوكياته فتحقق له مصالحه ومآربه وإنجازاته في الحياة .

يولد الإنسان حراً ويجب أن يعيش حراً في ممارسة حقه الطبيعي في التعبير عن رأيه واختياراته الشخصية مع الاعتبار لعدم المساس بحرية الاخرين ، إلا أننا وللأسف عادة ما نصطدم بعدم احترام الحرية الشخصية للفرد في مجتمعاتنا العربية ، ولا بد أننا عانينا جميعا من ذلك بشكل أو بآخر بسبب مفاهيمنا السلوكية التي تفتقد للمنطق والتفكير الواعي .

إن احترام الخصوصية الشخصية للفرد هو من أهم الحقوق الإنسانية التي تحفظ كرامة الإنسان التي لا تستقيم الحياة بدونها ، لذا فعلينا جميعا تقدير ذلك باعتباره من أهم الحقوق وأقدسها . لكن ومع الأسف ، مفاهيمنا الاجتماعية بمجملها تحمل طابعاً من العنف والتطرف ، كما أننا غالباً ما ننتهج أساليب التفاهم بالقوة وفرض الرأي وعدم الإلتزام بالحوار البناء وتبني بعض الألفاظ القاسية البغيضة في حواراتنا ونقاشاتنا فتسيء لمشاعر الآخر وكرامته ! ونسمح دائما لأنفسنا بالتطفل على الآخرين وعلى خصوصياتهم التي لا تعنينا .

إن انتشار هذه السلوكيات عبر ثقافتنا وتربيتنا ما هو إلا مؤشر واضح على انحدار المستوى الأخلاقي ، فلطالما تضايقنا من المتطفلين وانزعجنا منهم وتكدرنا بسببهم ، فنحن جميعا نحاول دائما كتم اسرارنا الخاصة والمحافظة على خصوصياتنا وحمايتها من تدخلات الآخرين ودوافعهم التي قد لا تعنينا بشيء لكنها تجعلهم يقتحمون حياتنا للاطلاع عليها واكتشاف القسم المستور منها ، دون أي إدراك بأنهم بذلك اعتدوا بشكل صارخ على الاخر وحريته وهدروا كرامته وجرحوا مشاعره وهددوا بذلك جزءاً من أمنه وأمانه الخاص .

إن شر الناس من تطفل عليهم وعلى حياتهم وتدخل بها حتى لو كان ذلك بحجة حسن النية أو إسداء النصيحة ، فالنصيحة لا تعطى إلا لمن يتقبلها ويرغب بها ماذا وإلا علينا أن نصمت وأن لا نسمح لأنفسنا بالتدخل والتطفل على الاخرين .

لنعود أنفسنا بأن احترام خصوصيات الآخرين من أهم المبادئ الأخلاقية التي يجب علينا جميعا الإلتزام بها ، فلا حرية حقيقية ولا كرامة للإنسان في ظل تدخل الآخرين بشؤونه الخاصة أو قراراته الشخصية ، فلماذا نعتدي على الآخرين بطريقة تفكيرنا وسلوكياتنا التي لا تعترف بالفرد ككائن حر مستقل بذاته ، إلى متى سيظل الفرد لدينا يعيش حالة من التهميش لصالح الأعراف والعادات السلبية التي تخص القطيع ؟ ما الذي يمنعنا من الخروج من العقلية القبائلية ؟ الكل يتدخل في أبسط تفاصيلك ! لباسك ، مظهرك الشخصي ، طريقة تفكيرك ، معتقداتك وأفكارك واهتماماتك وخياراتك في الحياة ، ذوقك الشخصي وعلاقتك بربك ! حتى أنهم يحاسبونك على نواياك التي لم يحصل وأفصحت عنها بعد !

إن حياة الانسان وأسراره وقضاياه الشخصية ما هي إلا ملك شخصي له وحده ، وهي حصنه الداخلي الذي لا يجوز التدخل به او الاطلاع عليه ، إنه ستره الخاص الذي لا يجوز انتهاكه لأي سبب كان . إن مهاجمة الفرد بهذه الطريقة اللإنسانية  لشخصه وفكره أو معتقده وعدم احترام حقه باختيار ما يناسبه بكل حرية يتسبب بتدميره معنوياً وفكرياً وأخلاقيا ، كما ينتزع منه البعد الإنساني ويقمع شخصيته ويعزله عن مجتمعه ويؤثر على انتماؤه ويعطيه شعوراً بالاغتراب عن محيطه مما يؤثر على عطاؤه كعضو فعال في المجتمع .

وهنا لا أدعوا للإنغلاق أو العزلة لكنها دعوة لتصحيح مسارنا وانتهاج المنطق والتفكير السليم والسلوكيات الإنسانية التي تحفظ خصوصياتنا من الإنتهاك وحقوقنا وحرياتنا في التفكير والمعتقد والتوجهات والاختيارات الشخصية من الانتهاك  .

لنستشعر دائما المبادئ الإنسانية الراقية ونتماشى مع التطور لكي نتقدم مع المسيرة البشرية والتحضر السليم .

- صحيفة رأي اليوم 

الأربعاء، 16 نوفمبر 2016

أين نجد التسامح في يوم التسامح العالمي ؟ !

في عام 1996 وبتاريخ 16 من تشرين الثاني – نوفمبر ، قدمت الجمعية العامة للأمم المتحدة للدول الأعضاء دعوة للإحتفال باليوم الدولي للتسامح ، وذلك للقيام بالأنشطة المناسبة الموجهة للمؤسسات التعليمية بشكل خاص ولعامة الجماهير بشكل عام ، ونصت الوثيقة الخاصة بمؤتمر القمة العالمي بالتزام الدول الأعضاء والحكومات بالعمل على النهوض بحرية الإنسان وتقدمه في كل مكان وتشجيع لغة الحوار واحترام الآخر وثقافتة والتسامح والتعاون فيما بين مختلف الحضارات والشعوب .

مع الأسف الشديد لم نشهد حتى اليوم في عالمنا العربي على وجه التحديد سوى تنامي لظاهرة التطرف وكراهية الأخر وعدم تقبله ، وبرزت العنصرية والكراهية ! احترام حقوق الإنسان والتسامح وقيم التعايش لم تعد قيد الحسبان ! يعلو صوت خطاب الكراهية ونسمعه في كل مكان خاصة في الكثير من الوسائل الإعلامية التي تدعو وتحرض على الطائفية الدينية والأثنية ، فانتشرت الحروب بين أبناء الوطن الواحد والانقسامات وتشتت شعوبنا في شتى أصقاع الأرض ! ولم نعد نميز بين القاتل والمقتول وبين المجرم والبريء الكل ضحية الكل ! فأين وصلت قيم التسامح في العراق مثلا أو سوريا أو اليمن أو ليبيا وحتى فلسطين حيث الانقسام الذي لم يجد طريقه الحقيقي إلى النور بعد !

هذا حال التسامح اليوم على مستوى الدول أما على المستوى الاجتماعي فحدث ولا حرج ! فلقد أصبحت قيمنا العليا كالتسامح ونصرة المظلوم والكرامة والعدل وغيرها من القيم ما هي إلا شعارات واهية وظاهرة صوتية لا أكثر نتغنى بها في المحافل الرسمية وأمام كاميرات وسائل الاعلام المختلفة ! بينما واقعنا المرير يعكس الصورة الحقيقية لما أصبحت قيم التسامح والإنسانية من أرخص القيم لدينا ! وهذا هو حالنا اليوم ويشهد على ذلك كل تلك الصراعات والنزاعات على قضايانا الهامشية وتصاعد النزعة الانتقامية بين افراد الوطن الواحد وما هذا إلا دليل واضح وصريح بانهيار منظومة القيم الإنسانية في مجتمعاتنا ، فتُزهق أرواح الأبرياء دون أدنى إحساس أو أي شعور بالمسؤولية !

بعد كل ما نعايش من حروب ومعاناة وانقسامات ، لماذا لم ندرك بعد بأن علينا أخذ قرار إيجابي باتخاذ موقف حقيقي مؤثر في واقعنا ، ونعمل جميعا مؤسسات وأفراد ووسائل إعلام بهدف إعادة غرس قيم التسامح واحترام الآخر وذلك لنتمتع جميعنا بحقوقنا وحرياتنا . وحتى تصبح مجتمعاتنا قادرة على احترام وقبول الآخرين وتقبل التنوع الثري وتقبل الثقافات المختلفة ، علينا بتربية وزرع روح المحبة والتسامح الإنساني في أطفالنا من خلال مناهجنا الدراسية المطلوب مراجعتها باستمرار والتدقيق فيها ، ومن خلال نشاطاتهم التربوية ، فبالمعرفة والعلم والإتصال تُبني حرية الفكر لدى الشعوب ، فنحصد الخير والمحبة في مجتمعاتنا التي تفتقد الوئام والسلام لرفضها فكرة التعددية وتبنيها للتعصب الفكري والديني والقومي .

أيضا علينا أن نربي أبنائنا بأن التسامح يعني حرية الفرد الكاملة في فكره وعقيدته وعلينا بتقبل الآخر كما هو لا كما نريد له أن يكون ، علينا بتعليمهم بأن الاختلاف طبيعي بين البشر بطبائعهم وسلوكاتهم ومظاهرهم الخارجية ومعتقداتهم ولغاتهم وأفكارهم ، والإقرار بكل هذا ما هو الا تقبل للحياة والبشر والطبيعة ، فلا نربيهم على  العنصرية والتمييز ونغرس فيهم الكراهية وعدم تقبل الاخرين ، مما يقودهم الى اعتماد العنف كوسيلة وحيدة لفرض ذاتهم وكينونتهم !

 أبنائنا هم أبناء المستقبل ونريد لهم أن يعيشوا بسلام وأمان ، دون عنف أو تمييز لأي سبب كان ، نطمح لهم بحياة موفقة ناجحة وآمنة فإن فشلنا نحن بتحقيق ذلك لأنفسنا دعونا نحاول لأجل أولادنا فما ذنبهم ؟ يستحق أبنائنا ان يعيشوا بسلام ويتمتعوا بحقوقهم الإنسانية الكاملة فبدون التسامح لن يكون هناك أي مستقبل لنا أو لهم ، دعونا نمنح الفرصة لأنفسنا ولهم ، ولنبدأ بداية مثمرة وجديدة ، فأكثر الشعوب تحضراً هي تلك الشعوب التي تنتقد نفسها بنفسها لتتحول دائما نحو الأفضل بما ينفعها ويساهم في تقدمها الحضاري .

وسعياً لتحقيقي حياة أفضل لأنفسنا ولأبنائنا ومجتمعاتنا لنعلم جميعا بأن قبولنا بالآخرين واحترام وجودهم وثقافاتهم سيؤدي بنا إلى السلام والأمان الذي ترسخه معاني التسامح والاحترام المتبادل فيما بيننا ، وفيما بين الشعوب الأخرى حتى نصل جميعا لتحقيق النهضة والرفاهية والراحة  .

أخي الإنسان : إن المواقف واللحظات الإنسانية كثيرة ومتنوعة في حياتنا ، سواء كانت في أوقات الحرب أو السلم والراحة ، لذا تصرف بمسؤولية وكن محباً للآخرين متسامحاً فليست البطولة في حمل السلاح وقتل الآخر.

 إن ما يبقى خالداً بذكراه هو مواقفك الإنسانية المؤثرة التي تلعبها اليوم فمهما كانت بسيطة لربما يكون دورك الإنساني الذي تساهم به اليوم قد يتسبب غداً في تغيير العالم ليصبح العالم أفضل بكثير مما هو عليه الآن.

- صحيفة رأي اليوم 

الاثنين، 14 نوفمبر 2016

صباح بشير: نساؤنا المبدعات فيما بين الطموح والجروح

حققت المرأة العربية العديد من الإنجازات الهامة التي غيرت من النظرة التقليدية لصورتها ، فكان لها بصمة وعلامة فارقة تجسدت عبر الكثير من مساهماتها البناءة في المجالات الإنسانية والثقافية ، السياسية والإقتصادية والعلمية .

نعيش اليوم الحروب والانقسامات والأوضاع الاقتصادية  والإجتماعية الصعبة ، فأصبح المبدع العربي بشكل عام يحتاج لإرادة وعزم وقوة كبيرة ليتمكن من الصمود والاستمرار ليجسد أحلامه إلى واقع ، ولا يخفى على أحد حجم تلك العقبات التي تجتاح طريق الإبداع فتمنعه من الوصول ، إلا أن نساؤنا المبدعات كان لهن الحظ الأوفر من تلك العوائق ، فكل مبدعة امتلكت شيئاً من طموح يحيط بها ويلح عليها محاولةً فتح آفاقها الإنسانية أو العلمية للمساهمة في إضاءة قسماً ما من فضاءاتنا ، لا بد وأنها اصطدمت بالكثير من الأمور التي ضَيَّقَت عليها مساحتها لتعيق انطلاقها نحو طريق الإبداع ، ولا بد أنها شعرت بأن الطريق متعب ، شائك وطويل، وواجهت الكثير من التحديات والصعاب التي تؤثر على سيرها وتقدمها ، لذلك نلاحظ قلة النساء المبدعات نسبيا مقابل الرجال في الكثير من الحقول الإبداعية لدينا ، وفي ظل ثقافة تفرضها آيديلوجيات اجتماعية مع بعضٍ مما جاء في النصوص الدينية التي ترفض الكثير من الأعمال الإبداعية ، مما يفرض على المرأة المبدعة الالتزام بأدوار اجتماعية تقليدية تؤدي بها إلى التضحية بالكثير مما تنفرد به من خصائص وميزات إبداعية قد لا تتناسب ورؤية مجتمعات غير مرنة على الإطلاق ليؤثر ذلك سلباً على تطورها ونموها الإبداعي .

بشكل واضح وضعت الكثير من النصوص الدينية الخاصة بالمرأة حدوداً لأدائها ودورها في المجتمع الذي تسلح هو بدوره بتلك النصوص لحماية عاداته وتقاليده . قد تكون هذه النصوص وتفسيراتها تهدف إلى ضبط المجتمع أو إصلاحه من خلال معايير أخلاقية معينة خاصة بمجتمعاتنا لتوضح دور المرأة وترسمه ، إلا أننا نجد بأن العديد من التفسيرات الخاطئة للكثير من النصوص قد أسيء فهمها وتطبيقها ، لتجعل المرأة تبدو وكأنها غير كاملة الأهلية فيقوم الرجل بتحديد وتقويم مهامها وأدوارها وواجباتها في الحياة ، فتظهر وكأنها تعيش تحت الوصايه إلى الأبد ، وحتى اليوم لا زلنا نجد بعض الرجال لا يؤمن بتلك الطاقة الكامنة في المرأة ولا يشجعها ولا يهتم بها كزوجة أو أخت أو إبنة مبدعة ، ولا يرى فيها سوى دورها النمطي كأم ومربية وربة منزل ، وفيما لو كانت المرأة قوية الشخصية نتيجة ظروفها او تجاربها في الحياة أو دراستها أو عملها ، فإننا نلاحظ بأن  الكثير من الرجال يتجنب الاقتران بها بالرغم من ميزاتها تلك التي تدعو للفخر والثقة وتؤهلها لبناء زواج وأسرة سعيدة ناجحة ، وقد شهدنا الكثير من النساء الفاعلات في الحياة الأسرية ممن يتحملن المسؤولية في كثير من الحالات اثناء غياب الزوج  بداعي المرض أو السفر أو غيره من الظروف القاسية ، فتتخذ هي القرارات وتقوم بإدارة بيتها وأسرتها بكل فاعلية ونجاح .  أيضا هناك الكثير من الرجال الذين يولون اهتماما لشكل المرأة وصورتها فقط دون النظر لإنتاجها الفكري أو الإبداعي بالرغم من إثباتها لنفسها وتحقيقها للعديد من الإنجازات والمكتسبات إلا أن نظرتهم  هي ذاتها مع الأسف لم تتغير كثيرا !  فلا زالت الكثير من النساء تعاني الأمَرّين لإثبات أنفسهن في مجتمعات مجحفة بحقهن ! وتتباين حدة هذه النظرة في مجتمعاتنا العربية من منطقة جغرافية لأخرى ، إلا أنها تحمل ذات المضمون بشكل أو بآخر، فمنهم من يرفضها ويراها مُسترجلة  فهي عادة ما تكون مستقلة وجريئة وهذا ما ينافي طبيعة التفكير السائد الرافض لتجاوز النمط الأنثوي التقليدي ، ونحن دائما ما ننتظر من المرأة تنفيذ دورها الأنثوي بحسب رؤية مجتمعنا وتقاليده وموروثاته ، فإن شذت عن ذلك محاولةً خلق عالما مغايراً لها لتتبوأ موقعا من الإبداع فغالباً ما تُنبَذ اجتماعيا ! مما يتسبب في التضييق عليها والتشويش على تركيزها وعطائها ويؤثر بذلك على أدائها وإنتاجها ويحول دون نجاحها !  بينما نجد بأن نظرة مجتمعاتنا اكثر تسامحاً مع الرجل المبدع وأكثر تلائما مع نموه الإبداعي والفكري ، فهو يمتلك من المزايا الاجتماعية ما لا تمتلكه المرأة  من الاستقلالية ومساحة الحرية والثقة اللازمة لتشجيعه ودعمه ليتطور ويحقق ما يصبو إليه من النجاح والإبداع .

ضمن هذه الأجواء السائدة وما لها من انعكاسات وثأثيرات سلبية عميقة على المرأه وإبداعاتها ومجريات حياتها ،  بالتالي بقرار لا واعي منها ستفقد المبدعة جزءاً من ثقتها بنفسها وإمكانياتها أو الشعور بقيمتها مما يعرضها لليأس والإحباط!

من هنا وكما نرى فأن المرأة المبدعة لا تزال تعيش أوضاعاً ضاغطة ولا تزال تحاول الخروج من قوقعتها الشائكة بحثاً عن مكانٍ ما لا تشعر فيه بالاغتراب عن عالمها المبدع ، فتعيش حريتها وترتقي بأدائها وتنطلق لتكون معطاءة فاعلة ومؤثرة ذات بصمة ، بعيدا عن كل ما يتسبب بتقييد إنتاجها الإبداعي ، تارة بإسم الدين وتارة أخرى بإسم العادات والتقاليد وتارة بأسماء ومسميات أخرى!

- صحيفة رأي اليوم 

الجمعة، 4 نوفمبر 2016

صباح بشير: الربيع الدموي وثقافة الكراهية

يولد الإنسان حراً محايداً، بعد ذلك ينتهج سلوكاً وتفكيراً يوافق تربيته ونشأته المحيطة مرتبطاً ارتباطاً وثيقا بالمنظومة الاجتماعية وقيمها وقوانينها من حوله ، وبطبيعته الإنسانية فهو دائما ما ينشد العدالة والحرية والأمن والسلام .

فى السنوات الأخيرة برزت الطائفية كَسِمة للعديد من المجتمعات العربية لتصبح العلاقات بين الطوائف المختلفة محل اهتمام الجميع ، وهنا سنتحدث عن الطائفية بشكل خاص التي ما أنتجت لنا سوى الكراهية وعدم تقبل الآخر ورفض ثقافة التعددية في مجتمعاتنا التي فشلت كثيراً من الدول في دعمها وترسيخها مما دفع بخطاب الكراهية ليحتل الصدارة فيغدو ثقافة عربية بامتياز ! هذا الخطاب الناتج عن العديد من التراكمات الزمنية استفادت منه بعض القوى الدينية والاجتماعية والسياسية وذلك لاستثمار هذه الثقافة وتوظيفها وفق أجنداتهم الخاصة ، علماً بأن الجميع يتفق على أن الكراهية ما هي إلا أحد مؤشرات التعصب المؤدي إلى العنف ، ومع ذلك نستمع يوميا إلى الخطابات التي تحرض عليها وعلى إقصاء الآخر وقمع حريته تحت مبررات مجتمعية أو دينية تستمد شرعيتها من بعض النصوص الدينية التي أُسيء فهمها وتفسيرها ! ولا أعرف لماذا لا نكون أكثر ذكاءً وفطنة وإدراكاً للحقائق ، ولماذا لا نتعلم مما نعيشه يوميا ! ألا نشاهد ما جلبت الطائفية والعنصرية والتطرف في البلاد العربية ؟  لبنان سابقا واليوم نجد العراق وسوريا وليبيا واليمن ،  نعيش الحروب والفوضى باسم الربيع العربي تارة ، وبإسم تحرير البلاد من الطغاة  تارة أخرى  أو باسم القضاء على الإرهاب وغيره مما يؤدي إلى زيادة التفتت والصراع .

 نرى كل ذلك وكأنه صُمِّمَ ليُشغل العرب بعضهم ببعض ، وبالتالي تحطمت كل الآمال المَرجوة من ذلك الربيع المزعوم ! كما تردت الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية وانتشرت البطالة وكثرت المآسي الدموية وتشرد العرب في جميع بقاع الأرض  !

نحن نتقبل ونعلم بأن الطوائف جزءاً من البنية الاجتماعية لمجتمعاتنا ، لكن ما يؤلم حقا هو ثقافة التعصب وعدم تقبل الآخر الذي يسيطر عليها ، مما سبب لنا كل ما نعيشه من نزاع وألم وانقسامات وتشتت ، ومن المعروف أيضا أن ما نمر به اليوم من الطائفية التي فشلنا من احتوائها زاد في انغلاق أبناء الطوائف على أنفسهم مما شكل حواجز نفسية وزرع سوء الفهم وأدى إلى عدم الشعور بالرابطة الوطنية المشتركة التي تجمع أبناء الوطن الواحد ، فبرزت الروح الفردية بطبيعتها الأنانية العدوانية متسببةً في كل ما نشاهد من القتل والدمار والمعاناة البشرية ، وها نحن نحصد ما جلبه لنا البغدادي مثلاً من التطرف والعنصرية ، وغيره من المتطرفين الذين اتخذوا الدين مطية لمصالحهم وأفكارهم الشريرة ، فنجد العرب يعبدون رباً واحدا ويقرأون القرآن إلا أنهم يقتلون بعضهم البعض فالقاتل مسلم موحد بالله يردد ” ألله أكبر” والمقتول مسلم موحد بالله يرددا الشهادتين! فتسيل دماؤهم لتملأ شوارع المدن العربية ! هذا ما جلبه لنا ذلك الربيع الدموي الذي أعادنا وأعاد بحركة التاريخ إلى الوراء حقبة من الزمن !

ألم يحن الوقت لأن ندرك بأن التعصب وإقصاء الآخر هو البيئة المنتجة للكراهية والموت ؟ لماذا نرى المسلمين في أوروبا وأمريكا يعيشون بسلام  ومحبة دون إثارة أي نعرات طائفية أو دينية ؟ بالطبع لأنهم وجدوا دولاً تنعم بالديمقراطية والسلام ، تحترم القانون والإنسان وحقوقه مؤمنةً بالمساواة والعدل ملتزمةً بالحماية الاجتماعية لجميع مواطنيها . إن الآثار السلبية التي ستخلفها الطائفية لنا ستتسبب في المزيد من العقبات أمام أي تغيير جذري مستقبلي مما سيؤخرنا عن التقدم الحضاري ويطيل وجود الصراعات . علينا ان ننتبه بأن الأمر متعلق بنا وبثقافتنا وتربيتنا وقوانين بلادنا ، فبيئة التطرف ورفض الآخر لن تنتج لنا سوى مزيدا من التعصب والكراهية وتتسبب بحصاد المزيد من الأرواح التي لم تختار يوماً خوض نزاعات طائفية اجتماعية أو سياسية .

لا أدرك حتى الآن كيف نقتنع بأن الله عز وجل الرحمن الرحيم ، سيدخل أحدهم الجنة لأنه قتل إنساناً آخر ! فهل يعتبر سفك الدماء أحد شروط دخول الجنة  ؟!  ما أشد جهل الإنسان الذي يؤمن بالأفكار العنصرية ويتبناها في تقييمه للآخرين ونظرته إليهم .

 من العار أن يفتخر الإنسان بسفك الدماء حتى يدخل الجنة ! إن ما يستحق ان نفتخر به حقا هو رصيدنا الإنساني من الحكمة وضبط النفس .

- صحيفة رأي اليوم 

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2016

لوحة ..

لوحة جميلة أبدعها الفنان الإيطالي - Nello Iovine - نيلو أيوفين .. في هذه اللوحة أوجد نيلو لوفين تداخلات فنية رائعة في الانسجام بين تدرج الألوان والضوء والظلال، فجعلها تنساب بكل عفوية وصدق بعد إضفاء روحه الفنية إليها ، هو حقاً عمل مميز إذ يبدو أنه تعامل مع لوحته برفق ومحبة بالغة . نشاهد في اللوحة امرأة تقف في الكنيسة ، تغطي قسماَ من شعرها بوشاح أسود ، وتحيط كتفيها وجسدها بشال صوفي دافئ ، تمسك في يدها شمعة كبيرة ، الشمعة تعكس الضوء على وجهها ، نراها تشخص ببصرها نحو الأفق ، وتتأمل بصمت وعزلة ، وكأنها تقبع في أكثر كهوف النفس دُجْنَة ، لتعيد تشكيل ما احترق في نفسها وتبعثر .
وبكل تلك الوحدة والانفراد بالنفس ، ومن خلال تلك الألوان الدافئة وانعكاس الظل ، نشعر بحميمية المكان وخصوصيته ، وبتلك المسافة فيما بينها وبين العالم وصَخَبه ، تلك المسافة الضرورية التي لا بد منها لتحفظ عليها روحها ونقاءها . تنظر المرأة بكل عطف واستجداء ، نظرة حزينة لكنها صادقة نابعة من القلب ، وعند التعمق في قوة تلك النظرة وتلك الكثافة في عينيها وذلك التركيز ، نستشعر بها وكأنها تُصغي الى صوت ما يتكلم مناديا إياها ، تشعر به من حولها تشاطره حزنها ، فتقف منطوية تحدث نفسها برجاء وأمل : إلهي .. أنت وحدك من يدري كيف أنسج أحلامي فتلطف بي ، كن معي في كل ظرف حزين ، ترفق بي بدفء عطفك وعنايتك التي لا حدود لها ....
الفنان الايطالي Nello Iovine نيلو لوفين ينتمي الى المدرسة الكلاسيكية ، وعادة ما تكون لوحاته مبهرة نابضة بالحياة ، تلامس المشاعر وتؤثر بالروح ، وخلال مسيرته الفنية الناجحة ، حصل على العديد من الجوائز والتكريم ، في إيطاليا وخارجها .



انه عصر الشباب.. ولكل زمن دولة ورجال / صباح بشير


يتميز كل جيل عن الجيل الذي سبقه برؤيته إلى الحياة ونظرته إلى العالم التي يتفاعل ويتواصل مع الآخرين من خلالها  ، وبذلك تتحدد هويته وتُرسَم صورته .

  في ظل كل ما نعيشه من انفتاح اجتماعي وثقافي واسع  يبرز اختلاف واضح فيما بين الجيل الشاب المنفتح على العالم والثقافات الأخرى وجيل الكبار المتمسك والملتزم بعاداته وتقاليده ، مما يؤزِّم العلاقة فيما بين الجيلين فنسمع الأبناء يتهمون آبائهم بالتخلف والتشدد أو عدم التجاوب معهم ومع أفكارهم ، والآباء يتهمون أبنائهم بالاستهتار وعدم تحمل المسؤولية أو عدم احترام الضوابط المجتمعية السائدة !

 تتطور المشكلة أكثر بتطور طرق ووسائل الإتصال والتواصل الحديث ، فقد أصبح الجيل الشاب منفتحا على العالم وعلى الثقافات الأخرى فيصل اليها ويتصل بها بسهولة ليعبر عن نفسه وقناعاته وآراؤه واهتماماته ، فما كان بالأمس ممنوعا على الأبناء أصبح اليوم متاحا ومتوفرا للتعبير والتنفيس عنه ،ومن خلال تطور وتوفر هذه الوسائل وتعددها أصبحت ظاهرة التعبير عن النفس موجودة متعددة وممكنة . فالجيل الشاب لن يتردد بالتعبير عن رأيه في حضرة الأهل وغيرهم في حال كان هناك موضوعا يمسه ويجب أن يُناقش ، بينما كان الجيل السابق يخجل من التعبير عن رأيه أمام الأهل وذلك لتفادي ما سوف يُتهم به لاحقا من الوقاحة وقلة الأدب وعدم احترام الكبير فيما لو حصل وتجرأ وناقش أو عبر عن رأيه بصراحة حول موضوع هام يمسه !

هذه مشكلة ليست بالحديثة ولها العديد من الجذور في الواقع العربي ، إذ تتسع الفجوة الفكرية وينعدم التفاهم أحيانا فيما بين الكبار وفئة الشباب الذي يشعر بعدم تفهم الأهل له ولمشاكله وعدم تقبلهم لأفكاره الجديدة التي تخالف ما تربى وتعود عليه الآباء الذين يفرضون سلطتهم ورأيهم قسرا ، فيشعر الأبناء بأنهم يعيشون في عالم آخر ، وتزداد الفجوة اتساعاً بعدم تقبل الأهل لتصرفات أولادهم وعدم تجاوبهم وتفهمهم للمشكلة .

 وطبقاً للقيم والأعراف السائدة في كل مجتمع ومن بيئة لأخرى فقد تختلف هذه المشكلة وتتفاوت ، لكن تبقى الظاهرة واحدة والصراع فيما بين الأجيال واحد ، وإن تفاوت من منطقة لأخرى ومن بيت لآخر ، فالفرق كبير ويأخذ أشكالاً فكرية وسلوكية متعددة ، مما يشَكّل خلافا في العلاقة القائمة فيما بين الجيلين ليحدث فجوة كبيرة وشرخ واضح يفصل بينهم . ويتمثل الجدال الواقع عادة بالأفكار الجديدة التي يحملها الجيل الشاب ويعبر عنها بتصرفه وسلوكه فينظر إليها الكبار على أنها دخيلة عليهم ، فَتَجاوُز الموروث بالنسبة إليهم خطير وغير مقبول فهو يؤدي إلى الانسلاخ من ثقافتهم مما يجعلهم يشعرون بالخوف على أبنائهم من الاستقلالية وتحطيم الأطر التقليدية !

الدعوة إلى الحداثة .. إحدى الأفكار التي يُتهم بها الشباب للتمرد والخروج عن المألوف فينظر إليها الكبار على أنها منسلخة عن الماضي متخلية عن كل ما هو قديم ، هشة وتحمل نزعة من الفساد ، مما يثير قلقهم وحيرتهم ويشعرهم بأن هذا الجيل رافض تماما لكل ما يمت بصلة إلى العقل والمنطق من خلال منظورهم التقليدي !

نحن ندرك بأن هناك فروقا كبيرة ، ثقافية وتكنولوجية بين الأجيال فمن الطبيعي أن يشعر كل جيل بصعوبة التكيف من منظوره إلى الآخر على ذات سلم المعايير الخاصة به ، ومع ازدياد التطور والتغيير الحاصل والأزمات الاقتصادية وكل ما يطرأ على المجتمع إثر ذلك من مشاكل لتزيد في حدة المشكلة ، فردود الفعل والنظرة العامة للمشكلة وطريقة الحلول متباينة ومختلفة لكل من الجيلين وهنا لا بد من احترام خبرة الكبار وآرائهم والأخذ بعين الاعتبار حصيلة تجاربهم في الحياة ،كما وأن على جيل الكبار إعطاء الفرصة للجيل الشاب ، فالمشاكل الحديثة بحاجة لنظرة عصرية تتبنى حلولها ، لذا فمنحهم الثقة لأخذ القرارات ومحاولة استنتاج الإيجابيات المستقبلية والتحضير لها لتلافي أخطاء الماضي التراكمية الحاصلة بسبب شح الأفكار القديمة التي لم تعد تتناسب مع عصرنا الحديث ، هام جدا للوصول إلى التوازن والتفاعل العلاقاتي وذلك لتجنب النفور الحاصل ما بين الجيلين بما يحمي المجتمع وبنيانه وهويته ويقرب مساحة التفكير ، فمنح الفرص للشباب تمكنهم من إثبات أنفسهم وتحقق مستجدات تصوراتهم وأفكارهم التي تلائم التغيرات العصرية التي نعيشها بما يحقق طموحهم ويعطيهم الأمل بحياة ومستقبل أنجح وأفضل .

أيها الآباء .. لا تتعاملوا مع أبنائكم الشباب على أنهم أطفال فلا بد من أن يتخذوا قرارتهم دون الرجوع اليكم دائما فلا تُملوا عليهم قرارتكم السيادية ، استمعوا لهم ناقشوهم وحاوروهم ولا تحرموهم حقهم في تعلم الخبرات وتحمل مسؤولية القرارات ، من حق أبنائكم ممارسة حريتهم في حياتهم واختيار طريقهم الأنسب وفق ميولهم ورغباتهم وطموحاتهم . لا تجعلوا حبكم لإبنائكم وخوفكم عليهم عائقا حقيقيا في حياتهم .

وللشباب .. عليكم أن تعرفوا أن نصائح الكبار هامة جدا فهي مخلصة مليئة بالحب والخبرة فلا تعاندوا وقدروا خوفهم ومحبتهم ونصائحهم الصادقة فمقياس الإنضباط الأخلاقي في المجتمعات يتمثل في احترام الأهل وكبار السن والمعلمين ، فليس هناك أسوأ من التطاول على كبار السن وعدم احترامهم أو مراعاة مشاعرهم .

أخيرا أقول إن الاختلاف فيما بين الأجيال هام وطبيعي لبناء المجتمعات وإحداث التغيير فيها، لذا علينا أن نحترم المبادرات الشابة ونطلق لها العنان فهي التي تقودنا نحو التغيير البنّاء وعلينا أن لا ننسى بأن لكل زمن دولةٌ ورجال ….

-  صحيفة رأي اليوم 

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

تراجع الذوق العام وتدهور الذّائقةِ / صباح بشير

يتميز ​كل فرد منا بذوقه العام متأثرا بمحيطه وتربيته ومستوى ثقافته حيث يمتاز البعض بحس جمالي أكبر نمطا وسلوكا في أذواقهم وتصرفاتهم، بينما نجد أن كثيرا من الناس يعانون خللا ما في ذوقهم العام أو ذائقتهم الجمالية.
يشعر المتأمل اليوم في حياتنا بالإمتعاض والحيرة تجاه الذوق العام المنتشر في مجتمعاتنا، كما يشعر بالأذى النفسي من الكثير من السلوكيات التي نشهدها يوميا وتستفز مشاعرنا فلا نملك السيطرة عليها ولا نستطيع منعها، إلا أننا ومن منطلق نزعة الخير والإنسانية التي تتمثل في دعم الآخرين ومشاركتهم والتعاطف معهم بصورة فطرية علينا أن نثير هذه النقطة للإشارة بأن هناك تدهورا واضحا في الذوق السلوكي الذي يترك أثره الكبيرعلينا ويشكل مشكلة واضحة لم تعد لدينا القدرة على التعايش معها، ولا أعتبر ذلك تدخلا في شؤون الآخرين أو نوعا من الإعتداء على حرياتهم، فانتشار قلة الذوق السلوكي وهبوط الذائقة الفنية والجمالية وصل لدرجة الاعتياد عليه وعدم الاكتراث به فأصبح مألوفا ومتقبلا لدينا!، وتأكيدا على صحة كلامي سأتحدث عن بعض السلوكيات لتحكموا بأنفسكم عليها.
ربما كان من أهم تلك السلوكيات السلبية الشائعة التي نشاهدها يوميا في شوارعنا من خلال قيادة السيارات، فبينما نشاهد سائقا يجعل من الشارع العام مسرحا للسباق والتسابق مع الآخرين نلاحظ سائقا آخر يتفوه بأقذر العبارات والشتائم لأن هناك سيارة قامت بالتجاوز عنه مثلا! وسائقا آخر وكأنه لم يسمع أبدا بقوانين السير وإعطاء حق الأولوية في الطريق! وآخر يعتبر الشارع ملكا خاصا له فيقوم بإيقاف سيارته في أي مكان يرتئيه مناسبا ( قد يكون في وسط الطريق أو في المداخل الخاصة أو العامة ) بغض النظر عن إغلاقه للشارع أو الطريق العام أو أنه قد يتسبب في أزمة سير أو حادث أو تأخير الناس وتعطيلها! وآخر يستخدم الهاتف أثناء القيادة ليستفسر عن مكان أو عنوان ما ويشغل الطريق ببحثه ويقود سيارته ببطء شديد دون أي مبالاة لأصوات الزمامير من خلفه! وسائق آخر لا يعنيه أمر المشاة من الأطفال أو كبار السن حين يقطعون الشارع! 
ومن السلوكيات الأكثر استفزازا على الإطلاق ذلك المنظر الشهير الذي حفظناه عن ظهر قلب ألا وهو رمي القمامة والمحارم الورقية أو علب الكولا الفارغة أو قشور المكسرات أو أعقاب السجائر من نافذة السيارة! 
وعن عدم المحافظة على النظافة في الشوارع العامة حدث ولا حرج! فليس السائق أو راكب الباص أو السيارة هو فقط من يفعل ذلك! إنما يساهم الجميع دون استثناء في تلويث البيئة والمدن والشوارع ، فنجد الباعة المتجولين والبسطات يرمون بفضلات بضائعهم من الأكياس والأوراق وصناديق الكرتون في الشارع تاركين إياها في المساء كهدية خاصة لصباح يوم آخر مضن وشاق لعمال النظافة! مشهد آخر مؤلم نرى طفلا يرسله أهله ليقوم بمهمة منزلية تفوق قدرته الجسدية فيحمل كيس القمامة البيتي الثقيل جدا بالنسبة لجسده الصغير، وفي الطريق يشعر الطفل المسكين بالتعب فيسقط الكيس من يده، فيترجل عائدا إلى بيته تاركا القمامة متناثرة في مكانها (وهنا بالطبع فإن المسؤولية لا تقع على الطفل إنما هي مسؤولية الأهل). مشهد آخر شاهدته مرارا وتكرارا لإمرأة أو رجل يحمل كيس القمامة المنزلي ويصل إلى مكان الحاوية ولا يضع الكيس بداخلها إنما يضعه بجانبها أو بالقرب منها ولم أدرك حتى الآن ماذا كان سيخسر لو أنه تصرف بالشكل الصحيح ورمى تلك القاذورات في مكانها المخصص لها داخل الحاوية!؟
والله إني لأشعر بالحزن الشديد عندما أمشي في الشارع أو في الطريق أو الحدائق العامة أو في الأسواق، فأينما تقع عينك لا ترى على جانبي الطريق وحول الشجر والنباتات والأرصفة إلا محارم ورقية أو علب الكولا الفارغة أو أكياس مستعملة أو أعقاب السجائر و فضلات الأطعمة وغيره!
سلوك آخر نشهده في مجتمعاتنا ألا وهو ظاهرة الألفاظ البذيئة التي نسمعها يوميا في الشوارع والأماكن العامة وفي كل مكان.
ظواهر سلبية كثيرة غير صحية ولا أمل في الشفاء منها في مجتمعاتنا كظاهرة التدخين في الأماكن العامة التي تحرمنا من العيش في بيئة نظيفة تخلو من السموم والضرر. 
أيضا نعاني من عدم احترام النظام في الدوائر الحكومية أو أماكن التسوق أو أنظمة مواعيد زيارة المرضى في المستشفيات وغيرها مما يعطل مصالح الناس ولا يعكس سوى صورة سلبية عن أخلاقنا وثقافتنا! 
سلوكيات مؤذية كثيرة تثبت عجزنا عن التمييز بين الصواب والخطأ، ونغفل عن احترام النظام والقانون وحقوق الآخرين والذي يُعد من أهم مظاهر العدل وبناء حياتنا سواء كان في التعاملات أو السلوك.
أما فيما يخص الذائقة والتذوق الجمالي فهو أيضا مصاب بلوثة من التراجع والفساد وذلك لارتباطه بنا كأفراد ومجتمعات، فقد بتنا نلمس مَظاهِرهُ السلبية من خلال حالة التلوث السمعي والبصري التي نعيشها يوميا في كل مكان، فتنمية الذوق السلوكي والجمالي لدى البشر يتم اكتسابها ونموها من خلال التفاعل الاجتماعي ونقله من جيل لآخر، فكيف لنا بنقله لأبنائنا ونحن نتبنى كل ما ذُكر من سلوكيات وظواهر يتدهور معها الإنسان وذوقه وإحساسه بالآخرين ؟ وكيف لفاقد الشيء أن يعطيه! 
ولنأخذ الفن الغنائي كمثال واقعي حي ودوره في التأثير على بناء أذواقنا. نشاهد اليوم رواجا لدى الجيل الشاب لمدعي الفن والطرب ممن لا يقدمون لنا سوى عروض غنائية هابطة متجاهلين المعايير الفنية والموسيقية مفتقدين للمهارة والقدرة الصوتية في ظل غياب الفن الأصيل، مما ساهم في تخريب وتشويه الذائقة الفنية ليتحول الغناء إلى كلمات سخيفة يصاحبها بعض الصخب الموسيقي! 
من هنا نلمس تراجع دور الأغنية في بناء الذائقة الفنية التي تمس الفرد ووجدانه، فكيف إذن للذائقة الفنية أو الجمالية أن تعيش وتنمو دون أن يتعود الإنسان على التمتع بمختلف أشكال الفن وجمالياته ؟ 
إن بناء وخلق الذوق العام في المجتمعات هو عامل مهم في مسيرة التقدم وهو يحتاج لجهود المبدعين الفنية والأدبية وأقلام المثقفين حتى نقاوم التدهور الحاصل في شتى الميادين فقد ثبت بأن البرامج التوعوية وحدها لا تكفي لمحاربة السلوكيات السلبية في المجتمع، فمقومات الثقافة والفن والأدب تحمل قدرا واسعا من الإبداع مما يدفع بالذوق العام إلى الإرتقاء، فمتى تحلى الفرد بالذوق الفني والثقافة سيمتلك نظرة جمالية لكل ما يراه من حوله فيصبح أكثر توازنا مما يضفي على حياتنا لمسة إنسانية مؤثرة في سلوكنا وتفاعلنا الإجتماعي.
- صحيفة القدس العربي 

الأحد، 23 أكتوبر 2016

صباح بشير: خروج عن سياسة القطيع ومحاولة لفهم كيفية وقف القتل / صباح بشير

بانتسابنا واتصالنا بقوة مع أمر ما والمحافظة على الإرتباط به وجدانيا وفكريا وواقعيا ، سواء كان العمل أو العائلة أو الوطن أو غيره ، فإننا نسمي ذلك بالإنتماء ، أما المواطنة فهي علاقة الفرد بالدولة التي ينتمي إليها في ظل قانونها وتشريعاتها ومساحة الحرية المعطاة له ، بما له أو عليه من حقوق وواجبات وبمنطلق ما يستشعره الفرد نحو وطنه من الولاء والإعتزاز بالهوية ومراعاة الصالح العام ، على أن لا يتخلى عنه الوطن وقت الأزمات والمحن .

المتابع اليوم للأحداث وأثرها على مفهوم الإنتماء والمواطنة علينا يلاحظ  تأثر الإنتماء بالظروف السياسية والإجتماعية الحالية ، ويلاحظ أيضا ذلك الإنتماء المغلف بوعي زائف نتيجة تشويه الواقع وتضليل الحقيقة في عقول الناس ، لذا أصبحت رؤيتهم للكثير من الأمور والمواقف لا تعبر تعبيراً حقيقياً عن واقعهم الفعلي ، فينتج عن ذلك الإنتماء الزائف المشابه لسلوك القطيع الذي يتمثل بتبعية الفرد التامة وحرصه على مصلحة الفئة التي ينتمي إليها دون غيرها حتى لو تعارض ذلك مع الصالح العام اعتقاداً منه بأنه بكامل الوعي والإدراك والإنتماء للوطن ، إلا إنه في حقيقة الأمر لا ينتمي ولا يدرك ولا يخدم إلا فئة واحدة دون غيرها ، مُترتبا على ذلك العديد من النتائج السلبية كالتعصب الأعمى والتطرف والعنف والصراع مما يؤدي إلى تفكك المجتمع وهدمه ، وذلك لتعصب كل فئة لمصالحها ووجهات نظرها على حساب بقية الفئات .

في ظل ما نمر به من أزمات متتالية وانقسامات وتعثر وشعور بالفشل من عدم قدرتنا حتى الآن على بناء مجتمعات مدنية نحقق فيها نهضة تبني لنا دول حديثة ، فقد بات من الضروري أن نتأمل جيدا ونعيد قراءة التاريخ والواقع ونستخلص النتائج والعبر ، وحين ننظر إلى كل أسباب الفشل فإننا سنكتشف بشكل واضح وجلي بأن سيكولوجيا الحشد هي سببا من الأسباب ، وفي هذه الحالات يبتعد الناس تماما عن مفهوم التضامن الإنساني والتفكير والتفكر والعقل والتعقل ، وذلك لا يقتصر فقط على المواقف السياسية التي نعيشها اليوم فقد شاهدنا في السنوات السابقة وخلال مباريات كرة القدم مثلا ، حين تحمس الجمهور باندفاع معترضا على قرار الحكم بعنف ، فعمّت الفوضى أرجاء الملعب مما أدى إلى كارثة تأثر بها من تأثر ، وأصيب بها من أصيب !

تهيمن اليوم حالة من اللاوعي وعدوى المشاعر العنيفة بين أناس يحملون ويتشاركون ذات الصفات فيتبعون بعضهم البعض بسلوك السرب أو القطيع ، وأياً كانت الفكرة أو المبدأ الذي جمعهم تحت رايته سواء كان أصوليا دينيا ، طائفيا أو عرقيا ، أو حتى لو ظهر بأي صورة من صور الحداثة والعصرنة ، سيبقى سلوك القطيع هو ذاته رغم اختلاف هيئته الظاهرة ، فهو يكرس سلوكا جامدا ونمط غريزي غير خاضع للتفكير أو إعادة النظر فترجح كفته دائما نحو التعصب والأصولية والإنغلاق الفكري أو الطائفية !

من هنا أصبحنا نشاهد يوميا الكثير من صور إراقة الدماء ، بُثت روح الكراهية والحقد ، ومع التكبير والتهليل نرى أطفالاً يُعلَّمون كيف تقطع الرؤوس ! يُكرهون الناس بعضهم ببعض ويعلمون الإنسان إحتقار أخيه الإنسان لا لشيء إلا لأنه مختلف معهم في الرأي أو العقيدة ، شباب فقد إنسانيته بإسم الدين أو الطائفة ، حُمِل أفكاراً جعلته قاتلا في سبيلها ! حروب وانقسامات ونزاعات لن تنتهي يوما إلا بترك فكرة القتل لمجرد الأفكار .  ولِعصور وأزمنة طويلة كان الإنسان يقتل أخيه الإنسان تحت رايات الجهل والتطرف ، لِيُسقِط حقه في الحياة على اعتبار أنه لا يستحقها بسبب اختلافه العقائدي والديني ، وفي الاختلافات العقائدية التي أدت إلى العنف نجد أن كل المؤمنين بعقيدة ما يرمون الآخرين بالكفر ويؤمنون بأن عليهم تطهير الأرض من أصحاب العقيدة الأخرى ! والأمثلة عبر التاريخ عديدة وكثيرة يطول شرحها ، فمثلا قبل قرون وعندما انقسم العالم المسيحي إلى قسمين في أوروبا قسم كاثوليكي وقسم برتوستانتي قامت بينهما حروب طاحنة فذهب ضحيتها أعدادا ًلا تحصى من القتلى ، وفي حروب الثلاثين عاما خسرت ألمانيا نصف عدد سكانها ودَمَّر الجيش السويدي ثلث مدنها كما انخفض عدد سكان الأراضي التشيكيه إلى الثلث ، أما الحرب الأهلية في اسبانيا فقتلت ستة آلاف من رجال الدين ومئات الآلاف من الضحايا ، ولا ننسى الحملات الصليبية التي قامت لذرائع دينية ، وحروب الردة التي أطلق فيها الخليفة أبو بكر حملة إبادة جماعية للقضاء على القبائل العربية التي أعلنت تركها للإسلام فاستُبيحت أموالهم ونسائهم ، أما الفتوحات الإسلامية التي انتشرت تحت راية الجهاد والدعوة إلى نشر الدين ، توسعت لتصل إلى العراق والشام والقدس ومصر وإسبانيا ليُقتل بسببها الملايين  . الحروب الأهلية اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عاما وقتلت الآلاف ، والحرب المأساوية المؤلمة في سوريا ، وأعمال العنف والقتل والتخريب في العراق ، ودائما كانت الطوائف الدينية تتذرع بالكثير من التبريرات والشعارات منها حق الخلافة أو إقامة الدولة أو الإمامة أو الثأر وغيره .

  كل ذلك ولا يزال الصراع ممتدا بين الأحزاب والطوائف على السلطة وذلك لفرض رؤيتها ونفي الآخر بإسم الدين أو الإنتماء ، ولا تزال الضحايا تتساقط ، ولا زالت رموز الظلام تقتات على غرس العنصرية وبث الكراهية في النفوس  !

أيها الإنسان .. ألم يحن الوقت للخروج عن مجتمع القطيع وتجاوزه ؟ متى ستدرك بأن مكانك الجغرافي والبيئي هو من قرر ماهية ديانتك منذ الولادة ؟ متى ستدرك بإنك ضحية أوهام وأفكار الهوية العقائدية والقومية الموروثة ؟

 فهل يُعقل بأن نعاني كل ما نعاني ونقتل بعضا البعض لمجرد الإختلاف في الهوية والقومية أو الإنتماء العقائدي والديني أو الحزبي أو الطائفي ! لماذا لا ندرك بأن العصبية السياسية والدينية والإجتماعية تجرد الإنسان من أخلاقه وإنسانيته ! فالخوف من الآخرين هو ما يبعدنا عنهم وعن التصالح معهم فتراهم من بعيد يختلفون عنك ويرونك من بعيد مختلفاً عنهم ! وما نحن إلا بشر …

ولنتذكر معا ما قال المفكر والكاتب ميخائل نعيمة : لو أن البشر عرفوا الله لما قسموه إلى عبراني ومسيحي ومسلم وبوذي ووثني ، ولما أهرق إنسان دم إنسان ولا أبغض إنسان إنسانا من أجل الله  …..

- صحيفة رأي اليوم 

الخميس، 20 أكتوبر 2016

ساهم في تغيير العالم ..

المواقف واللحظات الإنسانية كثيرة ومتنوعة في حياة البشر سواء كانت في أوقات الحرب أو السلم والراحة وتبقى هي الخالدة بذكراها ، فبعد قرن من الزمن لن يعود مُهِما لأي أحد ولا لأي جهة كانت حجم حسابك البنكي أو سيارتك الفخمة التي تمتلكها اليوم أو منصبك الهام الذي تعتليه الآن ، أو البيت الفاخر الذي تسكنه أنت وعائلتك الكريمة وما يحتويه من سبل الراحة والرفاهية ، ولا تلك العلامة التجارية العالمية الذي تعودت على شرائها واستعمالها والتباهي بها .. لكن ، بعد قرن من اليوم وبسبب موقف أو دور إنساني هام كنت قد لعبته في حياة إنسان ما ، قد يتغير العالم فيصبح أفضل بكثير من الآن ..



الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

كم أكره السياسة / صباح بشير

عندما تستسلم أمة لتعيش الحاضر من خلال الماضي فقط حتما ستكون النتيجة مَرَّضية غير طبيعية، حينما نقرأ التاريخ نجد أن الكثير من الحضارات السابقة ضاعت واندثرت بعد تمسكها بمعيقات حالت دون استمرارها واستهلاكها لذات الموروث والمعروف من العلوم دون أي إنتاج جديد، ونأيها عن التفكير ورفضها لكل من ينتقد الفكر السائد في عصرها.. حالة مشابهة نعيشها اليوم ضمن العديد من التحديات والضعف ومواجهة لخطر الإنقراض الحضاري وهو خطر حقيقي يتربص بنا ويمنعنا من التقدم، وذلك من خلال تمسكنا الشديد بتلك الموروثات والعادات والتقاليد التي تعادي وتحد من التحضر. 
نواكب اليوم سرعة في التغيير ضمن واقع مُعاش يحمل تدهورا واضحا في جميع مناحي الحياة، وما بين الإعتدال والتطرف يأخذ الدين موقعه الحالي لتغدو ظاهرة التدين والتعصب تملأ المجتمع وتكاد تغلق كل حيز به، فلا تترك مجالاً لم تتفاعل به سواء كان سياسيا أم اجتماعيا أم غيره من المجالات المختلفة، أصبحنا نشهد تحولات خطيرة فيما بين النصوص المتشددة التي أصبحت أكثر انتشاراً لتحل مكان تلك النصوص المعتدلة التي عهدناها قبل سنوات، كما أصبحت الهوية الدينية هي الهوية الطاغية بحيث تلغي أي هوية أخرى مهما كانت، مما يحد من التعددية والتنوع والاختلاف والمشاركة في تسيير الحياة، فلا يُفسح المجال للنقاش أو الحوار أو التفكير بصورة مغايرة عن المعايير الدينية السائدة، فكل ما هو مختلف هو كفر وكل من هو كافر مستباح! 
هناك دائما حكم مسبق يدعو لإلغاء الآخر ورفض وجوده لا لشيء إنما فقط لأنه مختلف، فحين يعادي الإنسان صديقه أو جاره أو زميله أو حتى أخاه لمجرد أنه يختلف معه بالرأي أو المعتقد فهذا يعني بأنه لا يؤمن بالحرية والديمقراطية، وحين يؤيد رفضه وعدم الإعتراف به أو الإعتداء عليه لمجرد الاختلاف فهذا يعني تهديده في كينونته الإنسانية ووجوده مما يحرض على قبول الجريمة ويزرع الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد.. إن من يتحلى بالأخلاق الإنسانية الرفيعة لا يمكن أن ينتهج وسائل الضغط والفرض بالقوة للدفع بالآخر نحو تغيير قناعاته، فمفهوم قبول الآخر المختلف بالفكر أو الرأي أو الدين أو العرق أو غيره، يعني القبول به كما يريد لنفسه وكما هو وليس كما نريد نحن له أن يكون وذلك بما يكفل حقه بالمساواة مع الجميع. 
​هذا الوضع جعل مجتمعاتنا تعيش حالة من الإنفصام حيث نعاني من عقدة الخوف من آراء الناس المخالفة ووجهات نظرهم، هذا الخوف الدائم والمقارنة فيما بين لغة الحياة العصرية وبين حياتنا اليومية جعلنا نعيش معضلة الثنائية فيما بين الحداثة والتقليد لندور في دوامة مفرغة وطريق ضيق المخارج، مما دفع بالكثير من الناس للتوجه نحو التدين بتطرف فأصبح لا يسيطر على عقولهم إلا أطياف الماضي وما كانت عليه المجتمعات الإسلامية في حالة من الإزدهار خلال فترة عصرها الذهبي، لدرجة إيمانهم المطلق بأن الحلول تقبع في الماضي فقط وفي نهج الإسلام السياسي! 
عملياً لم ينتج هذا التفكير سوى عقلية متعصبة تتبلور حول الثقافة والتراث القديم بكل ما يحمل من أساطير وقصص حقيقية أو خيالية أو رموز. 
هذه العقلية ترفض رفضا مطلقا كل ما هو جديد من الأفكار والقيم الإنسانية كالديمقراطية وتقبل الآخر المختلف دينيا ونبذ الخرافة وغيرها، فكل هذه الأفكار مختلفة ودخيلة وكل ما هو دخيل هو خطر عليهم التخلص منه بحيث لا تدرك هذه الفئة من الناس بأننا في سباق حقيقي مع الزمن فإما أن نقضي على التخلف أو يقضي هو علينا، ولا يخفى على أحد بأننا نعايش موجة طاغية من الهوس والتعصب الديني، وها نحن نسمع من كل مكان أصواتا تنادي بعدم التفكير، إياك أن تفكر، إقبل واستسلم! رواج سوق الخرافة بات في ازدياد ونسمع فتاوى لا حصر لها من هنا أو هناك، نستقبل منهم كل غريب ومنغلق باحترام وإقبال أملاً في النجاة من واقع أليم، ويتم التسويق لقصص أشبه بالميثولوجيا الخرافية، ونتلقى كل هذا ونعيشه يوميا مما يؤثر على​ نفسية الفرد ويحدد ملامح شخصيته ومستوى تفكيره وتكوينه النفسي وإنتاجه الإنساني، بالتالي نحصل على واقع متخلف غبي مشوهاً للإنسان عقلا وروحاً.. 
من خلال هذا الحضور الطاغي للأديان يتحكم بنا الماضي فيسيطر على مجتمعاتنا ويصادرها ويصادر معها عقولنا وأفكارنا وتطلعاتنا ومستقبلنا، ولا زلنا نمرر كل هذا باحترام وتبجيل ونستغرب بأننا لا زلنا نعيش واقع التخلف في أوطاننا!
نحن حينما نعول على الدين كاعتقاد إنساني ليكون هو المنقذ الوحيد فقط دون مسيرة جادة من العلم والعمل علينا أن نعي بأن الأزمة الإنسانية التي نعيشها اليوم ستتفاقم بشكل خطير وستصبح أكثر تعقيدا.
​فلماذا لا تأخذنا عقولنا إلى مساحات واسعة من الإنفتاح الحضاري ؟ وبالطبع هذا لن يحصل إلا إذا حررناها من أسر الماضي. 
لماذا لا ننظر حولنا فنرى العالم بكل شفافية ووضوح، ولماذا لا ندرس مجتمعاتنا وأمراضها ومشاكلها ونلاحظ مجتمعات الآخرين بتقدمها وإنسانيتها وتفوقها الحضاري ؟ لماذا لا نتعلم من تجاربهم وأفكارهم العلمية والإجتماعية والإنسانية، فنأخذ منها كل ما هو مفيد وأساسي ونحاول بناء مجتمعات تواكب كل هذا التقدم العلمي والحضاري ؟ إلى متى سنعيش في حصن الماضي السحيق ومتى سندرك بأن الماضي ليس سوى ملاذ من لا حاضر ولا مستقبل له….
إن السياسة هي المحرك الديني لدى الشعوب، لقد بتنا ندرك بأن تصاعد التوترات السياسية هي السبب المباشر في تشبث الناس بالماضي وتدينهم المتطرف في محاولة يائسة للهروب من الواقع الحاضر وصعوبته أو التخفيف من حدته مما يخدم بعض المصالح السياسية من خلال طرحها لرسالة دينية ذات أبعاد سياسية.
أرجو أن لا أُفهم بشكل خاطئ فأنا موحدة بالله بإيمان تام ولم أكن يوما ضد الأديان كما أنني مؤمنة باحترام الرأي الآخر ونبذ العنف وحب الخير وكل القيم الأخلاقية التي تسمو بالإنسان وترتقي به ولها أنادي وأكتب دائما، ولا أمتلك أي توجه سياسي ولم أنتم يوما إلى أي حزب أو حركة سياسية، وكم أكره السياسة لأنها تُدخل
كل ما حولنا في نطاقها، فهي تقرر حياتنا ومصائرنا وتأكل وتشرب معنا في ذات الإناء، وتصادر عقولنا وتنام وتصحو بيننا بإسم الدين!
- صحيفة القدس العربي 

الأحد، 16 أكتوبر 2016

كاريكاتير ..

لا أحب أن أنشر أي رسم دون ذكر اسم صاحبه ولم أعرف إسم الفنان الذي رسم هذا الكاريكاتير لذا حاولت البحث عنه ولم أتوصل لشيء إلا أنني تفاجأت حين وجدت ذات الرسم باللغة الروسية ويبدو أن فنان عربي استعار نفس الرسم وكتب عليه ما كتب باللغة العربية ، ولا أعرف إن كان قد ترجم ما كُتب بالروسية إلى العربية أم أنه كتب ما كتب وفق رؤيته الخاصة , عموما أعجبني ما كُتب بهذا الكاريكاتير المُعّرب فهو واقعي جدا فالناس لا تحب سماع الحقيقة لخوفهم أن تضيع وتتحطم أمنياتهم !


لوحة ..

انكسار نظرة تحاول الاتكاء على ما قد يسندها ، يخيل لي بأنه صمت شعور بالخذلان ....... 
أراها تتحامل على حزنها بكبرياء وتكاد الدموع أن تخونها فهي تنطق بلغة صامتة غامضة ونظرة حزن سكنت عيونها .. القلب يبكي قبل العين أحيانا ... 
لوحة جميلة للفنان : ستيفن بان (Stephen Pan)


لوحة ..

يداها تنساب على الورق بتأمُل وهدوء بالغ ، لا بد وأن لديها شيئا ما يجب أن يُكتب ، وبين طيات دفترها وأوراقه يبدو أنها ستكتب لنا شيئا من الحياة ، فهل هي رسالة حب أم خاطرة أم تجربة ما ؟ أنظر إليها فأجدها مبتسمة جادة وكأنها ستكتب نصاً هاماً تثور به على صمتها ، لكني لا أرى شيئا مما كتبت إذ يبدو أنها لا زالت تتأمل وتفكر ، لربما يلهمها بياض الورقة فيحملها بعيدا جدا عن سواد الأرواح من حولها ، أو لربما ذلك الضوء الخافت يحملها للكتابة على بصيص من أمل .. 
اللوحة للفنان : ( Emmanuel Garant )




السبت، 15 أكتوبر 2016

ضميرك الحي بوصلة لا تخطئ / صباح بشير

​يلاحظ المتأمل في مجتمعاتنا العربية انهيارا واضحا لمنظومة القيم الأخلاقية وتطرفها حيث أصبحت قيم النفاق والرياء الاجتماعي والوصولية قناعة وسلوكا يغطي على النزاهة والنخوة والإيمان بالمساواة الاجتماعية ​واحترام القانون والإنسان، وبات التسلق والصعود على أكتاف الغير والتواكل والتظاهر بصفات الشرف والأمانة مُتَقبلا ومرحبا به!
أصبحنا نعتبر الزيف والخداع فن من فنون الشطارة والفطنة والذكاء!
صراع بغيض تتسابق به الكثير من فئات المجتمع على فتات الحياة فيتساوى فيه الكبير والصغير مما يكشف الوجه القبيح للكثير ممن خدعونا يوما برقي أخلاقهم فظننا أنهم برتبة الملائكة!
ومما نشاهده في حياتنا من آفات، آفة الكذب الهادف وذلك لأجل تحقيق مصالح شخصية وإيهام الناس بما هو غير حقيقي! ولمن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي ورُّواد فيسبوك تحديدا، نلمس هناك صورة واضحه لذلك، فنجدهم دائما يتصفون بالمثالية المطلقة، فنراهم ينبذون العنف والتطرف ويعشقون الوطن، يؤيدون ويصفقون لفاعل الخير، يحترمون حقوق الإنسان ويدّعون احترامهم للمرأة وكأنها لا تعيش بينهم مضطهدة أو معنفة أو كأنهم لا يسيئون معاملتها بإسم الدين والشرف!
يطالبون بحقوق الطفولة والكهولة ويدعون إلى التسامح والمحبة وفعل الخير ونبذ الشر، ينتقدون الفساد ويطالبون بحقوق العباد، كما نجد الكثير منهم من المتنورين والمفكرين والشعراء ومرهفي الحس! وكل هذا على فيسبوك فقط، هذا العالم الإفتراضي الشاسع الواسع.
​السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل نحن فعلا هكذا؟ وهل هذا هو واقعنا حقاً؟ وإذا كنا نحمل كل هذه الروح المسالمة المحبة وهذه الثقافة الراقية فإذاً من الذي يقتل ويخرب ويضطهد الآخر ويعنفه ولا يتقبله؟ وكيف نتقبله بكل رحابة صدر على تلك المواقع الإجتماعية بينما نرفضه في حياتنا الواقعية ونمارس عليه التسلط أو العدائية؟
بدليل كل هذه الانقسامات والفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتخبط الذي نعيشه ويفتك بنا، فهل أصبحت مجتمعاتنا مُنفصِمة تعاني أمراضاً نفسية لا حصر لها أم أنه صوتنا المعبر عن أحلامنا وطموحاتنا ليتخذ من تلك المواقع وسيلة للتنفيس هربا من واقع مرير إلى عالم افتراضي مثالي؟!
​الحاجة إلى عالم هادئ مسالم ومثالي هي حاجة إنسانية بحتة وإن لم تتوفر فيبدو أن الفرد يلجأ لاختلاق الوهم وتلوين الصورة! فهل هذا دفاع عن أنفسنا أم تجميل لواقع مرير؟ أم هي فقط خيارات بين كل من الممكن والمتاح؟
بصراحة.. لا أعرف! ​
​نحن نعلم أن الثقافة والوعي والتربية السليمة تلعب دورا كبيرا في ترسيخ القناعات الإنسانية، لذا فالخطورة تكمن في الإهمال والتقبل والتعود، والانحطاط الأخلاقي لا يحدث سوى التفرقة والصراع والعنف إذ كلما تناقصت أخلاقنا تعمقت مظاهر الفساد لدينا، وعلى ضوء ما نمر به من تحديات علينا أن نعيد قراءة ذاتنا وأن لا نسمح بالتشويش على عقولنا، نحن بحاجة لتعليم بنّاء يرافقه الكثير من الوعي ورغبة حقيقية في التقدم واحترام الفرد ككائن حر مستقل بذاته، علينا أن لا نستسلم للواقع فَنُبرره وندافع عنه ونجمّله لنتقبله ونتسامح معه، وبدافع أن الكل يكذب لذا ما الضرر؟ لنكذب! وبحجة أن الجميع يساير ويخادع للوصول إلى غايته وهي الطريقة الأنجح للوصول فإذن سنقلدهم!
وبما أن المجتمع يعمه الفساد فإن كنت شريفا ستضيع فرصتي في التقدم لذا سأكون شخصا وصوليا! ما الذي سيمنعني فالجميع هكذا؟!!!! هذا هو العذر الأقبح من الذنب وعلى رأي المثل الشعبي القائل : الموت مع الجماعة رحمة!
​الغاية لا تبرر الوسيلة وهذا ​ما تعلمناه في طفولتنا، فإلى متى سنعيش رهن كل هذا العجز مكتفين بما لدينا وما تقرره أخلاق القطيع!
​علينا بإعادة النظر في كل ما هو موجود من موروثات وقيم أخلاقية، فالقيم الإنسانية النبيلة ما هي إلا ركن من أركان الحياة تًسعد بني البشر وتنظم حياتهم لترتقي بها وتحقق مصالحهم بالتواصل الناجح الفعال مع الآخرين ضمن حضارة كونية رحبة تتسع للجميع. ​
​الأخلاق الطيبة ورقيها هي فعل وممارسة يومية وليس تظاهرا ومراءاة، ​فنحن لم نقرأ يوما بأن التاريخ مَجَّد أولئك الذين باعوا ضمائرهم وفضلوا مصالحهم على مجتمعاتهم وأوطانهم، فالسعادة الحقيقية هي تلك التي لا تجعلنا نشعر بتعذيب الضمير حين نصل إليها بطرق غير مشروعة.
​أخي الإنسان.. اجعل من ضميرك الحي مصباحا مضيئا ينير لك الطريق فنحن كثيرا ما نُخدَع​ ببريق زائف من حولنا، لكن بمجرد مراجعة حقيقية صادقة مع النفس فإننا سنسمع ما ينادينا من الداخل لنشعر بأن هناك شيئا ما غامض وغير صحيح.. وهنا على ضميرك الحي النقي أن يقودك نحو النور وتذكر دائما بأن كل ما يتطلبه الفساد للبقاء على الأرض هو صمت ذوي الضمائر الحية.

- صحيفة القدس العربي 

الأحد، 9 أكتوبر 2016

أين الشرف في جرائم القتل على خلفية الشرف ؟ صباح بشير

المرأه هي نبع الحنان وهي الام الرؤوم ، وهي الاخت رفيقة طفولتنا .. الزوجة رفيقة الروح   ، والابنه أمل المستقبل ، والصديقة المخلصه .. فهي الانسانه التي تنبض عطاء ومحبه .. وقد حققت المرأه اليوم مكانه لا بأس بها لم تحصل عليها بالماضي بل واقتحمت وكانت عنصرا فعالا في كثير من مجالات الحياه ..  ولكن .... أشعر بأن  هناك عوائق وصعوبات عديدة لا زالت تعترض تمتع المرأة بالمساواة في عدة مجالات ، مما دفعني للكتابة   ، فهناك الكثير من الاخلاقيات المعروفة لدينا والذي يتعامل معها المجتمع بمنتهى الازدواجيه ،  فنراها محلله ومباحه للرجل على اعتباره الأقوى ،  ومحرمه وممنوعه على المرأه باعتبارها الطرف الأضعف ... ومن هذه الاخلاقيات التي يتعامل معها المجتمع بحساسيه بالغه هي قضية الشرف والاخلاق والمتعلق بالأنثى فقط بمفهومه الشرقي فهو يقتصرعلى المرأه دون الرجل !  فهل يعقل أن تقتصر الأخلاق والشرف بمفهومه في مجتمعاتنا العربيه على المرأه فقط دون الرجل فينظر اليها دائما على أنها متهمه الى ان تثبت برائتها ! ... ومن هنا نجد الازدواجية في مفهوم الشرف، في ظل غياب المعاني الساميه كالأمانه والإخلاص والإنتماء وحب الوطن والصدق والكرامه والعداله والحريه والعزه وغيرها من المعاني الانسانيه والتي لا تدخل ضمن تعريف كلمة الشرف لدينا فيقتصر مفهوم الشرف ومع الاسف فقط على جسد المرأه ونعطي الرجل الحق كل الحق بالاستبسال في الحفاظ عليه دون ان يكون للمرأه أي دور في ذلك فيكون الرجل وحده هو المسؤول امام المجتمع والعادات والتقاليد عن سلوك اخته او زوجته او ابنته ! حيث ان حماية شرف العائله هي مسؤوليته الذكوريه والذي سيلاحقه العار مستقبلا فيما إذا قصر... فيفرض على الأنثى الاحتشام فقط من أجل مساعدته في الحفاظ على شرفه ، فالأنثى الشريفه هي انعكاس لصورة الرجل الشريف لدينا ومن هنا يكون جسد المرأه هو وحده فقط محور الشرف ومقياسه حسب  العرف والتقليد والثقافه المتبعه !!  وذكور الاسره او العائله هم وحدهم أصحاب الحق في ذلك !كنت قد قرأت في ما مضى هذه المقوله الرائعه ...نحن مجانين إذا لم نستطيع أن نفكر ، ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر ، وأيضاً عبيد إذا لم نجرؤ على أن نفكر. 

إذا .. فلم تكون المرأة المتهم الوحيد في المشاكل الاخلاقية التي تحدث في المجتمع برغم وجود طرف مذنب اخر وهو الرجل ، فتتمثل المرأه هنا بالضحيه المعزوله والتي لا حول لها ولا قوه فيتعامل المجتمع معها كمخله بشرف العائله وتقاليدها ، وبردود فعل عنيفه واحتقار شديد وأحيانا تصل ردود الفعل  لدرجة الجريمه والقتل حيث تقتل المرأه دون أي مساس بالطرف الاخر وهو الرجل !  فهل من إنصاف في ذلك ؟ .... طبعا انا لا ابرر أو احاول إيجاد أعذار لمتجاوزي الأخلاقيات ، ولكن لو تعاملنا مع هؤلاء المتجاوزين بنفس الدرجه من العدل  دون التفريق في الحكم والعقاب على أساس الجنس والنظر اليهما كشريكان متساويان ، لتسود العداله الإجتماعيه والقانونيه ولتتلاشى النظرة القبلية لمفهوم الشرف الخاطئ لدينا .. فإلى متى ستظل المرأه تدفع ثمن الخطأ بناء على أساس جنسها ؟  والى متى ستظل العقليه الذكوريه الأبويه تعيق سن تشريعات وقوانين عادله تحمي المرأه من الإعتداء عليها ؟ ومتى سنستطيع النظر الى قضية القتل على خلفية الشرف بأفق أوسع وأشمل وبأنها قضية حقوقيه إنسانيه بحته علينا الخلاص منها بمعاقبة المجرم القاتل المرتكب لهذه الجريمه كأي مجرم قاتل اخر دون تخفيف العقوبه ؟ ومتى سيمتثل القانون والمجتمع بذلك ؟ 
طبعا نظرا لحساسية مثل هذه الجرائم والتي لا يعلن عنها فتبقي طي الكتمان إلا ما ندر !!  
 وغالبا ما يحاول المجتمع التستر بالدين عند ارتكاب مثل هذه الجرائم فنجدهم يتذرعون بأحكام شرعيه من هنا وهناك حتى يستطيعون التخلص من عقوبة ما اقترفت أيديهم .  
 بينما نجد ان جميع الأديان السماوية تحرم القتل . 
 وهنا يأتي دورالمثقف العربي في رفع مستوى الوعي الإجتماعي حول موضوع العنف الموجه ضد المرأه لكي لا تبقى هذه القضيه تراوح مكانها ، فالقانون مع الأسف يعطي القاتل فرصة للاستفادة من عذر محل يمنحه عقوبة مخففة . 
 ونجد بأن هذه القضيه تخلى عنها الجميع نظرا لحساسيتها فيتجنبون التطرق اليها والتعليق عليها ، فوقع الدور فقط على المؤسسات النسويه كونها تعبر عن وجهة نظر النساء وتمثلهن وتطالب بحقوقهن ، ولكن يبقى صوت هذه المؤسسات ضعيفا طالما ان الدوله لا تتبناه ! فهذه الجرائم تنعكس انعكاسا خطيرا على النساء والمجتمع بشكل عام حيث تنتهك حق الأنسان بالحياه كما أنها ظاهره خطيره تتسبب في هدم البيوت وتفكك الأسر وتتسبب في تفشي الظلم والقهر والإكتئاب للأسره الضحيه .
 من الجدير بالذكر أن المرأة لدينا تعاني من النظره الدونية لها منذ الولاده حيث تفضل الأسره إنجاب الذكور على الإناث، وتعطي الحق لللأخ في وصايته عليها حتى لو كان أصغر منها سنا فهو له الحق في أن يتسامح أو يتشدد مع عملها وتعليمها مثلا وحسب ما تقتضيه مصلحة العائله الماديه فلا يعتبر خروجها للعمل مخالفا للشرف في كثير من القرى المحافظه اذا اقتضت الضروره الماديه الاسريه لذلك ،وهكذا ترى المجتمع ينظر الى كثير من الأمور المتعلقه بالأنثى فحسب حاجة الأسره وحسب ما يرتأيه ذكور العائله مناسبا ....  فتمتثل الأنثى له !   
إذا فكل ما نرى ونسمع ونشاهد هو خلاصة موروثاتنا الذكوريه ومن المفروض على المرأه الإنصياع لها وللعديد من الممارسات الاجتماعيه التي تفرض من قبل الرجل على قريباته من الدرجه الاولى من الإناث ، وبالتالي فإن الموروثات من العادات والتقاليد هي المحرض الأساسي للقتل على خلفية الشرف .

 ألم يحن الوقت لننفض الغبار المتراكم على عقولنا وأفكارنا منذ سنوات ؟ وللتفكير مليا .. كيف نساعد مجتمعاتنا في التخلص من هذه الافه الخطيره ؟ 
على المثقفين في مجتمعاتنا العربيه بتبنى افكار جاده تساعد في تغيير مفهوم الشرف لدينا لنستبدله بمعاني إنسانيه رفيعه ، وخلق وتسويق المعاني الساميه الجديده لكلمة الشرف حتى يتبناها المجتمع ويؤمن بها . 
الآن ..   كيف نستطيع التخلص من هذه الآفه الاجتماعيه الخطيره ؟ وكيف نسوق افكار بناءه جديده ضد الافكار القبليه الهمجيه الخطيره في قضية الشرف ؟  لنتخلص من هذه الآفه ألخطيره دون أن نصطدم بالمجتمع علينا بالتكاتف مع وسائل الاعلام لمكافحة هذا المرض  من خلال زرع أفكار جديده في نفوس شبابنا  بمهاجمة واحتقار المجرم المرتكب لجريمة القتل على خلفية الشرف والتعامل معه على أنه مجرم جبان لا شرف له وان نتعامل مع من يؤيده بمثل تعاملنا معه .. أيضا علينا بتخليد إسم الضحيه كضحيه مجتمعيه وذكر عنوانها وعرض صورها ، وذكر اسماء افراد عائلتها وخاصة القاتل حتى يشعر المجرم بأن العار سيلاحقه وأسرته مدى الدهر لا من خجله من قضية الشرف إنما من خجله من قتل أخته أو زوجته أو ابنته الآمنه داخل البيت .. وليشعر القاتل ايضا بأن الجريمه هي قمة إنعدام الشرف وأكثر ضررا من الشرف نفسه بمفهوم القاتل الخاص ..  بمعنى ان ارتكاب الجريمه سيتسبب لهم بالفضيحه لا بالستر فلا يعامل المجرم القاتل كبطل قومي دافع عن شرف العائله وإنما كمجرم قاتل يتسبب في دمار وهلاك المجتمع .. ومن هنا وعلى المدى البعيد سيؤثر ذلك في نفوس الشباب مما يدفعهم للتفكير مليا قبل ارتكاب الجريمه ، فنحقق بذلك الكثيرعلى المدى البعيد .
 ولم لا ؟ ...  لم لا تتظافر الجهود وتتكاتف وسائل الإعلام والمؤسسات والحركات النسويه في القضاء على هذه الظاهره لغرس قيم مجتمعيه بناءه في نفوس الجيل الجديد حيث الأمل سيقى موجودا بهم .. وبالتأكيد هم العنوان وهم من يحملون الأمل فلم لا نبني معا مستقبل واعد خالي من العنف ؟ ولم لا نحمل رساله ساميه لبناء مجتمع يتقبل الاخر متسامح ويحترم حقوق الإنسان والمرأه مما يساهم في تحقيق التنميه المجتمعيه الحقيقيه ..





نشر بتاريخ 23/12/10 م 

صباح بشير: المرأة العربية بين الفرص والتقاليد

  ما زالت المرأة العربية تخوض كفاحاً مستمراً لنيل حقوقها الاجتماعية والإنسانية، ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات، فما الذي تمّخض عنه كفاح...